بازگشت

في حرمة الطين


أنه قد تكاثر الاخبار في حرمة الطين كما عن الصدوق، في «العيون» بسنده عن الكاظم (عليه السلام) «لا تاخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به فان كل «تربة» لنا محرمة الا تربة جدي الحسين بن علي عليهماالسلام فان الله عزوجل جعلها شفاء لشيعتنا و اوليائنا [1] .

و عنه، بسنده عن الرضا (عليه السلام): «اكل الطين حرام مثل الميتة و لحم الخنزير» [2] .


و عنه في العلل: بسنده عن أبي يحيي الواسطي عن رجل عن أبي عبدالله (عليه السلام)، «الطين حرام اكله كلحم الخنزير» [3] .

و بسنده عن الصادق (عليه السلام): «قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: «من اكل الطين فهو ملعون» [4] .

و بسنده عن الصادق (عليه السلام): «قال: ان الله عزوجل خلق آدم من الطين فحرم أكل الطين علي ذريته» [5] .

و عن المحاسن مثله [6] . و في «كامل الزيارات» بسنده عن الرضا (عليه السلام): «قال: اكل الطين حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير الا طين قبر الحسين (عليه السلام) فان فيه شفاء من كل داء و امنا من كل خوف [7] .

و بسنده عن الرضا (عليه السلام): «قال: كل طين حرام كالميتة و ما اهل لغير الله به ما خلا طين قبر مولانا الحسين (عليه السلام) فانه شفاء


من كل داء [8] .

و يرشد الي ذلك ما دل علي حرمة طين قبر مولانا الحسين (عليه السلام) في غير الاستشفاء:

كما في «مصباح المتهجد» عن حنان بن سدير، عن الصادق (عليه السلام)، قال: «من اكل طين قبر الحسين (عليه السلام) غير مستشف به فكأنما اكل من لحومنا» [9] .

و عن «دعوات الراوندي» عن سدير، عن الصادق (عليه السلام): قال: «من اكل من طين قبر الحسين غير مستشف به فكانما اكل من لحومنا» [10] .

لكن مقتضي بعض الاخبار، الكراهة، كما عن «الخصال»:

بالاسناد الي أبي عبدالله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)، في وصايا النبي صلي الله عليه و آله الي علي (عليه السلام) «يا علي ثلاث من الوسواس اكل الطين، و تقليم الاظفار بالأسنان، و اكل اللحية» [11] .

أقول: قد جعل معني الطين «في الصحاح» و «القاموس» معروفا، لكن، قال: «الراغب» في «المفردات»: الطين: «التراب و الماء المختلط به». و قد يسمي بذلك و ان زال عنه قوة الماء، و ربما يقتضي اختصاص الحرمة


بالمبلول، ما عن الصدوق» في «معاني الاخبار» عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قلت له، ما يروي الناس في الطين و كراهته؟ قال: انما ذلك المبلول و ذلك المدر [12] .

و بناء علي كون الغرض، اختصاص الحرمة بالمبلول دون المدر اليابس، كما فهمه الصدوق، بل جري عليه العلامة المجلسي، في بعض حواشي «التهذيب»، الا أن الظاهر، بل بلا اشكال انه لم يقل به أحد، مع أنه لا يساعده العبارة بوجه بل، قال العلامة المشار اليه في «البحار»: و هذا مما لم يقل به صريحا أحد.

و قال في حاشية «التهذيب»: و هذا مما لم يقل به أحد. و احتمل في «البحار» [13] الحمل علي كون الغرض، ان المحرم انما هو المبلول و المدر دون غيرهما، مما يستهلك في الدبس، و يقع علي الثمار و سائر المطعومات و حكاه في حاشية «التهذيب» عن بعض الافاضل.

قال في «البحار»: و كذا في حاشية «التهذيب» فالحصر اما اضافي بالنسبة الي ما ذكرنا.

او المراد «بالمدر» ما يشمل التراب ايضا، و احتمل في «البحار» أيضا: كون الغرض الالزام علي المخالفين للاستشفاء بتربة الحسين (عليه السلام) بأن، ما استدلتم به من الاخبار علي تحريم التراب، ظاهرها، التراب و اطلاقه علي غيره مجاز، فلا يمكنكم، الاستدلال بها علي تحريم «التراب»


و «المدر».

