بازگشت

اسباب قبول التحكم


لا بد لنا من تامل هذه المرحله المفصليه في تاريخ الامه، فنسال: لماذا قبل الامام علي (ع)، التحكيم في نهايه المطاف؟، ولماذا لم يصر علي مواصله القتال حتي القضاء علي راس الافعي الامويه؟ فاذا قيل: ان الناس خذلوه، قالوا: اليس هولاء هم الشيعه الذين خذلوا الحسين (ع) بعد ذلك؟! لا سبيل امامنا سوي مواصله قراءه النص التاريخي حتي تتضح الحقيقه لكل ذي عينين.

ينقل لنا ابن ابي الحديد، عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم، قال: (انه لما كان يوم الثلاثاء، عاشر شهر ربيع الاول، سنه سبع وثلاثين، زحف امير المومنين علي (ع) بجيشه، وخرج رجل من اهل الشام فنادي بين الصفين: يا ابا الحسن ابرز الي، فخرج اليه علي عليه السلام فقال: ان لك يا علي لقدما في الاسلام والهجره، فهل لك في امر اعرضه عليك، يكون فيه حقن هذه الدماء؟، قال: وما هو؟، قال: ترجع الي عراقك فنخلي بينك وبين العراق، ونرجع نحن الي شامنا فتخلي بيننا وبين الشام، فقال علي (ع): قد عرفت ما عرضت، ان هذه لنصيحه وشفقه، ولقد اهمني هذا الامر واسهرني، وضربت انفه وعينه فلم اجد الا القتال او الكفر بما انزل اللّه علي محمد. ان اللّه، تعالي ذكره، لم يرض من اوليائه ان يعصي في الارض، وهم سكوت مذعنون، لا يامرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، فوجدت القتال اهون علي من معالجه في الاغلال في جهنم، قال: فرجع الرجل وهو يسترجع) [1] امام الامه يتلقي عرضا من مندوب بني اميه بتقسيم الامه الي قسمين (عراق وشام) هكذا ببساطه شديده، فيكون يومها اسلام عراقي واسلام شامي، واليوم اسلام امريكي، فهل كان بامكانه القبول بهذا العرض المرادف للكفر؟.

التهب القتال، ودارت آله الحرب في ما عرف بليله الهرير، وتشاور ابن آكله الاكباد وابن النابغه حول الورقه الاخيره للخروج من الهزيمه المروعه، فلم يجد الشيطان اجدي ولا انجح من الاستهزاء بكتاب اللّه وادعاء التحاكم اليه، كما صرح هو بذلك.

ولما اصبح الصبح، نظر عسكر العراق الي عسكر الشام ليجدوا المصاحف قد ربطت في اطراف الرماح. (قال ابو جعفر وابو الطفيل: استقبلوا عليا بمئه مصحف، ووضعوا في كل مجبنه مائتي مصحف فكان جميعها خمسمئه مصحف) [2] كان هذا هو الحال علي المستوي السياسي، وسنقرا بعد هذا بعض ردود افعال من كانوا في صف الامام علي (ع)، لنعرف حقيقه هولاء (الشيعه المزعومين).

اما علي المستوي العسكري، فيروي نصر بن مزاحم: (وكان الاشتر، صبيحه ليله الهرير، قد اشرف علي عسكر معاويه، عندما جاءه رسول الامام علي (ع)، ان ائتني، فقال: ليس هذه بالساعه التي ينبغي لك ان تزيلني عن موقفي، اني قد رجوت الفتح فلا تعجلني، فرجع يزيد بن هاني ء الي علي (ع) فاخبره، فما هو الا ان انتهي الينا حتي ارتفع الرهج وعلت الاصوات من قبل الاشتر، وظهرت دلائل الفتح والنصر لاهل العراق، ودلائل الخذلان والادبار علي اهل الشام، فقال القوم لعلي: واللّه ما نراك امرته الا بالقتال! قال: ارايتموني ساررت رسولي اليه؟ اليس انما كلمته علي رووسكم علانيه وانتم تسمعون؟، قالوا:

فابعث اليه ان ياتيك، والا فواللّه اعتزلناك! فقال: ويحك يا يزيد قل له: اقبل فان الفتنه قد وقعت، فاتاه فاخبره، فقال الاشتر:

ابرفع هذه المصاحف؟ قال: نعم، قال: واللّه الا تري الي الفتح! الا تري الي ما يلقون! الا تري الي الذي يصنع اللّه لنا؟ اينبغي ان ندع هذا وننصرف عنه! قال له يزيد: اتحب انك ظفرت هاهنا وان امير المومنين بمكانه الذي هو فيه يسلم الي عدوه! قال: لا واللّه لا احب ذلك، قال: فافهم قد قالوا له، وحلفوا عليه، لترسلن الي الاشتر فلياتينك او لنقتلنك باسيافنا كما قتلنا عثمان، او لنسلمنك الي عدوك. فاقبل الاشتر حتي انتهي اليهم وقال: يا امير المومنين احمل الصف علي الصف تصرع القوم، فتصايحوا: ان امير المومنين قد قبل الحكومه، ورضي بحكم القرآن، فقال الاشتر: ان كان امير المومنين (ع) قد قبل ورضي فقد رضيت، فاقبل الناس يقولون: قد رضي امير المومنين، قد قبل امير المومنين، وهو ساكت لا ينطق بكلمه، مطرق الي الارض. ثم قام فسكت الناس كلهم، فقال: ان امري لم يزل معكم علي ما احب الي ان اخذت منكم الحرب، وقد واللّه اخذت منكم وتركت، واخذت من عدوكم ولم تترك، وانها فيكم انكي وانهك، الا اني كنت امس امير المومنين فاصبحت اليوم مامورا، وكنت ناهيا فاصبحت منهيا، وقد احببتم البقاء وليس لي ان احملكم علي ما تكرهون، ثم قعد) [3] .

