بازگشت

التمهيد للثوره


بيان فضائل آل البيت،ومساوي ء الحزب الفئه الحاكمه خرجت جماعه من الشيعه الي الامام الحسن (ع)، بعد صلحه مع ابن آكله الاكباد، وطلبوا منه نقض الصلح، فلم يجبهم فجاءوا الي الامام الحسين (ع) فقال: (قد كان صلحا، وكانت بيعه كنت بها كارها، فانظروا ما دام هذا الرجل حيا فان يهلك نظرنا ونظرتم.

فانصرفوا عنه، فلم يكن شي ء احب اليهم والي الشيعه من هلاك معاويه) [1] .

ثم لما استشهد الامام الحسن (ع)، عاودوا الاتصال بالامام الحسين قائلين: (ان اللّه قد جعل فيك اعظم الخلف ممن مضي، ونحن شيعتك المصابه بمصيبتك، المحزونه بحزنك، المسروره بسرورك، المنتظره لامرك. فكتب اليهم: اني لارجو ان يكون راي اخي في الموادعه ورايي في الجهاد رشدا وسدادا، فالصقوا بالارض واخفوا الشخص واكتموا الهدي واحترسوا من الاظاء ما دام ابن هند حيا فان يحدث به حدث، وانا حي، ياتكم رايي ان شاء اللّه) [2] .

ولما كثر اختلاف اشراف الحجاز ورجال العراق الي الحسين (ع)، حجبهم الوليد بن عتبه، والي المدينه عنه، ومنعهم من ملاقاته فقال له الحسين: (يا ظالما نفسه، وعاصيا لربه، علام تحول بيني وبين قوم عرفوا من حقي ما جهلته انت وعمك) [3] .

كتب معاويه الي الحسين (ع): (اما بعد، فقد انتهت الي منك امور، لم اكن اظنك بها رغبه عنها، وان احق الناس بالوفاء لمن اعط ي بيعه من كان مثلك، في خطرك وشرفك ومنزلتك التي انزلك اللّه بها، فلا تنازع الي قطيعتك، واتق اللّه، ولا تردن هذه الامه في فتنه، وانظر لنفسك ودينك وامه محمد، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) [4] .

يظهر من هذا الخطاب ان الدوله الامويه كانت ترصد حركات ابي عبداللّه الحسين وسكناته وانه، سلام اللّه عليه، لم يكن نائما علي فراشه ينتظر هلاك الطاغيه ليسرع الي اعلان نفسه خليفه كما يحلم الكسالي والواهمون. ولعل كلمه معاويه (انتهت الي منك امور) يعني انه لم يكن تقريرا واحدا من مخابراته بل كانت تقارير عده. وكان الحسين (ع)، حريصا علي ابلاغ كلمه الحق الي جميع افراد الامه. اما السياسه الامويه تجاه الحسين (ع)، في هذه الحقبه فيلخصها سعيد بن العاص عندما يقول: (فذر الحسين بمنبت النخله، يشرب الماء ويصعد في الهواء ولا يبلغ الي السماء). فالنخله، مهما طالت، لا تبلغ السماء، وهذا المطلوب عينه، من دون اراقه دماء، ومن دون احداث ضجيج غير مطلوب ولا مرغوب، في وقت كان يتعين فيه اظهار البيعه ليزيد وكانها جاءت طواعيه وبمل ء اراده الامه.

فكان رد الامام عليه: (اما بعد، فقد جاءني كتابك تذكر فيه انه انتهت اليك عني امور، لم تكن تظنني بها، رغبه بي عنها، وان الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد اليها الا اللّه تعالي، اما ما ذكرت انه رقي اليك عني، فانما رقاه الملاقون، المشاءون بالنميمه، المفرقون بين الجمع، وكذب الغاوون المارقون، ما اردت حربا ولا خلافا، واني لاخشي اللّه في ترك ذلك، منك ومن حزبك، القاسطين المحلين، حزب الظالم، واعوان الشيطان الرجيم.