قال: و علي التقادير الكراهة محمولة علي الحرمة انتهي [14] .


و كل مما ذكر من الاحتمال محل الاشكال.

و عن «المقدس» ان الظاهر، أن الطين لغة و عرفا هو «التراب» المختلط بالماء، و يؤيده، صحيحة معمر بن خلاد، بل هي انما تدل علي الحرمة بعد اليبوسة و عدم اشتراط بقاة الرطوبة، و ان لزم الامتزاج و لا يحرم غير ذلك، للأصل و العمومات و حصر المحرمات.

قال: و المشهور بني المتفقهة أنه: يحرم التراب و الارض كلها حتي الرمل و الاحجار، و بالجملة القدر المتيقن من مدلول «الطين» هو التراب، المخلوط بالماء فعلا، لما في تفسير «الراغب» و لا ينافيه، تفسير «القاموس» بالمعروفية لامكان كون الغرض، المعروفية، في التراب المخلوط، بالماء و يشهد به تفسير «المدر» من «القاموس» بالطين اليابس، لاقتضائه اختصاص الطين بما اختلط بالماء.

و الظاهر صدق الطين علي ما صار يابسا بعد الاختلاط بالماء لكن في صورة الانجماد لا تلاشي الجزاء و ذهاب حالة الماء بالكلية و يشهد به كثرة اطلاق الطين عرفا علي ما انجمد.

و ان قلت: ان الصدق المشار اليه مبني علي عدم اشتراط بقاء المبدء في صدق المشتق قلت: ليس المتعين كون المشتق أعني المخلوط أو المختلط بالماء مأخوذا في معني الطين.

و يمكن اظهار دخول الاختلاط بوجه آخر خال عن أخذ المشتق، لكن نقول: أن شمول الطين لما ذكر أعني: «الطين اليابس المنجمد» محل


الاشكال، بل الظاهر عدم الشمول، الا أن مقتضي رواية معمر المتقدمة الشمول، و ان جري الوالد الماجد «ره» علي أن مقتضي الرواية، عموم الحرمة، لا عموم الطين لكنه، ليس علي ما ينبغي.

لكن نقول: أنه لا جدوي في البحث عن الشمول لما حكاه الوالد الماجد «ره» من عدم القول بالفصل بين الطين الرطب و اليابس تحقيقا و نقلا.

و دلالة رواية معمر و قد عد «ره» غير واحد صحيحة.

و اما التراب: فمقتضي الأصل، عدم حرمته، كما جري عليه «المقدس» كما يظهر مما مر و ما ذكره الوالد الماجد «ره» من أن في دعوي قضاء الاصل بعدم الحرمة في المقام شيئا ليس بشي ء.

لكن نقول: ان مقتضي استثناء تراب القبر دخوله في الطين فمقتضاه كون المقصود «بالطين» هو التراب. نعم يمكن كون الاستثناة منقطعا لكنه خلاف الظاهر، كما أنه يمكن أن يكون الغرض التراب الذي اخذ من القبر و امتزج بالماء بعد الاخذ لكنه أيضا خلاف الظاهر و مع هذا قد حكي الوالد الماجد «ره» عدم القول بالفصل بين التراب و الطين، لكنه يضعف بعد عدم شدة الوثوق بنقل الاجماع عندي غالبا، بما سمعت من القول بالفصل، بالقول: بحرمة الطين دون التراب من مقدس الاصحاب و يأتي مزيد المقال في الحال.

و مع هذا قد حكي الوالد الماجد «ره» نقل الاجماع علي الحرمة عن بعض لكنه يضعف ايضا بعد عدم شدة الوثوق بنقل الاجماع عندي غالبا كما سمعت بما سمعت من نقل القول بعدم حرمة التراب من المقدس.

و ان قلت: ان وجود المخالف لا يضر بالاجماع علي طريقة الخاصة كما هو حديث معروف.


