بازگشت

هدنه في صراع يمتد قرونا


بويع للامام الحسن (ع)، بالخلافه، بعد استشهاد امير المومنين علي (ع)، عام (هر661م). وقد زاغت الابصار، وبلغت القلوب الحناجر، ولم يعد للقوم صبر ولا رغبه في قتال القاسطين.

احب القوم الحياه ورغبوا فيها، يستوي لديهم ان يكون قائدهم عليا او معاويه، بل لعل معاويه اصلح لدنيا بعض الذين لم يعد لهم الا الحياه الدنيا.

امر القائد الجديد جيشه واتباعه بان يستعدوا للقتال فخطبهم قائلا: (اما بعد، فان اللّه كتب الجهاد علي خلقه، وسماه كرها، ثم قال لاهل الجهاد من المومنين: اصبروا ان اللّه مع الصابرين.

فلستم، ايها الناس نائلين ما تحبون الا بالصبر علي ما تكرهون.

اخرجوا رحمكم اللّه الي معسكركم بالنخيله حتي ننظر وتنظروا ونري وتروا. قال: وانه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له، قال: فسكتوا فما تكلم منهم احد، ولا اجابه بحرف. فلما راي ذلك عدي بن حاتم، قام فقال: انا ابن حاتم! سبحان اللّه! ما اقبح هذا المقام الا تجيبون امامكم وابن بنت نبيكم! اين خطباء مضر الذين السنتهم كالمخاريق في الدعه؟! فاذا جد الجد فرواغون كالثعالب، اما تخافون مقت اللّه ولا عيبها وعارها؟!) [1] يتضح، من طبيعه خطاب الامام الحسن (ع) للقوم، واستخدامه لهذه العبارات: (ان اللّه فرض القتال وسماه كرها) و(لستم نائلون ما تحبون الا بالصبر علي ما تكرهون) ثم حاله الصمت التي انتابت الناس، ان الهزيمه النفسيه قد اصابتهم ولم تعد بهم رغبه في جهاد ولا بذل ولا تضحيه، فقد جربوا الدنيا وحلاوتها وباتوا يريدونها، وهم لن يجدوا ما يطمعون فيه وخاصه روسائهم في ظل العدل، وانما اشرابت نفوسهم الي بني اميه قاده المرحله القادمه، ومنظرو الاسلام الاموي الذي كان المقدمه الطبيعيه لكل الانحرافات واصناف الشذوذ التي عانت منها الامه المسلمه وصولا للاسلام الامريكي.

نعود الي النص التاريخي فنقرا: (قال عدي بن حاتم ما قال، ثم اعلن توجهه الي معسكر القتال. وقام قيس بن سعد بن عباده ومعقل بن قيس الرياحي فقالوا مثل ما قال عدي بن حاتم وتحركوا الي معسكرهم. ومضي الناس خلفهم متثاقلين. وعبا الامام الحسن (ع)، جيشه ثم خطبهم (فقال: الحمد للّه كلما حمده حامد، واشهد الا اله الا اللّه كلما شهد له شاهد، واشهد ان محمدا رسول اللّه، ارسله بالحق، وائتمنه علي الوحي، صلي اللّه عليه وآله. اما بعد، فواللّه اني لارجو ان اكون بحمد اللّه ومنه، وانا انصح خلقه لخلقه، وما اصبحت محتملا علي مسلم ضغينه، ولا مريدا له بسوء ولا غائله. الا وان ما تكرهون في الجماعه خير لكم مما تحبون في الفرقه، الا واني ناظر لكم خيرا من نظركم لانفسكم، فلا تخالفوا امري ولا تردوا علي رايي. غفر اللّه لي ولكم، وارشدني واياكم لما فيه محبته ورضاه، ان شاء اللّه، ثم نزل. قال: فنظر الناس بعضهم الي بعض، وقالوا: ما ترونه يريد بما قال، قالوا: نظنه يريد ان يصالح معاويه، ويكل الامر اليه، كفر واللّه الرجل! ثم شدوا علي فسطاطه فانتهبوه حتي اخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبداللّه بن جعال الازدي فنزع مطرفه عن عاتقه، فبقي جالسا متقلدا سيفا بغير رداء، فدعا بفرسه فركبه.... فلما مر في مظلم ساباط، يقام اليه رجل من بني اسد، فاخذ بلجام فرسه، وقال:

اللّه اكبر، يا حسن، اشرك ابوك، ثم اشركت انت. وطعنه بالمعول، فوقعت في فخذه، فشقه حتي بلغت اربيته،... وحمل الحسن (ع)، علي سرير الي المدائن...) [2] .

