بازگشت

التنبيه الثالث


يعجبني نقل كلام للشيخ صدرالدين القونوي في فكوك النصوص، و به يكشف النقاب عن وجه اللباب. قال في الفك الاسحاقي:


«ثم ليعلم أن الناس في مراتبهم علي اقسام مختلفة تنحصر في ثلاثة اقسام:

قسم نازل قد طبع علي قلوبهم فلا يتصل من نفوسهم اي من قلوبهم شيئي مما هو منتقش في نفسه سابقا أو متجددا الا في النادر كحال عارض سريع الزوال بطيئي الاتيان.

و قسم يحصل لقلوبهم احيانا صفاء و فراغ من الشواغل، و اتصال من خياله بعالم المثال المطلق، فكلما تدركه نفوسهم في ذلك الوقت فانه ينعكس انعكاسا الي القلب و ينعكس من القلب الي الدماغ فينطبع فيه، فان وجد فيما يري أثر حديث النفس فللقوة المصورة في ذلك مدخل الآلة من المزاج، و ما ذكرنا و ان خلت الرؤيا عن حديث النفس و كان هيئة الدماغ صحيحة بالمزاج مستقيما كانت الرؤيا من الله في الغالب لا تعبير لها، لأن العكس عكس ظاهر بصورة الأصل، و هكذا رؤيا اكثر الأنبياء (عليهم السلام)، هذا هو السبب في عدم تأويل الخليل (ع) رؤياه و أخذه بظاهرها، و من صار قلبه مستوي الحق لا ينطبع في قلبه امر خارج بل من قبله يكون المنبع الأولي في الدماغ، و لما اعتاد الخليل (ع) الحالة الأولي و شاء الحق أن ينقله الي مقام من وسع قلبه الحق، انطبع ما انبعث من قلبه الالهي الي دماغه انطباعا واحدا، و لم يظهر بصورة الاصل فاحتاج الي التأويل المعرب عن الأمر المراد بذلك التصوير علي نحو تعينه في العالم العلوي و ذوات العقول و النفوس تعينا روحانيا، انتهي.

فعلم أن الرؤيا التي لا تأويل لها ما أوجبه و أن الرؤيا التي يحتاج الي التأويل يكون لأنزل الطوائف و قد يكون لأكمل الخلق، بخلاف التي لا تأويل لها، فانها حال المتوسطين.

و قال في الفك اليوسفي:

«كل من غلب علي خياله الصفات التقيدية و احكام الانحرافات الخلقية المزاجية فانه لا يدرك مشرع خياله و محتده من عالم المثال، و لا يتصل به عن علم و شهود و ان كانت الوصلة غير منقطعة، و من حصل له سير في خياله المقيد حتي النتهي الي طرفه المتصل بعالم المثال المطلق بحيث يتأتي له التجاوز من خياله الي عالم المثال فانه يدخله، فيدرك فيه ما شاء الحق أن يريد منه، بل قد يخرج منه - كما بينا في فص الاسحاقي - الي عالم الأرواح ثم الي فسيح حضرة العلم، فيسشرف علي جملة من المغيبات و الكوائن المقدر ظهورها في عالم الحس؛ فالمعبر اذا سمع الرؤيا ممن رآها و سأله تعبيرها، لعدم علمه بما رأي، و ما المراد من تلك الصورة الممثلة له، و كان المعبر تام المعرفة بالتعبير و بمواطن الرؤيا، و ما المراد من تلك خياله، فاذا اشخصها و اسراها الي ان يدخله عالم المثال فيري نسبة تلك الرؤيا في خياله، فيستدل بتلك النسبة علي الرؤيا و ما تضمنه، بل قد يعديها الي عالم الأرواح و ما بعدها حتي


يقع علي الأمر الذي قصد ابدائه في تلك الصورة الممثلة بها فيخبر عن المراد، و يمسي ذلك الاخبار تعبيرا، و ما وجد في الرؤيا من خلل يقضي بعدم المطابقة بين المعني المقصود ابانته و التعريف به و بين الصورة الممثلة، علم أن ذلك من كدورة باطن صاحب الرؤيا و انحراف مزاجه و فساد هيئة دماغه و اختلال احواله الحسية، كاكذب و سوء سيرته و الانهماك علي امر خسيس ينغمس به اوقاته و احواله المحمودة، بحيث يستهلك احكام صفاته و احواله المحمودة في ضمن ذلك الوصف الغالب، و الامر بالعكس اذا كان الحال بالعكس، و اليه الاشارة بقوله - صلعم -: «أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا». ثم نبه في حديث آخر علي كليات اقسام الرؤيا و حكم الاعتدال فيها و الانحراف، فقال - صلعم -:

«الرؤيا ثلاث: رؤيا من الله، و هي التي ظهور حكمها موقوف علي تهية و استعداد معتدلين و صفاء محل و طهارة نفس يتأتي لصاحبها تلقي ما يصل اليه من التعريفات الالهية و الاستخبارات الروحانية و المعنوية بواسطة الصور المثالية.» ثم قال (ص): «و رؤيا تحزين من الشيطان» و هي التي قلنا أنها نتيجة الانحرافات المزاجية و الكدورات النفسانية و فساد الهيئة الدماغية و نحو ذلك مما سبق التنبيه عليه، «و رؤيا مما حدث المرء نفسه» و هذه من آثار الصفات الغالبة الحكم علي الرائي حال رؤيته، الي أن قال: «و الآخر انفاس اليقظة التي يتلوه النوم سلطنة قوية بحسب ما كان الباطن به حالتئذ معمورا، فان لم يكن معمورا بشيئي و خلي بالكية من الخواطر و التعلقات و خواص الأفعال و الصفات القريبة العهد بالشخص كان ذلك سببا معينا في مزيد الاطلاع و صحة ارتسام ما اطلع عليه النائم في نفسه، و اما تأخر ظهور حكم المنامات فانه دليل علي علو مرتبة النفس، لكونها أدركت ما سيكون في العوالم العالية جدا القريبة من حضرة العلم و عالم المعاني المجردة، فلابد من فترة واقعة بين زمان الاطلاع و زمان ظهور حكم ما وقع الاطلاع عليه في الحس بمقدار منا يقتضي مكث ذلك الأمر في كل سماء الي أن ينصبغ بحكمه و يأخذ حصته من ذلك الفلك و ما فيه، ثم يمر منه نازلا الي الفلك الذي هو دونه، و هكذا الي آخر فلك طلبا الاستتمام و مستصحبا قوي ما يمر عليه، فان لكل كائنة و امر يظهر في هذا العالم من حال انفصاله المعنوي من مقام القلم الأعلي و اللوح المحفوظ و اتصاله بالعرش ثم بالكرسي و في كل سماء منزلا و مقاما، و ذلك لما مر بيانه، و قد ورد في الحديث أن الأمر الالهي يبقي في الجو بعد مفارقته سماء الدنيا ثلاث سنين حتي يصل الي الأرض و يتصل بالمحل المختص به، و هذا من المكاشفات المجربة و المتفق عليها، و سرعة ظهور حكم الرؤيا، و ما عبرت به دليل علي ضعف نفس الرائي، فانها لم تقو علي


الترقي و العروج لتدرك صور الأمور و الكوائن المقدر وقوعها في العوالم العالية، بل كان غاية عروجها حال اعراضها عن التعلقات الدنية و الشواغل الكونية الجو الذي بين الارض و بين الفلك الأول، فادركت بذلك القدر من الصفاء الذي استفاد به بعض الكوائن في اثناء الجو فلم يتأخر ظهوره، و هذا حال اهل البداية من السالكين، و قد جربنا ذلك كثيرا في اصحابنا و اصحاب غيرنا من الشيوخ و كذلك في انفسنا زمان البداية» [1] .

انتهي كلام العارف القونوي، نقلناه بطوله لما فيه من الفوائد.

و يؤيد بعض ما ذكره ما في الكافي عن أبي بصير، قال: قلت للصادق (ع) «جعلت فداك، الرؤيا الصادقة و الكاذبة مخرجها من موضع واحد؟ قال صدقت، اما الكاذبة المختلفة فان الرجل يراها في اول ليلة في سلطان المردة الفسقة، و انما هي شيئي يخيل الي الرجل و انما هي كاذبة مخالفة لا خير فيها، و اما الصادقة اذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة، و ذلك قبل السحر - و لا تختلف - ان شاء الله الا أن يكون جنبا أو يكون علي غير طهر اولم يذكر الله - عزوجل - حق ذكره، فانها تخلف تبطي علي صاحبه».

و سر ما أشار اليه (عليه السلام) أن في أول الليل يستولي و يهجم علي القلب شهواب ما رآه في النهار و زاوله من الأمور، و يكثر في ذهنه الصور المختلفة الكثيرة مختلطة بعضها ببعبض و يركبها القوة المتخيلة حسبما اتفق، و لهذا يبعد العبد عن ساحة الروحانيين و يستولي عليه جنود الشياطين، و سيما اذا امتلئت المعدة، و في وقت السحر تسكن قواه و تزول عن القلب ما اعتراه و توج الي عالمه الأصلي، و لذا حث الشريعة القدسية علي التضرع و المناجات و الاستغفار في ذلك الوقت، و قال أنها ساعة الاستجابة، فان النفس حينئذ فارغة و المعدة خالية و العروق ساكنة، و من هنا قال علماء التعبير:«رؤيا الليل اقوي من رؤيا النهار» و قالوا: أصدق ساعات الرؤيا عند طلوع الفجر». [2] .

و عن الصادق: «أسرع الرويا تأويلا رؤيا القيلولة». [3] .

و يطابقه ما مر في الحديث أنها ساعة تكذب فيها الرؤيا.

و نقل عن الترمذي أنه قيل للصادق (ع): الي كم تتأخر الرؤيا؟ فذكذ أن رسول الله رأي أن كلبا بلغ في دماء اهل بيته، و كان التأويل بعد ستين سنة، و في رواية بعد ثلاثين. و هو مطابق لما اشتمل عليه الحديث من رؤيا الحسين (ع).



پاورقي

[1] قونوي، صدرالدين: فکوک، در حاشيه‏ي منازل السائرين، انتشارات حامدي، 1395 ه ق (1354) تهران. بدون شماره‏ي صفحه.

[2] خواب شب نزديک‏تر به واقعيت از خواب روز است و راست‏ترين خوابها خواب طلوع فجر است.

[3] نزديک‏ترين خواب به تأويل خواب نزديک ظهر است.