قلت: ان الظاهر من نقل الاجماع هو الاتفاق، و ينافيه وجود المخالف.

نعم يمكن القول بأن وجود المخالف و ان ينافي نقل الاجماع، كنقل الاتفاق لكنه يوجب خروج نقل الاجماع أو الاتفاق عن درجة الاعتبار بالكلية نظير، العام المخصص، اذ غاية الامر، ثبوت خلاف الاجماع من بعض أهل الفتوي. لكنه لا يرفع الظن باتفاق فتاوي الباقين، و في اتفاقهم تحصيلا كفاية في حصول القطع بالحكم. و في اتفاقهم نقلا كفاية في حصول الظن بالحكم.

و مع هذا: الفرق بين «الطين» و «التراب» فضلا عن «المدر» و «التراب» مقطوع العدم.

الا أن يقال: ان القطع بعدم الفرق مبني علي الاحاطة بمزاج الطين و التراب و المدر و هي غير ثابتة: فلعل الاختلاط و لو بعد اليبوسة، يوجب تهيج أمراض يكون تهيجها حكمة الحرمة و لا يتاتي التهيج في حال عدم الاختلاط بكون التراب ساذجا.

و مع هذا يمكن القول بان مقتضي العلة المنصوصة في تحريم الطين، من تهيج الامراض كوقوع الحكة في الجسد وايراث البواسير و غيرها [15] .


اطراد الحرمة في التراب قضية الاشتراك في العلة.

لكن يمكن القدح فيه بعدم ثبوت الاشتراك في العلة كما يظهر مما سمعت نعم دعوي الاضرار بالبدن لها وجه و يفيد الحرمة بعد ثبوت حرمة عموم المضر.

و مع هذا يمكن الاستدلال علي الحرمة بالخباثة، لكون التراب مما يتنفر عنه الطباع غالبا، و هو المدار في الخباثة، قال في المجمع: الخبثية واحدة الخبائث، ضد الطيبة قال تعالي: (و يحرم عليهم الخبائث) [16] .

و مرجع ما ذكره الي ما ذكرناه، و لكن يتطرق الاشكال، بأنه لم يرد حرمة الخبيث في الاخبار، و لا في مورد الاتفاق في كلمات الاصحاب و ينحصر ما لو دل علي الحرمة في الكتاب، لدلالة قوله سبحانه: (و يحرم عليهم الخبائث) منطوقا و قوله سبحانه: (قل احل لكم الطيبات) مفهوما علي «حرمة الخبائث» الا أنه فسر الخبائث تارة، بالدم و لحم الخنزير و اخواتهما المذكورة، في قوله سبحانه (حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما اهل لغير الله به و المنخنقة و الموقودة و المتردية و النطيحة و ما أكل السبع الا ما ذكيتم و ما ذبح علي النصب) [17] .

و اخري بما اكتسب بالوجه المحرم كالر با و الرشوة و علي كل من الوجهين لا مجال للاستدلال، مضافا الي ما في الاستدلال، بعمومات الكتاب من الاشكال.

و قد حكي المحدث البحراني في «الدرر النجفية» أيضا، تزييف دعوي


اتفاق الاصحاب علي حرمة، فضلات الانسان، من «ريقه» و «عرقه» و غيرهما.

خلو كلمات الفقهاء من التصريح بهذه المسئلة.

قال: و اني بعد التتبع لم أقف لأحد فيها علي كلام، لأن محلها اللائق بها هو كتاب المطاعم و المشارب، الموضوع لبيان ما يحل و يحرم و قد ذكروا فيه جملة من المحرمات و لم يتعرضوا لهذه المسئلة لا تصريحا و لا اشارة، الا أنه يظهر من عبارات، جملة من المتأخرين في مطاوي مباحث كتاب الصوم ذلك، كشيخنا الشهيد الثاني، و المحقق الاردبيلي، و المحقق المذكور بعد أن نقل عنهم ذلك اعترف بأنه لم يقف لهم علي دليل و كرر ذلك في غير موضع فقال: بعد الكلام في ريق الانسان نفسه:

و أما ريق غيره فقالوا: انه ايضا حرام، و اعرف دليلهم و ما رأيت دليل تحرم فضلات الحيوان [18] .

