بازگشت

ضرورات المرحله ونماذج رجالاتها


هكذا بدات مسيره ابي عبداللّه الحسين (ع) متجها الي مكه، ثم الي ارض الطف حيث المقر والمقام.

سامضي وما بالموت عار علي الفتي اذا ما نوي حقا وجاهد مسلما وواسي الرجال الصالحين بنفسه وفارق مذموما وخالف مجرما كان الحسين، (ع)، قبل خروجه، يتمثل بقول الشاعر في اباء الذل والضيم حتي وان كان ثمن ذلك التضحيه بالنفس:

وهو علي ما قاله الامام علي، ذات يوم، مستحثا اصحابه علي الجهاد من اجل الحق: (الموت في حياتكم مقهورين والحياه في موتكم قاهرين). انها المعادله التي لو وعاها المسلمون من قديم لما صاروا الي هذه الهوه السحيقه التي هم فيها الان، اباء الضيم وعدم الخضوع للظلم والظالمين مهما كان الثمن.

1- النموذج الاول: التعلق بالاوهام

كانت الامه المسلمه، آنئذ، في امس الحاجه الي هذا الموقف الحسيني حيث تداخلت الاهواء والمواقف ما بين عبداللّه بن عمر صاحب المواقف التائهه بدءا من خلع بيعه امام الحق علي بن ابي طالب وجلوسه في بيته يخزل الحق، باعتبار ان هذه الاحداث كانت فتنه وانه وحده هو والقله الذين جلس كل منهم في بيته كانوا علي الحق، ثم ها هو يكرر الماساه نفسها، ويحاول ان يسبغ هاله من القداسه الموهومه علي ما اسماه (جماعه المسلمين)، يعني الدوله اليزيديه الامويه، فينصح للحسين وابن الزبير قائلا: (اتقيا اللّه، ولا تفرقا جماعه المسلمين)، هذه الجماعه او الامه التي صارت خولا وعبيدا لبني اميه يقتلون ابناءهم ويستحيون نساءهم ويذبحون خيارهم وصلحاءهم ويدنون فساقهم ومنافقيهم ويستاثرون باموال المسسلمين يجعلونها دوله بينهم، انها المفاهيم المعكوسه التي سادت الامه المسلمه المنكوبه بعد ذلك، ولذا نري الامام الحسين يجبهه بالحق حين التقاه في مكه قائلا له: (اتق اللّه، يا ابا عبد الرحمن، ولا تدع نصرتي).

انه من الضروري ان نفرق بين الاسلام كما جاء به محمد بن عبداللّه (ص)، والجماعه المسلمه التي عاشت في كنف القياده الرساليه للنبي الاكرم محمد (ص)، وذلك الكيان المسخ الذي آلت اليه الامه في ظل قياده بني اميه، شتان بين الحالين، فجماعه الحق تعرف بامام الحق ولا يمكن ان يكون العكس صحيحا فيصبح من اغتصب اراده جماعه الحق هو امام الحق، وهذا ما عجز ابن عمر عن رويته عمدا او عجزا عن الادراك، فخذل الامام علي، وهو اوضح نموذج لالتقاء جماعه الحق مع امام الحق، ويسعي لتخذيل الامام الحسين وابقائه مع القاعدين، وينهي حياته اي ابن عمر نهايه تتلاءم مع مجموع مواقفه، فبينما يخرج الصحابه والتابعون علي يزيد في واقعه الحره تراه يصفهم بالبغي والعدوان، ثم يذهب مبادرا ليبايع الحجاج بن يوسف الثقفي بعدما قتل ابن الزبير وهدم الكعبه، انها مواقف التيه.

ولذا كان الامام الحسين، (ع)، واضحا في مخاطبته قاطعا عليه طريق الالتفاف قائلا له: (يا ابا عبد الرحمن، اما علمت ان من هوان الدنيا علي اللّه ان راس يحيي بن زكريا اهدي الي بغي من بغايا بني اسرائيل، اما تعلم ان بني اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الي طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في اسواقهم يبيعون ويشترون كان لم يصنعوا شيئا، فلم يعجل اللّه عليهم بل امهلهم واخذهم بعد ذلك اخذ عزيز ذي انتقام، اتق اللّه يا ابا عبد الرحمن ولا تدع نصرتي) [1] .