الست قاتل حجر، واصحابه العابدين المخبتين، الذين كانوا يستفظعون البدع، يامرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، فقتلتهم ظلما وعدوانا، من بعد ما اعطيتهم المواثيق الغليظه، والعهود الموكده، جراه علي اللّه واستخفافا بعهده، اولست بقاتل عمرو بن الحمق، الذي اخلقت وابلت وجهه العباده، فقتلته من بعد ما اعطيته من العهود ما لو فهمته العصم نزلت من شعف الجبال، اولست المدعي زيادا في الاسلام، فزعمت انه ابن ابي سفيان، وقد قضي رسول اللّه (ص)، ان الولد للفراش وللعاهر الحجر، ثم سلطته علي اهل الاسلام، يقتلهم ويقطع ايديهم وارجلهم من خلاف، ويصلبهم في جذوع النخل.

سبحان اللّه! يا معاويه، لكانك لست من هذه الامه، وليسوا منك، اولست قاتل الحضرمي الذي كتب اليك فيه زياد انه علي دين علي كرم اللّه وجهه؟ ودين علي هو دين ابن عمه (ص)، الذي اجلسك مجلسك الذي انت فيه، ولولا ذلك كان افضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين: رحله الشتاء والصيف، فوضعها اللّه عنكم بنا، منه عليكم. وقلت في ما قلت: لا ترد هذه الامه في فتنه، واني لا اعلم لها فتنه اعظم من امارتك عليها، وقلت في ما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولامه محمد، واني واللّه ما اعرف افضل من جهادك، فان افعل فانه قربه الي ربي، وان لم افعله فاستغفر اللّه لديني، واساله التوفيق لما يحب ويرضي.

وقلت في ما قلت: متي تكدني اكدك، فكدني يا معاويه في ما بدا لك، فلعمري لقديما يكاد الصالحون، واني لارجو ان لا تضر الا نفسك، ولا تمحق الا عملك، فكدني ما بدا لك، واتق اللّه يا معاويه. واعلم ان للّه كتابا لا يغادر صغيره ولا كبيره الا احصاها.

واعلم ان اللّه ليس بناس لك قتلك بالظنه واخذك بالتهمه، وامارتك صبيا يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب، ما اراك الا وقد اوبقت نفسك، واهلكت دينك، واضعت الرعيه والسلام) [5] .

كانت هذه الرساله اعلانا موجلا للحرب وليست محاوله للاسترضاء، فها هو الامام الحسين يضع النقاط علي الحروف، ويعلن موقفه من بني اميه الذين وصفهم بانهم حزب الظالم واعوان الشيطان الرجيم.

ثم يرد علي تلبيس ابليس بادعائه خوف الفتنه علي امه محمد بانه، (ع)، لا يري فتنه اخطر ولا اضل علي امه محمد من اماره معاويه والقاسطين من حزبه، وهو تاكيد لما ذكرناه من قبل في تفسير قوله تعالي: (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني الا في الفتنه سقطوا)«التوبه/49»، فليس هناك اضل علي الامه من اماره الظلمه اعداء اللّه حزب الشيطان، وان ترك جهادهم ذنب والبراءه منهم وقتالهم هدف نبيل يتضاءل الي جواره كل بذل وتضحيه، وبين اعلان موقفه من بني اميه واعلانه وجوب الجهاد ضدهم يفصل جرائمهم ونكايتهم بالصالحين من امه محمد (ص). ان هذه الرساله تاكيد لما اسلفنا، وهو ان خروج الامام الحسين (ع)، لم يكن رد فعل وانفعال بل هو فعل مدروس وترجمه عمليه لموقف عقيدي راسخ وتنفيذ لتكليف الهي.