و تعجب المحدث المشار اليه عن بعض معاصريه بأن من العجيب دعوي اتفاق الاخبار علي حرمة فضلات الانسان، تعليلا بأن الامر بالعكس، لو رود روايات تدل علي جواز أكل الخبائث، كما دل علي ان امراة استدعت أن يخرج رسول الله صلي الله عليه و آله لقمة من فمه و يعطيها المرأة، فاخرجها و أعطاها [19] .

و ما دل علي أن بعضا مص ريق مولانا الجواد في حضور مولانا الرضا


(عليه السلام) [20] .

و ما دل علي أنه لو دخل ريق الطفل في جوف الصائم فلا بأس به [21] .

و ما دل علي جواز مص الصائم لسان زوجه و كذا مص الزوج لسان بعلها [22] .

و ما ورد من أن مولانا سيد السجاد (عليه السلام)، كان اذا أتاه غلامه بطعامه و شرابه وقت الافطار و يقول: قتل ابوعبدالله جائعا قتل ابوعبدالله عطشانا يبكي حتي يبل طعامه بدموعه و يمزج شرابه بدموعه، فلم يزل حتي لقي الله عزوجل» [23] .

و ما ورد من أن رسول الله صلي الله عليه و آله وضع رأس علي (عليه السلام) في حجره و تفل في فيه و قال اللهم املأ جوفه علما و فهما و حكما» [24] .

و ما دل علي جواز أن يمضغ الصائمة الخبز للصبي و يطعمه [25] .

حيث أن الصبي و ان كان غير مكلف الا أن التكليف هنا يتوجه الي الفاعل فلو كان ما يمضغه الانسان حراما لما جاز طعام الصبي به؟ لكن


يشكل ما دل علي عدم تحقق الافطار بمص احد الزوجين لسان الاخر، بما عن ظاهر الصحاب، من كون المص موجبا للافطار و ما قيل من أن الامتصاص، لا يستلزم الدخول في الجوف مدفوع، بعد أن المتصاص و ان لا يستلزم الدخول في الجوف لكن الظاهر الدخول، بأن مقتضي بعض الروايات المذكورة جواز دخول ريق الطفل في الجوف و ما قيل: من أن المقصود بالدخول في الجوف هو الدخول بدون التعمد مدفوع بما حكي من تصريحهم بانه لو وضع شي ء من المفطرات في الفم عبثا ثم ابتلع من غير اختيار، يوجب بطلان الصوم. و ربما يتوهم أن جواز دخول الريق في الجوف و نحوه انما هو من جهة ابتلاع بعض أجزاء الانسان و هذا لا ينافي الحرمة من حيث الخباثة.

و يندفع بان الجهة لا توجب اختلاف الحكم الا في صورة اختلاف النية، و لا يختلف الا باحة و الحرمة في المقام، باختلاف النية بتطرق الحرمة، لو كان أكل الريق مثلا بقصد الخباثه دون ما لو كان بقصد كونه من فضلات الانسان.



پاورقي

[1] عيون اخبار الرضا (عليه‏السلام): 104:1 - ضمن حديث طويل. بحار 118:101 باب تربته صلوات الله عليه ح 1. وسائل الشيعة 414:10 باب 72 من أبواب المزار باب تحريم اکل الطين ح 2.

[2] عيون اخبار الرضا (عليه‏السلام) 15:2 بالرقم 34 صدر الرواية: سأل بعض القواد عن اکل الطين و قال: ان بعض جواريه يأکلن الطين فغضب ثم قال:.

[3] علل الشرائع ص 179 - بحارالانوار 129:101 باب تربته صلوات الله عليه ح 43 - وسائل 395:16 باب 59 ح 1 عن فروع الکافي 156:2.

[4] علل الشرائع ص 179 بحارالانوار 120:101 باب تربته صلوات الله عليه ح 8 و سائل 395:16 باب 58 ح 15.

[5] علل الشرايع ص 179 - الفروع الکافي 156:2 - تهذيب 360:2 و فيه «فحرم الطين» وسائل 393:16 باب 58 ح 5 - المحاسن ص 565.