كان ابو عبداللّه عارفا بالرجل وبتوجهاته النفسيه التي حاول دائما ان يعطيها ثوب القداسه، وكان بنو اميه لا يقلون معرفه بالرجل وكانوا لا يخشونه، فقد بعث اليه الوليد قائلا: (بايع ليزيد.

فقال: اذا بايع الناس بايعت. فقال رجل: ما يمنعك ان تبايع؟ انما تريد ان يختلف الناس فيقتتلوا ويتفانوا فاذا جهدهم ذلك، قالوا:

عليكم بعبداللّه بن عمر لم يبق غيره بايعوه. قال عبداللّه: ما احب ان يقتتلوا ولا يختلفوا ولا يتفانوا، ولكن اذا بايع الناس ولم يبق غيري بايعت. قال: فتركوه وكانوا لا يتخوفونه) [2] .

لماذا كان بنو اميه لا يتخوفونه؟ ولماذا لم يبايع منذ اللحظه الاولي؟، كانوا لا يتخوفونه لان الرجل كان وارثا لاسم ولم يكن وارثا لفاعليه، كانوا لا يتخوفونه لانه كان كما وصفوه يريد ان يقتتل الناس ويتفانوا، فاذا جهدهم ذلك: قالوا عليكم بعبداللّه بن عمر، تماما كما حدث يوم شوري ابن العاص حيث كان بعض الناس يريد ان يدفع به الي سده الخلافه، وكان الرجل لا يزال ذاكرا لهذا اليوم ويحلم بتكراره، وهذا هو الوهم الاول الذي بدا للرجل المنتظر ان ياتي الناس اليه ويبايعوه.

الوهم الثاني الذي عاشه ابن عمر يتمثل في انه كان يعتقد ويظن انه وارث لنهج في الدين والسياسه ليس بنهج آل بيت محمد ولا هو بالنهج الاموي. والحقيقه انه كان وارثا لمرحله طويت فانطوت، مرحله تخيل بعض الناس انها دائمه، ولكن كبار المخططين الذين حكي عنهم ربنا عز وجل بقوله: (ام ابرموا امرا فانا مبرمون)«الزخرف / 79» وصنعوها مرحله انتقاليه.

فليس من المعقول ان يموت رسول اللّه اليوم، فيقفز بنو اميه علي سده الخلافه صبيحه اليوم التالي، لا بد من انتقال وتمهيد سواء علي مستوي الامكان والتنفيذ ام علي مستوي القبول النفسي لافراد هذه الامه، كان لا بد من ثلاثين عاما من التمهيد لم يعكر صفوها الي صعود الامام علي بن ابي طالب سده الخلافه. اذا لم يكن مسموحا لابن عمر، ولا لاي ابن غيره ان يعيد استعراض نهج آبائه علي المسلمين، فهذه مرحله قد طويت ويكفيكم ما نلتموه من شرف لم يكن يخطر لكم علي بال، وعلي كل حال شرف مدفوع الثمن في الدنيا.

ب- النموذج الثاني: طلب الدنيا بعمل الاخره، اختلاط الدين بالاهواء واذا كنا قد اتينا علي ذكر ابن عمر وما قدمه من نموذج في فهم الاسلام، فان النموذج الاخر الذي عاصر ثوره الامام الحسين (ع): هو نموذج عبداللّه بن الزبير، ذاك الذي قال عنه امير المومنين علي (ع) (ما زال الزبير رجلا منا اهل البيت حتي نشا ابنه المشووم عبداللّه) [3] فهو صاحب مواقف قد تركت بصماتها في التاريخ، اذ لعب دورا رئيسيا في تاجيج نار الفتنه في واقعه الجمل فيذكر اصحاب التاريخ ان عائشه دعت ابن عمر يوما وقالت له: (يا ابا عبد الرحمن، ما منعك ان تنهاني عن مسيري؟ قال: رايت رجلا قد غلب عليك ورايتك لا تخالفينه يعني عبداللّه بن الزبير فقالت: اما انك لو نهيتني ما خرجت) [4] .