كل هذه الكلمات والمواقف لم تردع معاويه عن غيه بل هو ماض في ما نوي فيذهب الي المدينه، ويلتقي وجوه الامه، ويلوح لهم تاره بالوعود وتاره بالوعيد، يلبس الحق بالباطل ويزور ويزيف ليمهد الامر ليزيد اللعين، فقام الحسين (ع) يجبهه بالحق: (اما بعد يا معاويه لم يناده بامره المومنين فلن يودي القائل، وان اطنب، في صفه الرسول (ص)، من جميع جزءا، وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول اللّه من ايجاز الصفه والتنكب عن استبلاغ النعت، وهيهات هيهات يا معاويه:

فضح الصبح فحمه الدجي، وبهرت الشمس انوار السرج، ولقد فضلت حتي افرطت، واستاثرت حتي اجحفت، ومنعت حتي محلت، وجزت حتي جاوزت ما بذلت لذي حق من اسم حقه بنصيب حتي اخذ الشيطان حظه الاوفر، ونصيبه الاكمل، وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله، وسياسته لامه محمد، تريد ان توهم الناس في يزيد كانك تصف محجوبا، او تنعت غائبا او تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص. وقد دل يزيد من نفسه علي موقع رايه، فخذ ليزيد في ما اخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشه عند التحارش، والحمام السبق لاترابهن، والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده باصرا، ودع عنك ما تحاول، فما اغناك ان تلقي اللّه من وزر الخلق باكثر مما انت لاقيه، فواللّه ما برحت تقدم جور باطلا في جور وحنقا في ظلم حتي ملات الاسقيه وما بينك وبين الموت الا غمضه، فتقدم علي عمل محفوظ، في يوم مشهود، ولات حين مناص، ورايتك عرضت بنا بعد هذا الامر، ومنعتنا عن آبائنا، ولقد لعمر اللّه اورثنا الرسول (ص)، ولاده وجئت لنا بها، ما حججتم به فاذعن للحجه بذلك، ورده الايمان الي النصف، فركبتم الاعاليل، وفعلتم الافاعيل، وقلتم كان ويكون، حتي اتاك الامر يا معاويه من طريق كان قصدها لغيرك، فهناك اعتبروا يا اولي الابصار، وذكرت قياده الرجل القوم بعهد رسول اللّه (ص) وتاميره له، وقد كان ذلك، ولعمرو بن العاص يومئذ فضيله بصحبه الرسول، وبيعته له، وما صار لعمرو يومئذ مبعثهم حتي انف القوم امرته، وكرهوا تقديمه، وعدوا عليه افعاله، فقال (ص): لا جرم معشر المهاجرين، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري، فكيف يحتج بالمنسوخ من فعل الرسول، في اوكد الاحكام، واولاها بالمجمع عليه من الصواب؟ ام كيف صاحبت بصاحب تابعا، وحولك من لا يومن في صحبته، ولا يعتمد في دينه وقرابته، وتتخطاهم الي مسرف مفتون، تريد ان تلبس الناس شبهه يسعد بها الباقي في دنياه، وتشقي بها في آخرتك، ان هذا لهو الخسران المبين، واستغفر اللّه لي ولكم.

قال: فنظر معاويه الي ابن عباس فقال: ما هذا يا ابن عباس؟ ولما عندك ادهي وامر، فقال ابن عباس: لعمر اللّه، انها لذريه الرسول، واحد اصحاب الكساء، ومن البيت المطهر، ما له عما تريد، فان لك في الناس مقنعا، حتي يحكم اللّه بامره وهو خير الحاكمين) [6] .

