بازگشت

الموقف الحسيني معيار وقدوه


في ليله الشهاده، وفي يومها، واصل الحسين الشرح والبيان، جمع اصحابه واهل بيته وخطب فيهم: (اما بعد، فاني لا اعلم اصحابا اولي ولا خيرا من اصحابي، ولا اهل بيت ابر ولا اوصل من اهل بيتي، فجزاكم اللّه عني جميعا خيرا. الا واني اظن يومنا من هولاء الاعداء غدا الا واني قد رايت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام، هذا ليل قد غشيكم فاتخذوه جملا.... ثم لياخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتي يفرج اللّه، فان القوم انما يطلبوني ولو قد اصابوني لهوا عن طلب غيري. فقال له اخوته وابناوه وبنو اخيه وابناء عبداللّه بن جعفر: لم نفعل؟ لنبقي بعدك!؟ لا ارانا اللّه ذلك ابدا. بداهم بهذا القول العباس بن علي، ثم انهم تكلموا بهذا ونحوه فقال الحسين (ع): يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد اذنت لكم، قالوا: فما يقول الناس، يقولون: انا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الاعمام ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معه برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا، لا واللّه لا نفعل، ولكن تفديك انفسنا واموالنا واهلونا ونقاتل معك حتي نرد موردك فقبح اللّه العيش بعدك) [1] .

وفي روايه، عن ابي جعفر محمد بن علي (ع) انه قال: (ان رسول اللّه (ص) قال: يا بني انك ستساق الي العراق، وهي ارض قد التقي بها النبيون واوصياء الانبياء، وهي ارض تدعي عمورا، وانك تستشهد بها ويستشهد معك جماعه من اصحابك لا يجدون الما من الحديد، وتلا: (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما علي ابراهيم) «الانبياء/69». تكون الحرب بردا وسلاما عليك وعليهم فابشروا، فواللّه لئن قتلونا فانا نرد علي نبينا).

فلما اجمع اهل بيته واصحابه علي مواصله الجهاد والسير الي موضع شهادتهم قال لهم: (فان كنتم قد وطنتم انفسكم علي ما وطنت نفسي عليه فاعلموا ان اللّه يهب المنازل الشريفه لعباده لصبرهم علي احتمال المكاره، وان اللّه، وان كان خصني مع من مضي من اهلي الذين انا آخرهم بقاء في الدنيا، من المكرمات بما سهل معها احتمال الكريهات فان لكم شطر ذلك من كرامات اللّه. واعلموا ان الدنيا حلوها ومرها حلم، والانتباه في الاخره، والفائز من فاز فيها والشقي من يشقي فيها، او لا احدثكم باول امرنا وامركم معاشر اوليائنا والمعتصمين بنا ليسهل عليكم احتمال ما انتم له معرضون؟ قالوا: بلي يا ابن رسول اللّه. قال: ان اللّه خلق آدم واستواه وعلمه اسماء كل شي ء وعرضهم علي الملائكه، جعل محمدا وعليا وفاطمه والحسن والحسين اشباحا خمسه في ظهر آدم، وكانت انوارهم تضي ء في الافاق من السموات والحجب والجنان والكرسي والعرش، فامر الملائكه بالسجود لادم تعظيما له لانه قد فضله بان جعله وعاء لتلك الاشباح التي قد عمت انوارها الافاق فسجدوا الا ابليس ابي ان يتواضع لجلال عظمته وان يتواضع لانوارنا اهل البيت وقد تواضعت لها الملائكه واستكبر وترفع وكان بابائه ذلك وتكبره من الكافرين).

وبات الحسين واصحابه في تلك الليله ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، وكان الامام (ع) يتلو قوله تعالي: (ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين)«آل عمران/178»، وفي ليله الشهاده جلس ابو عبداللّه الحسين يصلح سيفا له، وزينب (ع) جالسه، فانشد:

يا دهر اف لك من خليل كم لك بالاشراق والاصيل من صاحب وطالب قتيل والدهر لا يقنع بالبديل وانما الامر الي الجليل وكل حي سالك السبيل ففهمتها زينب (ع)، فلم تملك نفسها فوثبت تجر ثوبها وانها لحاسره حتي انتهت اليه فقالت: (واثكلاه، ليت الموت اعدمني الحياه، اليوم ماتت امي فاطمه وابي علي واخي الحسن، يا خليفه الماضين. فنظر اليها الحسين قائلا: يا اختي لا يذهبن بحلمك الشيطان. وترقرقت عيناه بالدموع وقال: لو ترك القطا ليلا لنام. فقالت: يا ويلتاه، افتغتصب نفسك اغتصابا فذلك اقرح لقلبي واشد علي نفسي. ثم لطمت وجهها وهوت الي جيبها فشقته وخرت مغشيا عليها، فقام اليها الحسين فصب علي وجهها الماء، وقال لها: يا اختاه اتق اللّه وتعزي بعزاء اللّه واعلمي ان اهل الارض يموتون واهل السماء لا يبقون وان كل شي ء هالك الا وجه اللّه الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعيدهم وهو فرد وحده. جدي خير مني وابي خير مني وامي خير مني واخي خير مني، ولكل مسلم برسول اللّه اسوه حسنه، يا اختي اني اقسمت عليك فابري قسمي لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور اذا انا هلكت، ثم جاء بها حتي اجلسها عند علي بن الحسين ثم خرج الي اصحابه) [2] ما اروع هذه البلاغات الحسينيه التي تلين الحديد، ولكن القوم قست قلوبهم فهي كالحجاره او اشد قسوه، (وان من الحجاره لما يتفجر منه الانهار وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء وان منها لما يهبط من خشيه اللّه)«البقره/74». وربما سال سائل:

لماذا خاطب الحسين القوم؟، هل كانت به رغبه في الرجوع او النجاه فاحتاج ان يقنعهم ليبقوا عليه؟، الاجابه يدركها الذين وعوا دور حمله الرسالات السماويه من الانبياء والائمه عليهم السلام. فهذا نوح (ع) يقول: (قال رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي الا فرارا ثم اني دعوتهم جهارا، ثم اني اعلنت لهم واسررت لهم اسرارا)«نوح/ 95». فها هو نبي اللّه نوح (ع) يلح علي قومه داعيا ليلا ونهارا وسرا وجهارا، والقوم لا يزدادون الا عتوا واستكبارا، وها هو رب العزه القادر علي تعجيل عقابهم يمهلهم المره تلو الاخري عساهم يرجعون ويقبلون اليوم ما رفضوه بالامس، ولكن هيهات، ياتي هولاء يوم القيامه يقولون: (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين)«المومنون/ 106».

ثم اننا نري ان مهمه ابي عبداللّه الحسين (ع) كانت بالغه الصعوبه، فقوم نوح لا يدعون الاسلام، اما اليزيديون فكانوا يدعون الاسلام وما زالوا الي يومنا هذا يدعون انهم وحدهم اصحاب الفهم الصحيح للاسلام، كيف يتاتي هذا وقد قتلوا ابن بنت نبيهم الذي قال عنه رسول اللّه (ص): (حسين مني وانا من حسين، احب اللّه من احب حسينا، حسين سبط من الاسباط) (رواه الترمذي وقال حديث حسن)، وهو الذي قال عنه رسول اللّه (ص) (فيما رواه احمد): (نظر النبي اللّه (ص)، الي علي والحسن والحسين وفاطمه فقال: انا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم)، وفي روايه اخري لاحمد: (من احبهما فقد احبني ومن ابغضهما فقد ابغضني).

اذا فالموقف الحسيني ميزان ومعيار يميز بين الحق والباطل.

وهذه حقيقه واضحه من خلال النصوص الكثيره المتواتره في خصائص اهل بيت النبوه او تلك الوارده في حق الحسين (ع) علي سبيل الخصوص، والذي زاد الامر وضوحا هو الدليل العملي الذي قدمه الحسين (ع) علي صحه ما ورد في فضل اهل البيت عليهم السلام، فاين كان الاخرون من هذه الفتن التي هاجمت الامه المسلمه من كل جانب؟، اين موقف الدفاع العملي عن قيم الاسلام؟، سوال لا نجد له اجابه الا في تحرك الحسين (ع)، ذلك التحرك الذي كان مقدمه لكل الحركات الثوريه في تاريخ الامه الاسلاميه، والامه الان وهي تعيش لحظات حرجه في تاريخها في حاجه لاستلهام هذه الروح الحسينيه والاقتباس من نورها لعلنا نتمكن من اضاءه هذا الظلام الحالك. اننا في امس الحاجه لاستلهام ذلك النور الحسيني لاضاءه هذه الظلمات وتحديد طريق المسير، ظلمات فوقها فوق بعض، ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور.


پاورقي

[1] تاريخ الطبري‏4/317-318. احداث سنه 61.

[2] تاريخ الامم والملوک للطبري‏4/319.