[6] المحاسن ص 565.

[7] کامل الزيارات ص 285 - بحارالانوار 130:101 باب تربته صلوات الله عليه ح 45.

[8] أمالي الطوسي 326:1 - بحار 120:101 باب تربته صلوات الله عليه ح 7.

[9] مصباح المتهجد ص 510 - بحار 134:101 باب تربته صلوات الله عليه ح 71 و فيه: (من طين).

[10] دعوات راوندي ص 187 بالرقم 517 - وسائل 397:16 باب 59 ح 6.

[11] الخصال 62:1 - بحار 108:76 کتاب الأداب و السنن باب اللعب بشعر اللحية ح 2 - بحار 151:60 باب تحريم اکل الطين ح 2.

[12] معاني الاخبار ص 263 - بحار 158:60 کتاب السماء و العالم باب تحريم اکل الطين ح 27.

[13] بحار 158:60 کتاب السماء و العالم باب تحريم اکل الطين ياتي ان شاء الله بعنوان المستدرک.

[14] بحار 158:60.

بيان: ظاهر الخبر الاول أن حرمة الطين مخصوصة بالطين المبلول دون المدر اليابس کما فهمه الصدوق ظاهرا، و هذا مما لم يقل به صريحا أحد، و يمکن أن يحمل علي أن المعني أن المحرم انما هو المبلول و المدر لا غيرهما مما يستهلک في الدبس و يقع علي الثمار و سائر المطعومات، و علي هذا فالحصر اما اضافي بالنسبة الي ما ذکرنا أو المراد بالمدر ما يشمل التراب ايضا. و يحتمل أن يکون الزاما علي المخالفين النافين للاستشفاة بتربة الحسين (عليه‏السلام) بأن ما استدللتم من الاخبار علي تحريم الطين ظاهرها المبلول و اطلاقه علي غيره مجاز فلا يمکنکم الاستدلال بها علي تحريم التراب و المدر و علي التقادير الکراهة محمولة علي الحرمة. و قال المحدث الاستر آبادي: انما المکروه ذاک الطين المتعارف بين الناس مبلوله و يابسه لا طين الحسين (عليه‏السلام) - انتهي -.

و اقول: مع قطع النظر عن الشهرة بين الاصحاب بل اجماعهم علي تعميم التحريم لم يبعد القول بتخصيصه بالمبلول اذ الظاهر أن الطين في اللغة حقيقة في المبلول، و أکثر الاخبار انما ورد بلفظ الطين، و هذا الخبر ظاهره الاختصاص. و قال الراغب في المفردات: الطين؛ التراب و الماء المختلط به، و قد يسمي بذلک و ان زال عنه قوة الماء - انتهي -. لکن استثناء طين الحسين (عليه‏السلام) منه مما يؤيد التعميم فانه معلوم أنه ليس الاستشفاء بخصوص المبلول، بل الغالب عدمه. و علي اي حال لا محيص عن العمل بما هو المشهور في ذلک.

قال المحقق الأردبيلي - قدس سره - الظاهر أنه لا خلاف في تحريم الطين، و ظاهر اللفظ عرفا و لغة أنه تراب مخلوط بالماء. و بؤيده صحيحة معمر بن خلاد - و ذکر الخبر ثم قال - و هذه تدل علي انه بعد اليبوسة أيضا حرام و لا يشترط بقاء الرطوبة و لکن لا بد أن يکون ممتزجا فلا يحرم غير ذلک للأصل و العمومات و حصر المحرمات و المشهور بين المتفقهة انه يحرم التراب و الارض کلها حتي الرمل و الاحجار.

قال في المسالک: المراد به ما يشمل التراب و المدر لما فيه من الاضرار بالبدن. و الضرر مطلقا غير واضح و لعل وجه المشهور انه اذا کان الطين حراما و ليس فيه الا الماء و التراب و معلوم عدم تحريم الماء و لا معني لتحريم شي‏ء بسبب انضمام محلل، فلو لم يکن التراب محرما لم يکن الطين کذلک، و انما التراب جزء الارض فيکون کلها حراما. و فيه تأمل واضح فتأمل و لا تترک الاحتياط - انتهي -.