تامل قوله، (ع)، عن يزيد: (تريد ان توهم الناس في يزيد كانك تصف محجوبا وتنعت غائبا). لم تكن شخصيه يزيد شخصيه مجهوله، ولا كانت اخلاقياته امرا غائبا عن الناس ولا كانت الامه المسلمه قد صارت الي ما هي عليه الان من فساد اخلاقي ومجاهره بالمعاصي وشرب الخمور حتي يتجاوز المسلمون عن ذلك الفاسق المستهتر، وهل عجزت امه محمد عن ايجاد رجل منها يتمتع بالخلق الحميد والسمعه الطيبه حتي تسلم امرها الي يزيد؟ 3- التصميم والتخطيط لم يتوقف الحسين، (ع)، عن تذكير الناس بحق اهل البيت (ع)، سواء في مواجهه معاويه ام في مجلسه، فها هو يجمع رجالات بني هاشم ورجالات الشيعه والتابعين والانصار، وعددهم حوالي تسعمئه رجل، فلما اجتمعوا قام خطيبا فحمد اللّه واثني عليه ثم قال: (اما بعد، فان هذا الطاغيه قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رايتم وعلمتم وشهدتم، واني اريد ان اسالكم عن شي ء، فان صدقت فصدقوني وان كذبت فكذبوني، اسمعوا مقالتي واكتموا قولي ثم ارجعوا الي امصاركم وقبائلكم من امنتموه ووثقتم به فادعوهم الي ما تعلمون فاني اخاف ان يندرس هذا الحق ويذهب، واللّه متم نوره ولو كره الكافرون.

قال الراوي: فما ترك الحسين شيئا مما انزل اللّه فيهم الا تلاه وفسره، ولا شيئا مما قاله رسول اللّه في ابيه واخيه وفي نفسه واهل بيته الا رواه، وفي كل ذلك يقول اصحابه: اللهم نعم، قد سمعنا وشهدنا.

وقد ناشدهم فقال: انشدكم اللّه، اتعلمون ان علي بن ابي طالب كان اخا لرسول اللّه حين آخي بين اصحابه فاخي بينه وبين نفسه، وقال: انت اخي وانا اخوك في الدنيا والاخره؟، قالوا: نعم.

قال: انشدكم اللّه، هل تعلمون ان رسول اللّه اشتري موضع مسجده ومنازله فابتناه ثم ابتني فيه عشره منازل، تسعه له، وجعل عاشرها في وسطها لابي، ثم سد كل باب شارع الي المسجد غير بابه فتكلم في ذلك من تكلم، فقال: ما انا سددت ابوابكم وفتحت بابه ولكن اللّه امرني بسد ابوابكم وفتح بابه ثم نهي الناس ان يناموا في المسجد غيره، ومنزله في منزل رسول اللّه فولد لرسول اللّه وله فيه اولاد؟، قالوا: اللهم نعم.

قال: انشدكم اللّه افتعلمون ان عمر بن الخطاب حرص علي كوه قدر عينيه يدعها في منزله الي المسجد فابي عليه، ثم خطب فقال: ان اللّه امرني بان ابني مسجدا طاهرا لا يسكنه غير اخي وغير اخي وبنيه؟، قالوا: اللهم نعم.

قال: انشدكم اللّه اتعلمون ان رسول اللّه قال في غزوه تبوك:

انت مني بمنزله هارون من موسي، وانت ولي كل مومن بعدي؟، قالوا: اللهم نعم.

قال: انشدكم اللّه اتعلمون ان رسول اللّه دفع اليه اللواء يوم خيبر، ثم قال: لادفعه الي رجل يحبه اللّه ورسوله ويحب اللّه ورسوله، كرار غير فرار فيفتحها اللّه علي يده؟، قالوا: اللهم نعم.

قال: اتعلمون ان رسول اللّه بعثه ببراءه وقال: (لا يبلغ عني الا انا او رجل مني؟، قالوا: اللهم نعم).

قال: اتعلمون ان رسول اللّه لم تنزل به شده قط الا قدمه لها ثقه به وانه لم يدعه باسمه قط الا يقول: يا اخي؟، قالوا: اللهم نعم.

قال: انشدكم اللّه اتعلمون ان رسول اللّه قضي بينه وبين جعفر وزيد فقال: يا علي انت مني وانا منك وانت ولي كل مومن بعدي؟، قالوا: اللهم نعم.

