بازگشت

الشيعة و يوم عاشوراء


لماذا يهتم الشيعة هذا الاهتمام البالغ بذكري الحسين، و يعلنون الحداد عليه، و يقيمون له عشرة أيام متوالية من كل عام؟! هل الحسين أعظم و اكرم علي الله من جده محمد و أبيه علي؟! و اذا كان الحسين اماما فأن جده خاتم الانبياء، و اباه سيد الاوصياء! لماذا لا يحيي الشيعة ذكري النبي و الوصي، كما يفعلون بذكري الحسين؟!

الجواب ان الشيعة لا يفضلون احدا علي الرسول الأعظم. انه أشرف الخلق دون استثناء، و يفضلون عليا علي الناس باستثناء الرسول، فقد ثبت عندهم ان عليا قال مفاخرا: «أنا خاصف النعل» اي مصلح حذاء الرسول. و قال: «كنا اذا حمي الوطيس لذنا برسول الله» و قال: دخلت علي رسول الله، و كانت له هيبة و جلالة، فلما قعدت بين يديه افحمت، فوالله ما استطعت ان اكلمه».

اجل ان الشيعة الأمامية يعتقدون ان محمدا لا يوازيه عندالله ملك مقرب و لا نبي مرسل، و ان علينا خليفته من بعده، و خير أهله و صحبه، و اقامة عزاء الحسين مظهر لهذه العقيدة، و عمل مجسم لها، و تنضح هذه الفكرة اذا عرفنا هاتين الحقيقتين.

1- تزوج الرسول الأعظم (ص)، و هو ابن 25 سنة، و قبض و له 63، و بقي بعد خديجة دون نساء سنة واحدة، ثم تزوج الكثيرات حتي


جمع في آن واحد بين تسع، و امتدت حياته الزوجية 37 عاما، و رزق من خديجة ذكرين: القاسم و عبدالله، و هما الطيب و الطاهر، ماتا صغيرين، و رزق منها ايضا أربع بنات: زينب و ام كلثوم و رقية و فاطمة، اسلمن و تزوجن و توفين في حياته ما عدا فاطمة، و ولدت له مارية القبطية ابراهيم، و اختاره الله، و له من العمر سنة و عشرة اشهر و ثمانية أيام، فانحصر نسل الرسول بفاطمة و ولديها من علي الحسن و الحسين، فهم اهله الذين ضمهم و اياه «كساء» واحد و بيت واحد.

و قد كان هؤلاء الاربعة (ع) بعد الرسول (ص) سلوة و عزاء للمسلمين عن فقد نبيهم، و ان عظم الخطب، لأن البيت الذي كان يأويه مازال مأهولا بمن يحب، عامرا بأهله و ابنائه، و ماتت فاطمة بعد أبيها ب 72 يوما، فبقي بيت النبي مزينا و مضيئا بعلي و الحسن و الحسين، ثم قتل علي فظل الحسنان، و كان حب المسلمين لهما لا يعادله شي ء الا الحب لنبيهم الكريم، لانهما البقية الباقية من نسله و أهل بيته، و بعد ان ذهب الحسن الي ربه لم يبق من أهل البيت الا الحسين، فتمثلوا جميعا في شخصه، فكان حب المسلمين له حبا لأهل البيت اجمعين، للنبي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين، تماما كما لو كان خمسة أولاد اعزاء، ثم فقدت منهم اربعة، و بقي منهم واحد فانه يأخذ سهم الجميع و توازي منزلته من قلبك منزلة الخمسة مجتمعين، و بهذا نجد تفسير قول سيدة الطف زينب، و هي تندب أخاها الحسين يوم العاشر من المحرم «اليوم مات جدي رسول الله، اليوم ماتت أمي فاطمة، اليوم قتل أبي علي، اليوم سم أخي الحسن» و نجد تفسير ما قاله الأمام الشهيد لجيش يزيد حين صمموا علي قتله: «فوالله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم». و اذا أقفل بيت الرسول بقتل الحسين كان، و الحال هذه،


استشهاده استشهادا لأهل البيت جميعا، و احياء ذكراه احياء لذكري الجميع.

2- ان وقعة الطف كانت و مازالت ابرز و أظهر مأساة عرفها التاريخ علي الأطلاق، فلم تكن حربا و لا قتالا بالمعني المعروف للحرب و القتال، و انما كانت مجزرة دامية لآل الرسول كبارا و صغارا، فلقد احاطت بهم من كل جانب كثرة غاشمة باغية، و منعت عنهم الطعام و الشراب اياما، و حين اشرف الجميع علي الهلاك من الجوع و العطش انهالوا عليهم رميا بالسهام، و رشقا بالحجارة، و ضربا بالسيوف، و طعنا بالرماح، و لما سقطوا صرعي قطعوا الرؤوس، و وطأوا الجثث بحوافر الخيل مقبلين و مدبرين، و بقروا بطون الاطفال، و اضرموا النار في الأخبية علي النساء؛ فجدير بمن والي نبيه الاكرم و أهل بيته ان يحزن لحزنهم، و ان ينسي كل فجيعة و رزية الا ما حل بهم من الرزايا و الفجائع معددا مناقبهم، و مساوي ء اعدائهم مادام حيا.

ان الحسين عند شيعته و العارفين باهدافه و مقاصده ليس اسما لشخص فحسب، و انما هو رمز عميق الدلالة، رمز للبطولة و الانسانية و الامل، و عنوان للدين و الشريعة، و الفداء و التضحية في سبيل الحق و العدالة، كما ان يزيد رمز للفساد و الاستبداد، و التهتك و الرذيلة، فحيثما كان و يكون الفساد و الفوضي و اتنهاك الحرمات و اراقة الدماء البريئة و الخلاعة و الفجور و سلب الحقوق و الطغيان فثم اسم يزيد و اعمال يزيد، و حيثما كان و يكون الثبات و الاخلاص و البسالة و الفضيلة و الشرف فثم اسم الحسين و مبادي ء الحسين، و هذا ما عناه الشاعر الشيعي من قوله:



كان كل مكان كربلاء لدي

عيني و كل زمان يوم عاشورا