بازگشت

الهجره الثانيه: من مكه الي الكوفه


جاءت الرسل الي ابي عبداللّه تدعوه الي المجي ء، واجاب الامام بارسال مسلم بن عقيل بن ابي طالب، وكان من امره رضوان اللّه عليه ما كان، حيث استشهد حميدا سعيدا وارسل الامام الرسل الي اهل البصره والكوفه يدعوهم الي الاجتماع معه والي تاييده، ثم خرج (ع) من مكه باتجاه العراق. وحاولت السلطه الامويه الغاصبه منعه وابقاءه في مكه، فامتنع الحسين وصحبه ومضي علي وجهه ونادوه يا حسين الا تتقي اللّه؟ تخرج من الجماعه وتفرق بين هذه الامه؟، فتلا (ع) قوله تعالي: (وان كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم انتم بريئون مما اعمل وانا بري ء مما تعملون)«يونس/ 41» [1] .

ثم خطب خطبه بليغه تبين انه، (ع)، كان متيقنا من قدره، راغبا فيه وهو الشهاده فقال: (الحمد للّه وما شاء اللّه، ولا قوه الا باللّه، وصلي اللّه علي رسوله، فخط الموت علي ولد آدم فخط القلاده علي جيد الفتاه، وما اولهني الي اسلافي اشتياق يعقوب الي يوسف، وخير لي مصرع انا لاقيه كاني باوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملان مني اكراشا جوفا واجربه سغبا. لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضي اللّه رضانا اهل البيت نصبر علي بلائه ويوفينا اجر الصابرين، لن تشد عن رسول اللّه لحمته وهي مجموعه له في حظيره القدس تقر بهم عينه وينجز لهم وعده، ومن كان باذلا فينا مهجته وموطنا علي لقاء اللّه نفسه فليرحل معنا فانني راحل مصبحا ان شاء اللّه تعالي) [2] .

جاء الناصحون، من كل اتجاه، يقدمون للامام ما يرون انه الرويه الصائبه، منهم من ينصح له بعدم الخروج، ومنهم من ينصحه بالامتناع بالحرم المكي، مثل محمد بن الحنفيه، فاجابه الحسين (ع): (يا اخي، اخشي ان يقاتلني اجناد بني اميه في حرم مكه، فاكون كالذي يستباح حرمه في حرم اللّه. فقال محمد: يا اخي فسر الي اليمن او الي بعض النواحي فانك امنع الناس. فقال الحسين (ع): يا اخي لو كنت في حجر هامه من هوام الارض لاستخرجوني منه حتي يقتلوني. ثم قال له: يا اخي سانظر في ما قلت. فلما كان وقت السحر عزم الحسين علي الرحيل الي العراق، فجاءه اخوه محمد واخذ بزمام ناقته التي هو راكبها وقال: يا اخي الم تعدني النظر في ما اشرت به عليك؟.

قال: بلي. قال: فما حداك علي الخروج عاجلا؟. فقال (ع): يا اخي ان جدي رسول اللّه اتاني بعدما فارقتك وانا نائم فضمني الي صدره وقبل ما بين عيني وقال لي: يا حسين يا قره عيني، اخرج الي العراق، فان اللّه قد شاء ان يراك قتيلا مخضبا بدمائك.

فبكي محمد بن الحنفيه بكاء شديدا، وقال له: يا اخي، اذا كان الحال كذا فما معني حملك هولاء النسوان، وانت ماض الي القتل. فقال (ع): يا اخي قد قال جدي ايضا: ان اللّه قد شاء ان يري نسوتك سبايا مهتكات يسقن في اسر الذل، وهن ايضا لا يفارقنني ما دمت حيا. فلما اصر محمد علي المنع والانصراف عن الخروج قال الامام (ع):

سامضي وما بالموت عار علي الفتي اذا ما نوي حقا وجاهد مسلما وواسي الرجال الصالحين بنفسه وفارق مذموما وخالف مجرما ويروي:

وآسني الرجال الصالحين بنفسه وفارق خوفا ان يعيش ويرغما ويروي:

فان مت لم اندم وان عشت لم الم كفي بك موتا ان تذل وترغما فان عشت لم اذمم وان مت لم الم كفي بك ذلا ان تعيش وتندما ثم تلا (وكان امر اللّه قدرا مقدورا)«الاحزاب/38».

لقد كان الحسين، (ع)، طالب حق وشهاده لا طالب اماره كما عنون ابن كثير في تاريخه قائلا: (خروج الحسين طالبا للاماره). والحق اعلي واجل من الامره وان كل ما رويناه يخبرنا ان خروج الحسين لم يكن متوقفا علي اراده الجماهير ومطالبتها له، بل كان ناشئا عن الامر الالهي، انه الامر نفسه الذي بعث بمقتضاه رسول اللّه للناس بشيرا ونذيرا، وبعهد من رسول اللّه كانت الوصيه والامامه في آل بيت النبوه، وبعهد من اللّه ورسوله الي ائمه آل البيت سواء الذين تحركوا ام من لم يتحرك، كانت حركاتهم وسكناتهم، كان الحق غايتهم وكانت بلورته وتحديد معالمه هي مهمتهم سلام اللّه عليهم ولذا كانت الامه يومها والي يومنا هذا في حاجه الي تلك الحركه الحسينيه ليهلك من هلك عن بينه ويحيا من حيا بقي عن بينه، ولم يكن الحسين (ع) بحاجه الي حركه الامه بل كانت الامه هي المحتاجه، ولذا حمل الحسين (ع) النساء والاطفال حتي تكون الجريمه الامويه كامله وحتي يحمل الراضون الوزر الكامل من يومها الي يومنا هذا (وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم وليسالن يوم القيامه عما كانوا يفترون) «العنكبوت/13».