قال: انشدكم اللّه اتعلمون انه كانت له من رسول اللّه كل يوم خلوه وكل ليله دخله اذا ساله اعطاه واذا سكت ابداه؟، قالوا:

اللهم نعم.

قال: انشدكم اللّه اتعلمون ان رسول اللّه فضله علي جعفر وحمزه حين قال لفاطمه، عليها السلام، زوجتك خير اهل البيت، اقدمهم سلما واعظمهم حلما واكثرهم علما؟، قالوا:

اللهم نعم.

قال: انشدكم اللّه اتعلمون ان رسول اللّه قال: انا سيد ولد آدم، واخي علي سيد العرب وفاطمه سيده نساء اهل الجنه والحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنه؟، قالوا: اللهم نعم.

قال: انشدكم اللّه اتعلمون ان رسول اللّه امره بتغسيله واخبره ان جبرائيل يعينه عليه؟، قالوا: اللهم نعم.

قال: انشدكم اللّه اتعلمون ان رسول اللّه قال في آخر خطبه خطبها: اني تركت فيكم الثقلين كتاب اللّه واهل بيتي فتمسكوا بهما لن تضلوا؟، قالوا: اللهم نعم.

فلم يدع، شيئا انزله اللّه في علي بن ابي طالب خاصه واهل بيته من القرآن ولا عن لسان نبيه الا ناشدهم، فيقول الصحابه:

اللهم نعم، قد سمعناه. ويقول التابعون: اللهم نعم قد حدثنيه من اثق به فلان وفلان.

ثم ناشدهم ان كانوا قد سمعوا رسول اللّه (ص)، يقول: من زعم انه يحبني ويبغض عليا فقد كذب، ليس يحبني ويبغض عليا، فقال له قائل: يا رسول اللّه وكيف ذلك؟، قال: لانه مني وانا منه، من احبه فقد احبني ومن احبني فقد احب اللّه، ومن ابغضه فقد ابغضني ومن ابغضني فقد ابغض اللّه، فقالوا: اللهم نعم قد سمعناه، وتفرقوا علي ذلك) [7] .

ثم ها هو يخاطب الامه ويحثها علي القيام بواجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر: (اعتبروا، ايها الناس، بما وعظ اللّه به اولياءه من سوء ثنائه علي الاحبار اذ يقول: (لعن الذين كفروا من بني اسرائيل علي لسان داود وعيسي ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)«المائده/78-79» وانما عاب اللّه ذلك عليهم لانهم كانوا يرون من الظلمه الذين بين اظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك، رغبه في ما كانوا ينالون منهم ورهبه مما يحذرون، واللّه يقول: (فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا ب اياتي ثمنا قليلا..)«المائده/44»، وقال: (والمومنون والمومنات بعضهم اولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر..)«التوبه/71»، فبدا اللّه بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضه منه لعلمه بانها اذا اديت واقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها، وذلك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء الي الاسلام مع رد المظالم ومخالفه الظالم وقسمه الفي ء والغنائم واخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها.

ثم انتم، ايها العصابه، بالعلم مشهوره وبالخير مذكوره وبالنصيحه معروفه وباللّه في انفس الناس مهابه، يهابكم الشريف ويكرمكم الضعيف ويوثركم من لا فضل لكم عليه ولا يدلكم عنده، تشفعون في الحوائج اذا امتنعت من طلابها، وتمشون في الطريق بهيئه الملوك وكرامه الاكابر، اليس كل ذلك انما نلتموه بما يرجي عندكم من القيام بحق اللّه، وان كنتم عن اكثر حقه تقصرون، فاستخففتم بحق الائمه فاما حق الضعفاء فضيعتم واما حقكم بزعمكم طلبتم، فلا مالا بذلتموه ولا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها ولا عشيره عاديتموها في ذات اللّه، انتم تتمنون علي اللّه جنته ومجاوره رسله وامانا من عذابه، لقد خشيت عليكم ايها المتمنون علي اللّه ان تحل بكم نقمه من نقماته لانكم بلغتم من كرامه اللّه منزله فضلتم بها، ومن يعرف باللّه لا تكرمون وانتم في عباده تكرمون وقد ترون عهود اللّه منقوضه فلا تفزعون وانتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون.