وها هو يري في هلاك معاويه واستخلاف يزيد فرصه كبري لا بد من انتهازها ليبلغ ما يتمناه من الملك والخلافه، كما روي عنه الشعبي: (رايت عبداللّه بن الزبير قام في الحرم فالتزم الركن وقال: اللهم انك عظيم ترجي لكل عظيم، اسالك بحرمه وجهك وحرمه عرشك وحرمه بيتك الا تخرجني من هذه الدنيا حتي الي الحجاز ويسلم علي بالخلافه) [5] .

وشتان بين الحالين، حال الامام الحسين الذي يضحي بنفسه شهيدا في ارض كربلاء وبين هذا الرجل الذي يختار الحرم المكي موقفا ملائما لبدء تاسيس دولته بغض النظر عن النتائج الوخيمه التي تحل ببيت اللّه الحرام، وهو عين ما حذر منه الامام الحسين (ع) قائلا: (لئن اقتل خارج مكه بشبر احب الي من ان اقتل داخلها بشبر، وان اقتل خارجها بشبرين احب الي من ان اقتل خارجها بشبر)، ولكنه لم يتورع عن تعريض الكعبه للدمار وجعلها مسرحا لسفك الدماء وصولا الي ما اراد من هدف وهو السلطه، ولما تحقق له بعض ما اراد، فعل الاعاجيب، فهم يحكون عنه صلاه وصياما وقياما ويحكون عنه ايضا انه قطع ذكر رسول اللّه في خطبه الجمعه اسابيع كثيره، فاستعظم الناس ذلك فقال: (اني لا ارغب عن ذكره، ولكن له اهيل سوء اذا ذكرته اقلعوا اعناقهم فانا احب ان اكبتهم) [6] .

فلما عاتبه بعض خاصته في هذا قال: (واللّه ما تركت ذلك علانيه الا وانا اقوله سرا واكثر منه، لكني رايت بني هاشم اذا سمعوا ذكره اشرابوا واحمرت الوانهم وطالت رقابهم، واللّه ما كنت لاتي لهم سرورا وانا اقدر عليه، واللّه لقد هممت ان احظر لهم حظيره ثم اضرمها عليهم نارا فاني لا اقتل منهم الا آثما كفارا سحارا، واللّه لا انماهم اللّه ولا بارك عليهم بيت سوء لا اول لهم ولا آخر، واللّه ما ترك نبي اللّه فيهم خيرا، استفرغ نبي اللّه صدقهم فهم اكذب الناس) [7] .

ولسنا هنا بصدد استقصاء سيره ابن الزبير ولا ردود ابن عباس عليه، فيكفيه انه نفي ابن عباس الي الطائف، فكان يجلس ليحدث اهل الطائف مترحما علي السابقين، ويقول واصفا ابن الزبير: (ذهبوا فلم يدعوا امثالهم ولا اشباههم، ولا من يدانيهم.

ولكن بقي اقوام يطلبون الدنيا بعمل الاخره، يلبسون جلد الضان تحتها قلوب الذئاب والنمور، ليظن الناس انهم من الزاهدين في الدنيا يراوون الناس باعمالهم ويسخطون اللّه بسرائرهم، فادعوا اللّه ان يقضي لهذه الامه بالخير والاحسان فيولي امرها خيارها وابرارها ويهلك فجارها واشرارها، ارفعوا ايديكم الي ربكم وسلوه ذلك، فيفعلون).

ويكفيه انه جمع بني هاشم جميعهم في سجن عارم، واراد ان يحرقهم بالنار فجعل في فم الشعب حطبا كثيرا، فارسل المختار ابا عبداللّه الجدلي في اربعه آلاف فارس فما شعر بهم ابن الزبير الا والرايات تخفق بمكه فاخرج الهاشميين. قال المسعودي: (وكان عروه بن الزبير من اعلام الرواه والمحدثين يعذر اخاه عبداللّه في حصر بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم ويقول: انما اراد بذلك ان لا تنتشر الكلمه ولا يختلف المسلمون وان يدخلوا في الطاعه فتكون الكلمه واحده، كما فعل عمر بن الخطاب ببني هاشم لما تاخروا عن بيعه ابي بكر فانه احضر الحطب ليحرق عليهم الدار) [8] .