هكذا كانت الصوره، وهي لا تحتاج الي مزيد من الايضاح والتعليق، معاول الفتنه والهدم تضرب جسد الامه من كل جانب. الامراض الفكريه والاخلاقيه تنهش فيها وقد اجتمع الدعاه الي دوله القرده والخنازير علي كلمه سواء، هي هدم دوله ائمه الحق من آل محمد بكل ما لديهم من وسائل الاقناع والتشويه والتمويه والاغراء والاغتيال والفساد. والان لا مفر من هدنه، والصراع سيمتد قرونا وقرونا ولم يات بعد اوان حسم الصراع، والمهمه العاجله امام ائمه الحق من آل محمد في هذه اللحظه هي امامه الخط الالهي الرباني داخل جسد الامه والحفاظ علي من يمثلون هذه الرويه لينقلوها الي من بعدهم، لا اهلاكهم في جوله صراع معلومه النتائج سلفا.

والاهم من هذا ان ائمه اهل البيت (ع)، لا ينطلقون في قراراتهم من رويه آنيه وانما من رويه كونيه تحدد مهامهم بدءا من بعثه محمد صلي اللّه عليه وآله وسلم الي ظهور المهدي المنتظر جعلنا اللّه من انصاره وجنده. هولاء، اي الرسول والائمه (ع)، لم تحملهم الامه المسووليه وانما حملوها بامر من اللّه عز وجل، فكان امداد السماء لهم بالتسديد والتاييد والتعزيه والتسليه امرا ضروريا. من هنا كانت رويه رسول اللّه، صلي اللّه عليه وآله وسلم، لاولئك القرده الذين كانوا ينزون علي منبره ونزول قوله تعالي:(وما جعلنا الرويا التي اريناك الا فتنه للناس والشجره الملعونه في القرآن) «الاسراء/60»، ثم تعزيته من قبل جبرائيل (ع) بمقتل الحسين في كربلاء، ولم يكن شيئا من هذه السياقات محجوبا لا عن الامام علي (ع) الذي ما فتي ء يتعجل اشقاها ان ياتي ليضربه علي راسه فيستريح من هذه الامه التعسه، ولا كانت غائبه عن الامام الحسن (ع)، حين عقد صلحا مع امام البغاه وهادنه [3] .

ولكن هذا لا يغني عن ايراد شروط الصلح والمهادنه فهي كما اوردها الشيخ الصدوق في كتاب (علل الشرائع) قال: (بايع الحسن بن علي، صلوات اللّه عليه، معاويه علي الا يسميه امير المومنين، ولا يقيم عنده شهاده، وعلي الا يتعقب علي شيعه علي شيئا، وعلي ان يفرق في اولاد من قتل مع ابيه يوم الجمل واولاد من قتل مع ابيه بصفين الف الف درهم، وعلي ان يجعل ذلك من خراج دار ابجرد.

لم يكن ذلك الصلح شيئا سارا لخواص اصحاب الامام علي الذي امضهم هذا فدخل احدهم علي الامام الحسن (ع) قائلا:

السلام عليك يا مذل المومنين، فقال الحسن: اجلس يرحمك اللّه، ان رسول اللّه، صلي اللّه عليه وآله وسلم، رفع له ملك بني اميه فنظر اليهم يعلون منبره واحدا واحدا فشق ذلك عليه فانزل اللّه في ذلك قرآنا قال له:(وما جعلنا الرويا التي اريناك الا فتنه للناس والشجره الملعونه في القرآن) (وسمعت ابي عليا رحمه اللّه، يقول: سيلي امر هذه الامه رجل واسع البلعوم، كبير البطن، فسالته: من هو؟ فقال: معاويه وقال لي: ان القرآن قد نطق بملك بني اميه ومدتهم، قال تعالي:(ليله القدر خير من الف شهر) القدر/3» قال ابي: هذا ملك بني اميه) [4] .


پاورقي

[1] المصدر نفسه‏4/14 نقلا عن ابي الفرج.

[2] شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد، تحقيق محمد ابوالفضل ابراهيم،16/40-41-42، دار الجيل بيروت.

[3] علل الشرائع،1/212.

[4] شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد4/6، نقلا عن المدائني،

دار الهدي الوطنيه بيروت.