وما امركم اللّه به من النهي والتناهي انتم عنه غافلون وانتم اعظم الناس مصيبه لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسعون، ذلك بان مجاري الامور والاحكام علي ايدي العلماء باللّه الامناء علي حلاله وحرامه، فانتم المسلوبون تلك المنزله وما سلبتم ذلك الا لتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنه بعد البينه الواضحه، ولو صبرتم علي الاذي وتحملتم الموونه في ذات اللّه كانت امور اللّه عليكم ترد وعنكم تصدر واليكم ترجع، ولكنكم مكنتم الظلمه من منزلتكم واستسلمتم، امور اللّه في ايديهم يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات سلطهم علي ذلك فراركم من الموت واعجابكم بالحياه التي هي مفارقتكم، فاسلمتم الضعفاء في ايديهم فما بين مستعبد مقهور وبين مستضعف علي معيشه مغلوب، يتقلبون في الملك ب ارائهم ويستشعرون الخزي باهدائهم اقتداء بالاشرار وجراه علي الجبار، في كل بلد منهم علي منبره خطيب يصقع فالارض لهم شاغره وايديهم فيها مبسوطه والناس لهم خول لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد وذي سطوه علي الضعيف شديد مطاع لا يعرف المبدي المعيد، فيا عجبا وما لي لا اعجب والارض من غاش غشوم ومتصدق ظلوم وعامل علي المومنين غير رحيم، فاللّه الحاكم فيما فيه تنازعنا والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا.

اللهم انك تعلم انه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان ولا التماسا من فضول الحكام، ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الاصلاح في بلادك ويامن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسنتك في بلادك، فانكم ان لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمه عليكم وعملوا في اطفاء نور نبيكم، وحسبنا اللّه وعليه توكلنا واليه انبنا واليه المصير) [8] .

انظروا الي هذه الخطبه العظيمه، في التمهيد، واعداد الارضيه للثوره الحسينيه.

والخطبه التي سبقتها في ذكر فضائل اهل البيت وفضائله (ع).

ما احوجنا الي استخراج هذه المعاني وشرحها وتاكيدها لاصحاب العقول الراجحه، انها دستور ومنهج في فهم حقائق الاسلام تنسف ما حاول بنو اميه ترسيخه من صوره كهنوتيه للاسلام تكرس فصل الدين عن الدوله فصلا عمليا منذ البدايه، بل وتجعل من مفاهيم الدين خادمه لظلم الظالمين وجور السلاطين وتستفيد من مقالات بعض المتقاعصين الذين خدمهم الاسلام باكثر مما خدموه.

ان بني اميه واصحاب السلطه من بعدهم مهدوا في الاغداق علي افراد هذه الطبقه والادناء لهم واسماع صوتهم للناس، وكبت المخلصين في ولائهم لال بيت محمد (ص) بدءا من ابي ذر الغفاري رضوان اللّه عليه ومرورا بحجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي حتي لا تصل الي مسمع العالم الا هذه الكلمات المشبوهه المنسوبه الي اصحابها او المكذوبه علي رسول اللّه (ص)، داعيه الناس للخنوع والخضوع بدعوي تجنيب الناس الوقوع في الفتنه، وتحاول ان تعط ي الغاصبين شرعيه يحلمون بها وتعطل فريضه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فها هو ابو عبداللّه الحسين يوكد علي هذه الفريضه المعطله ويري انها ضروره لازمه لاقامه احكام الدين، فيقول: انها اذا اديت استقامت الفرائض جميعها هينها وصعبها، وتجنب المجتمع الوقوع في الظلم الذي هو راس كل مصيبه تنزل بالناس، وها هو (ع) ينبه الي ضياع حقوق الضعفاء وينبه الي انهم اسلموا الضعفاء في يد الظلمه، فصار الناس ما بين مستعبد مقهور وبين مستضعف علي معيشه مقهور.