و اقول: الوجه الذي حمل اخبر عليه غير ما ذکرنا، و مع احتمال تلک الوجوه بل أظهرية بعضها يشکل الاستدلال لهذا الوجه، ثم الحکم بتحريم ما سوي الطين و التراب من أجزاء الارض کالحجارة و الياقوت و الزبرجد و أنواع المعادن مما لا وجه له، و الآيات و الاخبار دالة علي أن الاصل في الاشياء الحل، و لم يرد خبر بتحريم هذه الاشياء، و قياسها علي التراب باطل. و أما المستثني منه و هو حل طين قبر الحسين (عليه‏السلام) فالظاهر أنه لا خلاف في حله في الجملة، و انما الکلام في شرائطه و خصوصياته و لنشر اليها و الي بعض الاحکام المستفادة من الاخبار:

الاول: المکان الذي يوخذ منه التربة. ففي بعض الاخبار «طين القبر» و هي تدل ظاهرا علي أنها التربة الماخوذة من المواضع القريبة مما جاور القبر، و في بعضها «طين حائر الحسين (عليه‏السلام)» فيدل علي جواز أخذه من جميع الحائر و عدم دخول ما خرج منه. و في بعضها «عشرون ذراعا مکسرة» و هو أضيق، و في بعضها «خمسه و عشرون ذراعا من کل جانب من جوانب القبر و في بعضها «توخذ طين قبر الحسين (عليه‏السلام) من عند القبر علي سبعين ذراعا، و في بعضها «فيه شفاء ان اخذ علي رأس ميل» و في بعضها «البرکة من قبره (عليه‏السلام) علي عشرة اميال» و في بعضها «حرم الحسين (عليه‏السلام) فرسخ في فرسخ من أربع رجوانب القبر» و في بعضها «حرمه (عليه‏السلام) خمس فراسخ في اربع جوانبه.

و جمع الشيخ - ره - و من تأخر عنه بينها لاحمل علي اختلاف مراتب الفضل و تجويز الجميع، و هو حسن، و الاحوط في الاکل أن لا يجاوز الميل بل السبعين، و کلما کان أقرب کان أحوط و أفضل. قال المحقق الاردبيلي - طيب الله تربته - و أما المستثني فالمهشور انه تربة الحسين (عليه‏السلام) فکل ما يصدق عليه التربة يکون مباحا و مستثني، و في بعض الروايات «طين قبر الحسين (عليه‏السلام)» فاظاهر أن الذي يوخذ من القبر الشريف حلال، و لما کان الظاهر عدم امکان ذلک دائما فيمکن دخول ما قرب منه و حواليه فيه أيضا. و يويده ما ورد في بعض الاخبار «طين الحائر» و في بعض «علي سبعين ذراعا» و في بعض «علي عشرة اميال» - انتهي -.

الثاني: شرائط الاخذ. فقد ورد في بعض الاخبار شرائط کثيرة من الغسل و الصلاة و الدعاء و الوزن المخصوص، کما سيأتي في کتاب المزار ان شاء الله تعالي. و لما کان أکثر الاخبار الواردة في ذلک خالية عن ذکر هذه الشروط و الاداب فالظاهر انها من مکملات فضلها و تاثيرها و لا يشترط الحل بها کما هو المشهور بين الاصحاب. قال المحقق الاردبيلي - ره - الاخبار في جواز أکلها للاستشفاء کثيرة و الاصحاب مطبقون عليه، و هل يشترط اخذه بالدعاء و قراءة «انا انزلناه»؟ ظاهر بعض الروايات في کتب المزار ذلک بل مع شرائط اخري حتي ورد أنه قال شخص: اني أکلت و ما شفيت فقال (عليه‏السلام) له: افعل کذا و کذا. وورد أيضا ان له غسلا و صلاة خاصة و الاخذ علي وجه خاص و ربطه و ختمه بخاتم يکون نقشه کذا، و يکون أخذه مقدارا خاصا، و يحتمل أن يکون ذلک لزيادة الشفاء و سرعته و تبقيته لا مطلقا فيکون مطلقا جائزا کما هو المشهور، و في کتب الفقه مسطور.

