بازگشت

امتداد الملك يزيد ولي عهد


اراد ابن آكله الاكباد ان يمهد الامر ليزيد ابنه ليمتد الملك في عقبه حتي قيام الساعه. ومن يتتبع اخبار الرواه، في هذا الصدد، يجد تباينا، فمن قائل يقول: ان هذا الامر كان بمبادره من المغيره بن شعبه ليمد له معاويه في ولايته علي الكوفه، ومن قائل يقول: ان هذا كان بامر من معاويه، واتفاق مع الضحاك بن قيس. وما اعتقده ان هذه امور واحده.. كل المنافقين يعلمون رغبه سيدهم والكل يتباري في اختيار الاسلوب الملائم للتنفيذ، ولا باس بايراد بعض النماذج التي توضح طبيعه الملك الاموي وسياسته:

(اوفد المغيره بن شعبه عشره من شيعه بني اميه الي معاويه، ليطالبوا ببيعه يزيد، وعليهم موسي بن المغيره، فقال معاويه:

لا تعجلوا باظهار هذا، وكونوا علي رايكم، ثم قال لموسي: بكم اشتري ابوك هولاء من دينهم، قال: بثلاثين الفا، قال: لقد هان عليهم دينهم).

لما اجتمعت عند معاويه وفود الامصار بدمشق، باحضار منه، دعا الضحاك بن قيس، فقال له: اذا جلست علي المنبر، وفرغت من بعض موعظتي وكلامي، فاستاذني للقيام، فاذا اذنت لك، فاحمد اللّه تعالي، واذكر يزيد، وقل فيه الذي يحق له عليك، من حسن الثناء عليه، ثم ادعني الي توليته من بعدي، فاني قد رايت واجمعت علي توليته، فاسال اللّه في ذلك، وفي غيره الخيره وحسن القضاء. ثم دعا عده رجال فامرهم ان يقوموا اذا فرغ الضحاك، وان يصدقوا قوله، ويدعو الي يزيد. ثم خطب معاويه فتكلم القوم بعده علي ما يروقه من الدعوه الي يزيد فقال معاويه: اين الاحنف؟ فاجابه، قال: الا تتكلم؟ فقام الاحنف، فحمد اللّه واثني عليه وقال بعد مقدمه: ان اهل الحجاز واهل العراق لا يرضون بهذا، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيا. فغضب الضحاك ورد غاضبا: ما للحسن وذوي الحسن في سلطان اللّه الذي استخلف به معاويه في ارضه؟ هيهات ولا تورث الخلافه عن كلاله ولا يحجب غير الذكر العصبه، فوطنوا انفسكم يا اهل العراق علي المناصحه لامامكم، وكاتب نبيكم وصهره، يسلم لكم العاجل، وتربحوا من الاجل. ثم قام الاحنف بن قيس فحمد اللّه واثني عليه فقال: قد علمت انك لم تفتح العراق عنوه، ولم تظهر عليها قصعا، ولكنك اعطيت الحسن بن علي من عهود اللّه ما قد علمت، ليكون له الامر بعدك [1] .

اما عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وكان من خواص اصحاب معاويه فقد لقي حتفه مسموما حيث حدثته نفسه بالسلطه والاماره بدلا من يزيد.

جاء في تاريخ الطبري: (ان عبد الرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شانه بالشام، او مال اليه اهلها لما كان عندهم من آثار ابيه خالد بن الوليد ولغنائه عن المسلمين في ارض الروم وباسه حتي خافه معاويه، وخشي علي نفسه منه لميل الناس اليه فامر ابن آثال ان يحتال في قتله وضمن له ان هو فعل ذلك ان يضع عنه خراجه ما عاش وان يوليه جبايه خراج حمص. فلما قدم عبد الرحمن بن خالد لحمص منصرفا من بلاد الروم دس اليه ابن آثال شربه مسمومه مع بعض مماليكه فشربها، فمات بحمص) [2] .

ويحكي لنا التاريخ صوره اخري من مشاورات معاويه في خلافه يزيد، ومن بينها كلمات ذلك الاحمق الذي قام فقال: (هذا امير المومنين واشار الي معاويه فان هلك فهذا واشار الي يزيد ومن ابي فهذا واشار الي سيفه قال معاويه: اجلس فانت سيد الخطباء) [3] .