ويلفت الانظار الي التوازن المفقود في المجتمع المسلم بين هولاء الجبابره واعوانهم الذي كان يفترض فيهم اقامه العدل، فها هم ينطلقون في خدمه شهواتهم وحقدهم علي الاسلام واهله فيصف حالهم: (في كل بلد منهم علي منبره خطيب فيصقع، فالارض لهم شاغره وايديهم فيها مبسوطه والناس لهم خول اي خدم لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد وذي سطوه علي الضعيف شديد مطاع لا يعرف المبدي المعيد).

هذا هو حال المسلمين، كما وصفه ابو عبداللّه، ولا بد من ان يستعيد الذهن ما فعله زياد وابن زياد وسمره بن جندب من قتلهم للمسلمين وسفكهم للدماء، هذه هي الصوره الحقيقيه للدوله الامويه التي وجدت وما زالت تجد من يدافع عنها ويدعو الناس للخنوع والخضوع باسم الدين، والدين براء من هولاء وهولاء.

ان هذه الخطب الثلاث ترسم معالم التصور الاسلامي لنظام الحكم، هذا التصور الذي افتتح معسكر النفاق جهدهم بالهجوم عليه، عالمين بان انتقاضه يسهل عليهم كل عسير، والحسين (ع) يعيد التاكيد علي معالمه الرئيسيه خاصه بعدما جرب الناس حكومه بني اميه وراوا جراتهم علي سفك الدماء واستئثارهم بالاموال، انها حكومه الظلمه التي امرنا اللّه تبارك وتعالي بان نجاهد حتي ننهي وجودها سواء رفعت شعارات الكفر ام ادعت الاسلام فقال عز من قائل: (وقاتلوهم حتي لا تكون فتنه ويكون الدين كله للّه)«الانفال/ 39»، فكيف يكون الدين كله للّه اذا كان الناس مجبرون علي الخضوع للظلم والا قتلوا او جاعوا؟!، كيف يكون الدين كله للّه، والحاكم الجائر يمتلك ازهاق الارواح بكلمه لا تستند الي شرع ولا قانون؟!، كيف يكون الدين كله للّه وقد صارت سلطه الحاكم الجائر هدفا مقدسا وصنما يعبد من دون اللّه ومن دون شريعته؟!.

وننهي خطب الحسين (ع)، في التمهيد للثوره بهذه الخطبه الرائعه:

(نحن حزب اللّه الغالبون، وعتره رسول اللّه (ص)، الاقربون، واهل بيته الطيبون، واحد الثقلين الذين جعلنا رسول اللّه ثاني كتاب اللّه تبارك وتعالي الذي فيه تفصيل كل شي ء لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمعول علينا في تفسيره، ولا يبطانا تاويله بل نتبع حقائقه، فاطيعونا ان طاعتنا مفروضه اذا كانت بطاعه اللّه ورسوله مقرونه، قال اللّه عز وجل: (ياايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شي ء فردوه الي اللّه والرسول)«النساء/59»، وقال:

(ولو ردوه الي الرسول والي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا)«النساء/83»، واحذركم الاصغاء الي هتوف الشيطان بكم، فانه لكم عدو مبين، فتكونوا كاوليائه الذين قال لهم: لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص علي عقبيه وقال اني بري ء منكم فتلقون للسيوف ضربا وللرماح وردا وللعمد حطما وللسهام غرضا ثم لا يقبل من نفس ايمانها لم تكن آمنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا) [9] .

