بازگشت

رأس الحسين


واقعة الطفّ كان لها صدي عالمياً ولشناعتها فقد استنكرها الجميع من مسلمين وغيرهم، ولم يرتضها العقل البشري، لأنها لم تنسجم مع قوانين الكون ومبادئه الإنسانية، وقد أحدثت هذه الجريمة زلزالاً في عالم الكون، وقد نقل لنا التاريخ شواهد كثيرة منها:

دخل علي يزيد بن معاوية رأس الجالوت فرأي الرأس بين يديه فقال: أيّها الخليفة، رأس من هذا؟ قال: هذا رأس الحسين. قال: فمن أُمّه؟ قال: فاطمة بنت مـحمد (صلي الله عليه وآله وسلم). قال: فبم استوجب القتل؟ قال: أهل العراق كتبوا إليه ودعوه أن يجعلوه خليفة فقتله عاملي عبيد الله بن زياد، فقال رأس الجالوت: ومن أحق منه بالخلافة وهو ابن بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ فما أكفركم؟! وقال: اعلم يا يزيد، أن بيني وبين داود مائة وثلاثة جّداً واليهود يعظّموني، ولا يرون التزويج إلا برضاي، ويأخذون التراب من تحت أقدامي، ويتبركون به، وأنتم بالأمس كان نبيكم بين أظهركم، واليوم وثبتم علي ولده فقتلتموه، فتباً لكم ولدينكم، فقال يزيد: لولا أن بلغني عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: (صلي الله عليه وآله وسلم)من قتل معاهداً كنت خصمه يوم القيامة(عليهم السلام) لقتلتك لتعرّضك، فقال رأس الجالوت: يا يزيد، يكون خصم من قتل معاهداً ولا يكون خصم من قتل ولده، ثمّ قال رأس الجالوت: يا أبا عبد الله، اشهد لي عند جدّك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ مـحمداً عبده ورسوله، فقال له يزيد: الآن خرجت من دينك ودخلت في دين الإسلام، فقد برئنا منك، ثم أمر بضرب عنقه [1] .

عن أبي الأسود قال: لقيت رأس الجالوت [2] فقال: إن بيني وبين داود سبعين أباً، وإن اليهود إذا رأوني عظَّموني، وعَرفوا حقي، وأوجبوا حِفْظي، وإن ليس بينكم وبين نبيكم إلا أب واحد قتلتم ابنه [3] .

وعن زيد بن أرقم قال: كنت عند عبيد الله بن زياد لعنه الله إذ أُتي برأس الحسين بن علي، فوضع في طست بين يديه، فأخذ قضيباً فجعل يفتر به عن شفته وعن أسنانه، فلم أر ثغراً أحسن منه كأنّه الدرّ، فلم أتمالك أن رفعت صوتي بالبكاء، فقال: ما يبكيك أيّها الشيخ؟ قلت: يبكيني ما رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقبِّل بعض موضع هذا القضيب ويلثمه ويقول: (عليه السلام)اللّهُمّ إُنّي أُحبّه فأَحِبَّه(عليه السلام) [4] .

عن المنهال بن عمر قال: أنا والله رأيت رأس الحسين حين حمل وأنا بدمشق، وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف حتي بلــغ قــوله تعالي: أَم حَسِبْتَ أنَّ أصحــابَ الكَــهْفِ والرقيم كانوا من آياتِنا عَجَبا [5] . فانــطق الله الــرأس بلســان ذرب، فقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي(عليهم السلام) [6] .

عن عليّ بن الحسين زين العابدين أنّه قال: (عليه السلام)لمّا أُتي برأس الحسين (عليه السلام) إلي يزيد كان يتّخذ مـجالس الشرب، ويأتي برأس الحسين فيضعه بين يديه ويشرب عليه، فحضر ذات يوم أحد مـجالسه رسول ملك الروم، وكان من أشراف الروم وعظمائها فقال: يا ملك العرب رأس من هذا؟ فقال له يزيد: مالك ولهذا الرأس؟ قال: إني إذا رجعت إلي ملكنا يسألني عن كل شيء رأيته، فأحببت أن أخبره بقصة هذا الرأس وصاحبه، فقال يزيد: رأس الحسين بن علي بن أبي طالب، فقال: ومن أُمّه؟ قال: فاطمة الزهراء. قال: بنت من؟ قال: بنت رسول الله فقال الرسول: أف لك ولدينك، ما دين أخسّ من دينك، اعلم أنّي من أحفاد داود وبيني وبينه آباء كثيرة والنصاري يعظّموني، ويأخذون التراب من تحت قدمي تبركاً؛ لأني من أحفاد داود، وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله وما بينه وبين رسول الله إلاّ أُمّ واحدة، فأي دين هذا؟