لم يكن عبد الرحمن بن خالد وحده هو الذي طمع في الخلافه بعد معاويه، فهناك سعيد بن عثمان بن عفان الذي وجد له انصارا من اهل المدينه يقولون: واللّه لا ينالها يزيد حتي يعض هامه الحديد، ان الامير بعده سعيد، ولكن كان امره هينا، حيث خرج من حلبه المنافسه راضيا بولايه خراسان [4] .

من الواضح ان الصراع السياسي كان دائرا علي اشده حول قضيه خلافه معاويه، وقد هددت هذه القضيه الصف الاموي بالتفكك والانهيار، وان الخلافه اليزيديه لم تكن امرا مستقرا حتي في داخل البيت الاموي نفسه، حتي ان معاويه اضطر لتاجيل اعلان هذا الامر الي ما بعد هلاك زياد، وان مروان بن الحكم، والي معاويه علي المدينه، عارض هذا الامر بشده ما اضطر معاويه الي اعفائه من منصبه، ويمكننا ان نرجع هذه المعارضه الداخليه لعده اسباب منها:

ا- ان انتقال السلطه الي يزيد، من طريق ولايه العهد، كان اقتباسا من النظام السياسي البيزنط ي الذي لم يعرفه العرب في سابق تاريخهم، ولعل قرب موقع معاويه من دوله الروم كان مصدر معرفته بهذا النظام الملكي الامبراطوري الذي صار هو النظام السياسي في الامه الاسلاميه في ما بعد.

ب - ان هذا الاسلوب كان اهدارا لنظام الشوري الذي توهم المسلمون انه القانون الاساسي للمسلمين. والواقع ان الشوري لم تكن قد مورست بصوره جيده في الحقب السابقه مما يسمح باستقرار معالمها واساليب ممارستها. فان ياتي معاويه لينقل المداراه الي ديكتاتوريه صريحه كان هذا امرا ثقيلا علي كثيرين، وخاصه علي اولئك الذين توهموا انهم اهل الحل والعقد، ولم يكن معاويه ليبقي علي نفوذهم ولا علي وجودهم نفسه، اذا تعارض ذلك مع رغباته السلطويه الجامحه.

ج - صفات يزيد الشخصيه وافتقاده الحد الادني من المقومات جعلت زيادا، وهو من هو في بغيه وعدوانه ونسبه، كارها لبيعته وامارته قائلا: (ويزيد صاحب رسله وتهاون مع ما قد اولع به من الصيد) [5] وكتب الي معاويه يامره بالتوده والا يعجل).

لم تستعص الاغلبيه علي معاويه ولا علي اساليبه، فهناك المتطوعون السابقون الي مرضاه الطواغيت، مثل الضحاك بن قيس والمغيره بن شعبه وسمره بن جندب، ولا باس هنا بان نورد بعضا من منجزات سمره، هذا (الصحابي) الذي استخلفه زياد علي الكوفه ثم عاد اليه فوجده قد قتل ثمانيه آلاف من الناس فقال له: (هل تخاف ان تكون قد قتلت احدا بريئا؟، قال:

لو قتلت اليهم مثلهم ما خشيت. او كما قال، وعن ابي سوار العدوي قال: قتل سمره من قومي في غداه سبعه واربعين رجلا كلهم قد جمع القرآن) [6] (ثم عزله معاويه فقال سمره: لعن اللّه معاويه واللّه لو اطعت اللّه كما اطعت معاويه ما عذبني ابدا) [7] .

لقد اجاد معاويه سياسه (فرق تسد)، فلما احس ان رجالات المدينه يمتنعون من بيعه يزيد، راسلهم اولا ثم ذهب اليهم بنفسه، في عام خمسين للهجره، مستخدما سياسه المخادعه عازفا علي اوتار النفوس ومكامن الاهواء، عالما ان الامه التي اسلمت عليا والحسن لن تجتمع كلمتها خلف الحسين (ع)، ومن ثم فان المطلوب هو كسب الوقت وتفتيت المعارضه وضرب الناس بعضهم ببعض حتي يصل الملك الي يزيد غنيمه بارده.


پاورقي

[1] الامامه والسياسه لابن قتيبه الدينوري، تحقيق علي شيري‏1/188 و191-292.

[2] الاستيعاب في معرفه الاصحاب للقرطبي،2/372-373، رقم 1410.

[3] تاريخ الامم والملوک للطبري،4/171.

[4] الکامل في التاريخ لابن الاثير3/214-216.

[5] الامامه والسياسه، تحقيق علي شيري‏1/213-214.

[6] تاريخ الامم والملوک للطبري،4/224-225.

[7] المصدر نفسه‏4/176.