هل بعد هذا يقال: ان امير المومنين (ع) كان راضيا؟ وهل كان بامكانه سلام اللّه عليه اجبارهم علي النهوض لقتال الظالمين؟ ولو كان اجبار الناس علي الاستجابه للامر الالهي من مهام الرسل والانبياء والائمه، فلماذا عاتب القرآن القاعدين عن الجهاد بقوله تعالي:(ياايها الذين آمنوا مالكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثاقلتم الي الارض) «التوبه/38» ولما فر من فر من المسلمين من اصحاب محمد صلي اللّه عليه وآله وسلم(ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) «التوبه/25» ولما فروا يوم احد(ان الذين تولوا منكم يوم التقي الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا) «آل عمران/155».

وان لم نكن في صدد تحقيق تاريخ بعض روساء العشائر الذين كانوا مع الامام علي، تفصيلا، فاننا نكتفي بان نورد ما قاله الدكتور طه حسين في كتابه (علي وبنوه): (واكبر الظن ان بعض الروساء، من اصحاب علي، لم يكونوا يخلصون له نفوسهم ولا قلوبهم، ولم يكونوا ينصحون له، لانهم كانوا اصحاب دنيا لا اصحاب دين، وكانوا يندمون، في دخائل انفسهم، علي تلك الايام الهينه اللينه التي قضوها ايام عثمان ينعمون بالصلات والجوائز والاقطاع. ويجب ان نذكر، ايضا، ان عليا لم ينهض الي الشام باهل الكوفه وبمن تابعه من اهل الحجاز وحدهم، وانما نهض كذلك بالوف من اهل البصره، كان منهم من وفي له يوم الجمل وكان منهم من اعتزل الناس في ذلك اليوم ايضا، وكان منهم مع ذلك كثير من الذين انهزموا بعد مقتل طلحه والزبير) [4] لم يكن هولاء، اذا، من الشيعه ولا من العارفين بفضل آل بيت محمد عامه والامام علي خاصه والا لما هددوا بقتله، او تسليمه الي ابن آكله الاكباد كما اسلفنا. ولسنا نجد ما يصف هولاء ابلغ من كلمات الامام (ع) مخاطبا اياهم: (اما والذي نفسي بيده ليظهرن هولاء القوم عليكم، ليس لانهم اولي بالحق منكم، ولكن لاسراعهم الي باطل صاحبهم، وابطائكم عن حقي، ولقد اصبحت الامم تخاف ظلم رعاتها، واصبحت اخاف ظلم رعيتي.

استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا، واسمعتكم فلم تسمعوا، ودعوتكم سرا وجهرا فلم تستجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، اشهود كغياب وعبيد كارباب! اتلوا عليكم الحكم فتنفرون منها، واعظكم بالموعظه البالغه فتتفرقون عنها، واحثكم علي جهاد اهل البغي فما آتي علي آخر قولي حتي اراكم متفرقين ايادي سبا. ترجعون الي مجالسكم، وتتخادعون عن مواعظكم.

اقومكم غدوه وترجعون الي عشيه، كظهر الحنيه عجز المقوم واعضل المقوم. ايها القوم، الشاهده ابدانهم الغائبه عنهم عقولهم، المختلفه اهواوهم المبلي بهم امراوهم، صاحبكم يطيع اللّه وانتم تعصونه، وصاحب اهل الشام يعصي اللّه وهم يطيعونه! لوددت واللّه ان معاويه صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فاخذ مني عشره منكم واعطاني رجلا منهم) [5] .

وهكذا سارت امور هذه الامه المنكوبه، امر الباطل يعلو وامر الحق يهبط، اجتماع علي الباطل والدنيا في معسكر الشام وتفرق عن الحق في المعسكر المقابل حتي بلغ الكتاب اجله، ففاض الكيل وطف الصاع، حتي قتل الامام (ع)، علي يد اشقاها ابن ملجم المرادي. وهكذا غاب عن الحضور ولا نقول عن الوجود شمس هذه الامه بعد رسولها.. الامام علي (ع)، اول من اسلم واول من صلي خلف رسول اللّه، صلي اللّه عليه وآله وسلم، وباب مدينه علم رسول اللّه، وهكذا صار المشروع الاموي، قاب قوسين او ادني من التحقق.


پاورقي

[1] شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد، تحقيق محمد ابوالفضل ابراهيم،2/207-208، ط‏1، دار الجيل بيروت‏1407 ه - 1987 م.

[2] المصدر نفسه،2/207-208 (طبعه دار الجيل بيروت).

[3] شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد، تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم‏2/217-218-219-220، طبع دار الجيل بيروت.

[4] علي وبنوه طه حسين ص 80-81، طبع دار المعارف - مصر.

[5] شرح نهج البلاغه ج‏2، ص 183. دارالهدي الوطنيه-بيروت.