الثالث: ما يؤکل له، و لا ريب في أنه يجوز للاستشفاء من مرض حاصل و ان ظن امکان المعالجة بغيره من الاودية. و الظاهر الامراض الجسمانية أي مرض کان و ربما يوسع بحيث يشمل الامراض الروحانية و فيه اشکال. و اما الاکل بمحض التبرک فالظاهر عدم الجواز للتصريح به في بعض الخبار و عموم بعضها لکن ورد في بعض الاخبار جواز افطار العيد به و افطار يوم عاشورا أيضا به، و جوزه فيهما بعض الاصحاب و لا يخلو من قوه و الاحتياط في الترک الا أن يکون له مرض يقصد

الاستشفاء به أيضا.

قال المحقق الاردبيلي ره: و لا بد أن يکون بقصد الستشفاء و الا فيحرم و لم يحصل له الشفاء کما في رواية ابي‏يحيي و يدل عليه غيرها ايضا.

و قد نقل اکله يوم عاشوراء بعد العصر و کذا الافطار بها يوم العيد و لم تثبت صحته فال يوکل الا للشفاء - انتهي -. و قال ابن‏فهد - قدس سره -: ذهب ابن‏ادريس الي تحريم التناول الا عند الحاجة، و أجاز الشيخ في المصباح الافطار عليه في عيد الفطر، و جنح العلامة الي قول ابن‏ادريس لعموم النهي عن اکل الطين مطلقا، و کذا المحقق في النافع، ثم قال: يحرم التناول الا عند الحاجة عند ابن‏ادريس و يجوز علي قصد الاستشفاء و التبرک و ان لم يکن هناک ضرورة عند الشيخ.

الرابع: المقدار المجوز للأکل. و الظاهر أنه لا يجوز التجاوز في کل مرة عن قدر الحمصة و ان جاز التکرار اذا لم يحصل الشفاء بالاول، و قد مر التصريح بهذا المقدر في الاخبار و کان الاحوط عدم التجاوز عن مقدار عدسة لما رواه الکليني عن علي بن ابراهيم، عن ابيه، عن ابن أبي‏عمير، عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه‏السلام): ان الناس يروون ان النبي صلي الله عليه و آله قال: ان العدس بارک عليه و سبعون نبيا. فقال: هو الذي تسمونه عندکم الحمص و نحن نسميه العدس. و في الصحيح عن رفاعة عنه (عليه‏السلام) قال: ان الله عزوجل لما عافي أيوب (عليه‏السلام) نظر الي بني‏اسرائيل قد ازدرعت، فرفع طرفه الي السماء فقال: الهي و سيدي عبدلک أيوب المبتلي عافيته و لم يزدرع شيئا و هذا لبني اسرائيل زرع، فأوحي الله عزوجل اليه: يا أيوب خذ من سبحتک کفا فابذره، و کانت سبحته فيها ملح، فأخذ أيوب کفا منها فبذره فخرج هذا العدس و أنتم تسمونه الحمص و نحن نسميه العدس لأنهما يدلان علي أنه يطلق الحمص علي العدس ايضا فيمکن أن يکون المراد بالحمصة في تلک الاخبار العدسة. لکن العدول عن الحقيقة لمحض اطلاقة في بعض الخبار علي غيره غير موجه، مع أن ظاهر الخبرين أنهم عليهم‏السلام کانوا يسمون الحمصة عدسة لا

العکس. فتامل و کذا فهمهما الکليني حيث أوردهما في باب الحمص لا العدس.