وهكذا استكملت الحركه الحسينيه معالمها وبنو اميه يحاولون الحيلوله بين الحسين (ع) وبين اختياره لموقع المواجهه، فلما احس والي مكه ان الحسين قد خرج بعث اليه كتابا بالامان حمله عبداللّه بن جعفر ويحيي بن سعيد يمنيه بالامان والصله والبر وحسن الجوار ويعيذه من الشقاق والخلاف والهلاك، فرد (ع) بقوله: (اما بعد، فانه لم يشاقق اللّه ورسوله من دعا الي اللّه عز وجل وعمل صالحا وقال: انني من المسلمين وقد دعوتني الي الامان والبر والصله فخير الامان امان اللّه، ولن يومن اللّه، من لم يخف من الدنيا، فنسال اللّه مخافته في الدنيا توجب لنا امانه يوم القيامه، فان كنت نويت بالكتاب صلتي وبري فجزيت خيرا في الدنيا والاخره والسلام).

عن اي امان يتحدث هولاء المخادعون المنافقون، الم يبعث يزيد القرود بالامس الي واليه علي المدينه يخير الحسين بين البيعه والقتل، حتي اضطر (ع) الي الخروج ليلا وهو يقرا (فخرج منها خائفا يترقب)«القصص/21»، فاي امان هذا؟ اهو تاجيل لتنفيذ القرار حتي تاتي الفرصه المناسبه وتتم العمليه بهدوء وسلامه؟ اغتيالا او سما، كما اخبر به اخاه محمدا بن الحنفيه: (اخشي ان يقاتلني اجناد بني اميه في حرم مكه، فاكون كالذي يستباح دمه في حرم اللّه، يا اخي لو كنت في حجر هامه من هوام الارض لاستخرجوني منه حتي يقتلوني).

لقد كان خروج الحسين (من مكه) قرارا مدروسا قائما علي معلومات موثوقه وموكده عن النوايا الحقيقيه لبني اميه ولسوابقهم التي لم تكن قد اضحت يومها تاريخيه في قتل خصومهم اغتيالا بالسم او بغيره، ولذا كان قرار الخروج (من) مكه (الي) ارض كربلاء لا الي اي مكان آخر، لا الي اليمن ولا الي اي ارض اخري. ثم هو في لقائه مع الفرزدق يوكد هذا المعني. ولا يسعنا الا تصديق ما جاء علي لسان الحسين، فقد التقي الفرزدق الشاعر بقافله الحسين فسلم عليه وقال له:

(بابي انت وامي، يا ابن رسول اللّه، وما اعجلك عن الحج؟، فقال:

لو لم اعجل لاخذت). وهذا كلام واضح لا لبس فيه ولا التواء. ثم ساله ابو عبداللّه عن الناس فقال: (قلوبهم معك واسيافهم عليك والامر ينزل من السماء واللّه يفعل ما يشاء). فقال (ع):

(صدقت، للّه الامر وكل يوم هو في شان، فان نزل القضاء بما نحب ونرضي فنحمد اللّه علي نعمائه وهو المستعان علي اداء الشكر، وان حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوي سريرته) [3] .

ويبقي اخذ الحسين لنسائه وبنات النبوه والرساله موضعا للاستفهام والتساول الناشي ء من قله فهمنا وادراكنا لوظيفه اهل البيت وطبيعه مهمتهم في حفظ الرساله الاسلاميه، فها هو التاريخ يحكي لنا بعض نماذج الزهاده لاشخاص خالفوا نهج اهل البيت عليهم السلام بل وحاربوه، ويصعب علينا تحقيق كل هذه الروايات اثباتا او نفيا، ولكن التاريخ البشري كله لم يحدثنا عن قائد يحمل امانه الحفاظ علي منهج يحمل معه كل هذا الكم من القرابين من اهل بيته الطاهرين ومن فلذات كبده بل وحتي نساءه وحرماته. التاريخ يحكي لنا آلاف النماذج عن قتلي وشهداء من اجل فكره او مذهب، لكن لم يحك لنا عن النموذج الحسيني لقافله تحمل حرمات رسول اللّه وبنات الرساله يودين واجبهن في التضحيه والفداء.

بعض الباحثين يرد علي انصار نهج آل البيت متسائلا: باي ميزه فضل هولاء؟ ويقول: انهم ليسوا افضل من غيرهم، ويقتطف عبارات ياخذها بعيدا عن سياقها مثل قوله: (يا فاطمه بنت محمد اعملي، لا اغني عنك من اللّه شيئا. ويرد انصار اهل البيت بما ورد من آيات واحاديث، ولكن في ظني ان اكبر رد علي هولاء هو موقف آل بيت النبوه في يوم عاشوراء، حيث ضرب الجميع اروع الامثال علي ان فضل آل البيت علي من عداهم كان فضل عمل لا شرف بلا عمل، ليس آل البيت في حاجه الي اكاذيب تعلي شانهم بانهم اول من يعمل واول من يلبي واول من يستشهد، وواللّه لقد ذهب فضلهم ونورهم بكل من عداهم، وهكذا فان مقاله ابي عبداللّه حاكيا عن رسول اللّه:

(قد قال جدي رسول اللّه، ان اللّه قد شاء ان يري نسوتك سبايا مهتكات يسقن في اسر الذل).


پاورقي

[1] موسوعه کلمات الامام الحسين ص 328، معهد تحقيقات

باقر العلوم، دار العروق قم، ومقتل الحسين للخوارزمي الجزء الثاني.

[2] البدايه والنهايه لابن کثير4/687.

[3] الامالي ص 93 ونفس المهموم للشيخ عباس القمي ص 98.