ثم هلك معاويه، وكشرت الافعي الامويه عن انيابها، فارسل يزيد رساله الي عامله علي المدينه الوليد بن عتبه بن ابي سفيان، وجاء في صحيفه ملحقه بها (كانها اذن فاره): (اما بعد، فخذ حسينا وعبداللّه بن عمرو وعبداللّه بن الزبير بالبيعه اخذا شديدا، ليس فيه رخصه حتي يبايعوا، والسلام) [10] .

فلما وصلت الرساله، استشار الوليد مروان بن الحكم ((وقال:

كيف تري ان نصنع؟، قال: فاني اري ان تبعث الساعه الي هولاء النفر فتدعوهم الي البيعه والدخول في الطاعه، فان فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم، وان ابوا قدمتهم فضربت اعناقهم، قبل ان يعلموا بموت معاويه، فان علموا بموته وثب كل امري ء منهم في جانب، واظهر الخلاف والمنابذه. فارسل الوليد الي الحسين، (ع)، والي ابن الزبير يدعوهما فقالا له: انصرف، الان ناتيه. ثم اقبل احدهما علي الاخر، فقال عبداللّه بن الزبير للحسين: ما تراه بعث الينا في هذه الساعه التي لم يكن يجلس فيها؟، فقال حسين: قد ظننت اري طاغيتهم قد هلك، فبعث الينا لياخذنا بالبيعه قبل ان يفشو في الناس الخبر. فقال: وانا ما اظن غيره.

قال: فما تريد ان تصنع؟، قال: اجمع فتياني الساعه ثم امشي اليه، فاذا بلغت الباب احتبستهم عليه ثم دخلت عليه، وانا علي الامتناع قادر. فذهب الحسين بن علي الي دار الوليد فجلس فاقراه الوليد الكتاب، ونعي له معاويه ودعاه الي البيعه، فقال حسين: انا للّه وانا اليه راجعون، ورحم اللّه معاويه وعظم لك الاجر، اما ما سالتني من البيعه فان مثلي لا يعط ي بيعته سرا ولا اراك تجتزي ء لها مني سرا ودون ان نظهرها علي رووس الناس علانيه. قال: اجل. قال: فاذا خرجت الي الناس فدعوتهم الي البيعه دعوتنا مع الناس فكان امرا واحدا. فقال له الوليد:

فانصرف علي اسم اللّه حتي تاتينا مع جماعه الناس. فقال له مروان: واللّه لئن فارقك الساعه ولم يبايع لا قدرت منه علي مثلها ابدا حتي تكثر القتلي بينكم وبينه، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتي يبايع او تضرب عنقه. فوثب عند ذلك الحسين فقال: يا ابن الزرقاء، انت تقتلني ام هو كذبت واللّه واثمت. ثم خرج فمر باصحابه فخرجوا معه حتي اتي منزله.

فقال مروان للوليد: عصيتني؟ لا واللّه لا يمكنك من مثلها من نفسه ابدا.

فقال الوليد: وبخ غيرك يا مروان، انك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، واللّه ما احب ان لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها واني قتلت سينا، سبحان اللّه اقتل حسينا ان قال لا ابايع، واللّه اني لا اظن امرا يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند اللّه يوم القيامه. فقال له مروان: فاذا كان هذا رايك فقد اصبت فيما صنعت)) [11] .


پاورقي

[1] انساب الاشراف‏3/152.

[2] انساب الاشراف‏3/152.

[3] المصدر نفسه‏3/154.

[4] الامامه والسياسه لابن قتيبه، تحقيق علي شيري‏1/201.

[5] الامامه والسياسه‏1/202-204.

[6] الامامه والسياسه‏1/208-210.

[7] ادب الحسين وحماسته، احمد صابر الهمداني عن سليم

بن قيس ص 166.

[8] تحف العقول عن آل الرسول لابن شعبه الحراني، ص 237.

[9] الاحتجاج للشيخ احمد بن علي الطبرسي‏2/23.

[10] تاريخ الامم والملوک للطبري،4/250.

[11] المصدر نفسه، احداث سنه، 4/250-252.