الخامس: الطين الارمني هل يجوز الاستشفاء به و استعماله في الادوية؟ فقيل: نعم، لأنه ورد في الخبار المؤيدة بعمومات دلائل حل المحرمات عند الاضطرار، و قيل: لا، لعدم صلاحية تلک الاخبار لتخصيص اخبار التحريم، و قد ورد المنع عن التداوي بالحرام، و الاکثر لم يعتنوا بهذه الخبار، و جعلوا الخلاف فيه فرعا للخلاف في جواز التداوي بالحرام و عدمه، و لذا ألحقوا به الطين المختوم و ان لم يرد فيه خبر. قال المحقق - روح الله روحه - في الشرائع: و في الارمين: رواية لاجواز حسنة لما فيه من المنفعة المضطر اليها. و قال الشهيد الثاني - نور الله ضريحه -: موضع التحريم في تناول الطين ما اذا لم يدع اليه حاجة، فان في بعض الطين خواص و منافع لا تحصل في غيره، فاذا اضطر اليه لتلک المنفعة باخبار طبيب عارف يحصل الظن بصدقه جاز تناول ما تدعو اليه الحاجة لعموم قوله تعالي: (فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا اثم عليه) و قد وردت الرواية بجواز تناول الارمني و هو طين مخصوص يجلب من أرمنية تترتب عليه منافع خصوصا في زمن الوباء و للاسهال و غيره مما هو مذکور في کتب الطب و مثلا الطين المختوم و ربما قيل بالمنع لعموم ما دل علي تحريم الطين، و قوله صلي الله عليه و آله «ما جعل شفاؤکم في ما حرم عليکم» و قوله صلي الله عليه و آله «لا شفاء في محرم» و جوابه أن الامر عام مخصوص بما ذکر و قوله صلي الله عليه و آله «لا ضرر و لا اضرار» و الخبران نقول بموجبهما لأنا نمنع من تحريمه حال الضرورة، و المراد ما دام محرما، و موضع الخلاف ما اذا لم يخف الهلاک و الا جاز بغير اشکال - انتهي -. و سيأتي تمام الکلام في التداوي بالحرام في بابه ان شاء الله. و قال ابن‏فهد - ره -. الطين الارمني اذا دعت الضرورة اليه عينا جاز تناوله خاصة دون غيره، و قيل: انه من طين قبر اسکندر. و الفرق بينه و بين التربة من وجوه: الاول ان التربة يجوز تناولها لطلب الاستشفاء من الامراض و ان لم يصفها الطبيب بل و ان حذر منها و الارمني لا يجوز تناوله الا ان يکون موصوفا.

الثاني أن التربة لا يتجاوز منها قدر الحمصة، و في الارمني يباح القدر الذي تدعو

اليه الحاجة و ان زاد عن ذلک.

الثالث: ان التربة محترمة لا يجوز تقريبها من النجاسة و ليس کذلکم الارمني.

[15] ثواب الاعمال ص 237 - بحارالانوار 150:60 کتاب السماء و العالم باب تحريم اکل الطين ح 1 عن زياد بن ابي‏زياد عن أبي‏جعفر محمد بن علي الباقر (عليه‏السلام)قال: من اکل الطين فانه تقع الحکة في جسده و يورثه البواسير و يهيج عليه داء السوء و يذهب بالقوة من ساقيه و قدميه و ما نقص من عمله في ما بينه و بين صحته قبل ان ياکله حو سب عليه و عذب به.

[16] اعراف الآيه 156.

[17] سورة المائدة الاية 3.

[18] الدرر النجفية طبع الحجري ص 280.

[19] بحار 281:16، باب مکارم اخلاقه و سيره و سننه ح 124.

[20] اصول الکافي 109:2 کتاب الحجة باب النص علي أبي‏جعفر الثاني (عليه‏السلام) في ضمن حديث الطويل بالرقم 14.

[21] وسائل 71:7 کتاب الصوم باب 34 من أبواب ما يمسک عنه الصائم ح 1.

[22] وسائل 71:7 کتاب الصوم باب 34 من أبواب ما يمسک عنه الصائم ح 3.

[23] الملهوف علي تقلي الطفوف ص 126 وسائل 221:17 باب 35 من أبواب الاشربة المباحة باب حکم الدمع.

[24] کتاب سليم بن قيس الهلالي الکوفي ص 200.

[25] تهذيب 440:1 - الفروع 194:1 - وسائل 76:7 باب 38 من أبواب ما يمسک عنه الصائم.