اننا امام واقع لا بد من ايراده، كما هو، بغض النظر عما لدينا من انطباع وتخيلات عن هذا الشخص او ذاك. كان ابن الزبير يشكل نموذجا اختلط فيه الدين بالاهواء، نموذج يتكرر علي مدي الازمنه وخاصه في زماننا هذا، حيث يستفيد امثال هولاء (الذين طلبوا الدنيا بعمل الاخره) من حالات الخلخله التي تمر بها المجتمعات الاسلاميه نتيجه للصراعات السياسيه، فيحاولون الاستفاده من هذه الفرصه للاستيلاء علي السلطه عشقهم الاول والاخير، وهم لا يرون اثقل علي قلوبهم من حمله كلمه الحق مثل الحسين وابن عباس، ولو ظفروا بالسلطه لكان هولاء اول ضحاياهم، وهم في محاولاتهم الحصول علي مشتهاهم من السلطان والجاه يمكنهم الاطاحه بكثير من المقدسات مثل انتهاك حرمه بيت اللّه الحرام، ثم يموهون علي العامه والبسطاء ببعض التوابل مثل الصلاه والصيام والقيام وطول الركوع والسجود، وتبقي القلوب قلوب الذئاب مهما ارتدت من جلود الضان، اذا كان الزبير طالبا للحق فلماذا حارب امير المومنين علي؟، ولماذا خذل الحسين، (ع)؟، فلا عجب ان يهدي اليه ابن عباس هذه الكلمات، والحسين خارج من مكه:

يا لك من قبره بمعمر خلالك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت ان تنقري ولا عجب ايضا ان ينذره الحسين بسوء فاله: (ان ابي حدثني ان بها كبشا يستحل حرمتها، فما احب ان اكون ذلك الكبش) [9] .

ج- النموذج الثالث: طلب الحق والشهاده في سبيله كان لا بد من المرور بذكر ابن الزبير لان ذكر النقائض يعين علي كشف الحقائق، فلم يكن الحسين امام الحق، وارث النبي وعلي، علي شاكله هولاء ممن يبحثون عن سلطان او جاه وانما كان هدفه انقاذ الدين واعلاء كلمه الحق.

لم تكن حقبه امامه الحسين، (ع)، في مكه، فتره راكده. ومن الواضح انها كانت حافله بالحوارات بين وجوه الامه الذين جمعهم موسم الحج ومحاوله اللحاق بابي عبداللّه الحسين (ع)، وثنيه عن مسيره المزمع الي العراق وان تناقضت الدوافع.

ومن ناحيه اخري مثل خروج الحسين (ع) الي مكه واباءه البيعه بارقه امل لمن يرغبون في التخلص من بني اميه والسير خلف رايه اهل البيت عليهم السلام، فاجتمعوا في الكوفه في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فذكروا هلاك معاويه فحمدوا اللّه واثنوا عليه، وقال سليمان بن صرد: ان معاويه قد هلك وان حسينا لم يبايع يزيد وقد خرج الي مكه وانتم شيعته وشيعه ابيه، فان كنتم تعلمون انكم ناصروه ومجاهدو عدوه ونقتل انفسنا دونه فاكتبوا اليه واعلموه، وان خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل في نفسه. قالوا: لا بل نقاتل عدوه ونقتل انفسنا دونه. قال: فاكتبوا اليه.


پاورقي

[1] موسوعه کلمات الامام الحسين ص 325.

[2] شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد،4/480، دار الهدي الوطنيه بيروت.

[3] شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد4/480، دار الهدي الوطنيه بيروت.

[4] المصدر نفسه‏4/481.

[5] المصدر نفسه‏4/492.

[6] المصدر نفسه‏4/489.

[7] شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد4/489.

[8] شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد5/495.

[9] تاريخ الطبري‏4/289.