ثمّ قال له الرسول: يا يزيد، هل سمعت بحديث كنيسة الحافر؟ فقال يزيد: قل حتي اسمع، فقال: إنّ بين عمان والصين بحراً مسيرته سنة ليس فيه عمران إلاّ بلدة واحدة في وسط الماء طولها ثمانون فرسخاً وعرضها كذلك، وما علي وجه الأرض بلدة أكبر منها، ومنها يحمل الكافور والياقوت والعنبر وأشجار العود، وهي في أيدي النصاري لا ملك لأحد فيها من الملوك، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة، أعظمها كنيسة الحافر في مـحرابها حقّة من ذهب معلّقة فيها حافر يقولون: إنّه حافر حمار كان يركبه عيسي، وقد زُيّنت حوالي الحقة بالذهب والجواهر والديباج والابرسيم، وفي كل عام يقصدها عالم من النصاري، فيطوفون حول الحقة ويزورونها ويقبّلونها ويرفعون حوائجهم إلي الله ببركتها، هذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار يزعمون انه حافر حمار كان يركبه عيسي نبيهم، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم، لا بارك الله فيكم ولا في دينكم.

فقال يزيد لأصحابه: اقتلوا هذا النصراني، فإنّه يفضحنا إن رجع إلي بلاده، ويشنع علينا، فلما أحسّ النصراني بالقتل قال يا يزيد: أتريد قتلي؟!

قال نعم.

قال: فاعلم أنّي رأيت البارحة نبيكم في منامي وهو يقول لي: يا نصراني أنت من أهل الجنة. فعجبت من كلامه حتي نالني هذا، فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأن مـحمداً عبده ورسوله، ثمّ أخذ الـرأس وضـمّه إليـه، وجـعل يبكي حتي قتل(عليهم السلام) [7] .

روي أنّه كان في مـجلس يزيد هذا حبر من أحبار اليهود فقال: يا أمير المؤمنين، من هذا الغلام؟ قال: علي بن الحسين. قال: فمن الحسين؟ قال: ابن عليّ بن أبي طالب. قال: فمن أُمّه. قال: فاطمة بنت مـحمّد، فقال له الحبر: يا سبحان الله! فهذا ابن بنت نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة، بئسما خلفتموه في ذرّيّته، فو الله لو ترك نبيّنا موسي بن عمران فينا سبطاً لظننت أنا كنا نعبده من دون ربنا، وأنتم فارقتم نبيكم بالأمس فوثبتم علي ابنه وقتلتموه، سوأة لكم من أُمّة، فأمر يزيد به فوجئ بحلقه ثلاثاً، فقام الحبر وهو يقول: إن شئتم فاقتلوني، وإن شئتم فذروني، إني أجد في التوراة: من قتل ذريّة نبي فلا يزال ملعوناً أبداً ما بقي، فإذا مات أصلاه اللهُ نار جهنّم.

قال بعض العلماء: إن اليهود حرموا الشجرة التي كان منها عصا موسي أن يخبطوا بها، وإن يوقدوا منها النار، تعظيماً لعصا موسي، وإن النصاري يسجدون للصليب لاعتقادهم فيه أنه من جنس العود الذي صلب عليه عيسي، وان المجوس يعظمون النار لاعتقادهم فيها إنها صارت برداً وسلاماً علي إبراهيم بنفسها، وهذه الأمة قد قتلت أبناء نبيها، وقد أوصي الله تعالي بمودتهم ومولاتهم، فقال عزَّ من قائل: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربي [8] .

وخرج علي بن الحسين ذات يوم فجعل يمشي في سوق دمشق فاستقبله المنهال بن عمرو الضبابي فقال: (صلي الله عليه وآله وسلم)كيف أمسيت يا بن رسول الله؟ فقال: أمسيت - والله - كبني إسرائيل في آل فرعون، يُذبِّحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، يا منهال أمست العرب تفتخر علي العجم بأن مـحمداً (صلي الله عليه وآله وسلم) عربي، وأمست قريش تفتخر علي سائر العرب بأنّ مـحمداً قرشي منها، وأمسينا آل بيت مـحمد ونحن مغصوبون مظلومون مقهورون مقتولون مشردون مطرودون، فإنا لله وإنا إليه راجعون علي ما أمسينا يا منهال(عليهم السلام) [9] .


پاورقي

[1] مقتل الحسين لأبي مـخنف: ص 202.

[2] الجالوت: الجالية من اليهود أي الذين جلوا عن أوطانهم ببيت المقدس، ورأس الجالوت: رئيسهم، وکان من ولد داود (عليه السلام)؛ العقد الفريد: ج 4 ص 351.

[3] العقد الفريد: ج 4 ص 351؛ جواهر العقدين في فضل الشرفين: ص 414.

[4] تاريخ مدينة دمشق: ج 14 ص 236 ح 3545؛ سير أعلام النبلاء: ج 4 ص426 رقم: 270.

[5] سورة الکهف: الآية 9.

[6] الخصائص الکبري: ج 2 ص 127.

[7] مقتل الحسين للخوارزمي: ج 2 ص 72؛ الصواعق المحرقة: ص 198؛ جواهر العقدين في فضل الشرفين: ص 413.

[8] سورة الشوري: الآية 23. مقتل الحسين للخوارزمي: ج 2 ص 101.

[9] مقتل الحسين للخوارزمي: ج 2 ص 71.