بازگشت

الردة عن الايمان


وكما أنه هناك ردّة عن الاسلام هناك ايضا ردّة عن الايمان،


فكثير من الصحابة كما هو ظاهر قوله تعالي (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) [1] حافظوا علي التشهد بالشهادتين لكن اعترتهم ردّة في الايمان، وهذا ما استفاضت به الروايات كما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما.

فعن ابي هريرة عن النبي صلي الله عليه واله قال: بينما أنا قائم إذا زمرة حتي اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمّ، فقلت: أين؟ قال: إلي النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك علي ادبارهم القهقري، ثم إذا زمرة، حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمّ، قلت: اين؟ قال الي النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم بعدك ارتدوا علي أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم» [2] .


وعن أبي وائل قال: قال عبدالله: قال رسول الله صلي الله عليه واله: أنا فرطكم علي الحوض، ليرفعنّ إليّ رجال منكم، حتي إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب، أصحابي! يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك [3] .

وعنه عن ابي حازم قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي صلي الله عليه واله يقول: أنا فرطكم علي الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم.

قال ابوحازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا، فقال: هكذا سمعت سهلا؟ فقلت: نعم، قال: وأنا أشهد علي ابي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه، قال: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدّل بعدي [4] .

وعن أنس عن النبي صلي الله عليه وآله، قال: ليردَنّ عليّ ناس من أصحابي الحوض حتي اذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول، أصحابي، فيقول: لاتدري ما أحدثوا بعدك [5] .

وعن ابن عباس عن رسول الله صلي الله عليه واله ـ في حديث ـ قال: ألا وإنه يجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) [6] .

فالاحاديث ناصة علي أن هؤلاء المحدثين في الدين هم من صحابة الرسول الاكرم صلي الله عليه واله، ودعوي أنهم من ارتد بعده صلي الله عليه واله وحاربهم أبوبكر في غاية البعد والغرابة وقراءة الاحاديث كافية في وهن هذه الدعوة، وعبارة «ارتدوا علي أدبارهم القهقري» يشمل الارتداد عن الاسلام وعن الايمان، إلا أن عبارة «لا تدري ما أحدثوا بعدك» ظاهرة في أنهم كانوا باقين علي الاسلام، إذ المرتد لايمكنه أن يحدث في الدين شيئا والله العالم.

ومنه تعرف أن قول الباقر محمد بن علي عليهما السلام «كان الناس أهل ردة بعد النبي صلي الله عليه واله، إلا ثلاثة، فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي


رحمة الله وبركاته عليهم ثم عرف الناس بعد يسير» [7] هو ارتداد عن الايمان لاارتداد عن الاسلام فافهم وتنبه ولاتغفل.

ويشهد لذلك أيضا قوله عليه السلام ـ في حديث آخر ـ ارتد الناس إلا ثلاثة نفر، سلمان وأبو ذر والمقداد، قال: قلت: فعمار؟ قال: جاض جيضة [8] ، ثم رجع، ثم قال عليه السلام: إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض أن عند أمير المؤمنين اسم الله الاعظم لو تكلم به لاخذتهم الارض وهو هكذا فلبب ووجئت عنقه حتي تركت كالسلقة، فمر به أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: يا أبا عبدالله هذا من ذاك فبايع، فبايع، واما ابو ذر فأمره أمير المؤمنين عليه السلام بالسكوت ولم يكن يأخذه في الله لومة لائم فابي إلا أن يتكلم فمر به عثمان فأمر به، ثم أناب الناس بعد فكان أول من أناب أبو ساسان الانصاري وأبو عمرة وشتيرة، وكانوا سبعة فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام إلا هؤلاء السبعة [9] .

فالحديث صريح في أن الردة ليس عن الاسلام وإنما عن معرفة


حق أمير المؤمنين، الذي لايحبه إلا مؤمن ولايبغضه إلا منافق كما في الحديث المستفيض [10] ، وليس الحب إلا المتابعة المطلقة (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله).

وغالبية المسلمين بغضوا من يحب عليا وأحبوا من يبغضه، حتي قال ابن حجر العسقلاني: وقد كنت استشكل توثيقهم [11] الناصبي [12] غالباً، وتوهينهم الشيعة مطلقاً، ولاسيما أن عليا ورد في حقه: لايحبه إلا مؤمن ولايبغضه إلا منافق، ثم ظهر لي في الجواب عن ذلك أن البغض ههنا مقيد بسبب وهو كونه نصر النبي صلي الله عليه واله، لان من الطبع البشري بغض من وقعت منه اساءة في حق المبغض والحب بالعكس، وذلك ما يرجع الي امور الدنيا غالبا، والخبر في حب علي وبغضه ليس علي العموم، فقد أحبه من افرط فيه حتي ادعي أنه نبي أو اله تعالي الله عن افكهم.

قال:واكثر من يوصف بالنصب يكون مشهورا بصدق اللهجة


والتمسك بأمور الديانة بخلاف من يوصف بالرفض فان غالبهم كاذب ولايتورع في الأخبار [13] ، والاصل فيه أن الناصبة اعتقدوا أن عليا رضي الله عنه قتل عثمان أو أعان عليه فكان بغضهم له ديانه بزعمهم، ثم انضاف الي ذلك أن منهم من قتلت اقاربه في حروب علي.

قلت: لو كان الأمر كما قال ابن حجر نصرة للنواصب والخوارج، لكان الرسول الاكرم صلي الله عليه واله يلقي الكلام علي عواهنه، ويكون كلامه هذا بلا فائدة، مع أن ذلك من أروع ما قاله الرسول الاكرم صلي الله عليه واله في حق علي عليه السلام.

قال ابن عقيل: ان بغض علي عليه السلام لايصدر من مؤمن أبدا لأنه ملازم للنفاق وحبه لايتم من منافق أبدا لأنه ملازم للايمان، فتقييد الشيخ ـ ابن حجر ـ بغض علي الدال علي الناف بانه


الذي يكون سببه نصره للنبي صلي الله عليه واله خطأ وغفلة ظاهرة لأنه يلزم منه إلغاء كلام المعصوم بتخصيصه عليا بهذا، لأن البغض لأجل نصرة النبي صلي الله عليه واله كفر بواح، سواء كان المبغض بسبّه عليا عليه السلام أو غيره مسلما كان أو كافرا أو حيوانا أو جمادا، ألا تري لو أن مكلفا أبغض المطعم بن عدي أو أبا البختري ـ اللذين ماتا علي الشرك ـ لأجل سعيهما في نقض الصحيفة القاطعة ووصلهما بذلك رحم النبي صلي الله عليه واله ورحم بني هاشم، الا يكون ذلك المبغض كافرا لبغضه الكافر من هذه الجهة.

قال: ولو أن آخرا أبغض كلبا من أجل حراسته للنبي صلي الله عليه واله أو حمارا من أجله حمله إياه أو غارا من أجل ستره له عن المشركين لكان كافرا بذلك اتفاقا، فما هي اذا فائدة تخصيص علي عليه السلام بالذكر فيما يعم المسلم والكافر والحيوان والجماد؟ فتقييد الشيخ إلغاء واهدار لكلام المعصوم وابطال له.

قال: والحق ان شاء الله تعالي أن حب علي عليه السلام مطلقا علامة لرسوخ الايمان في قلب المحب وبغضه علامة وجود النفاق فيه خصوصية فيه كما هي في أخيه النبي صلوات الله وسلامه عليهما وعلي آلهما.


ويؤيد هذا قوله تعالي [14] وقول النبي صلي الله عليه وآله «علي مني وأنا من علي» وما يشابه هذا، وقد جاء الصحيح عن علي عليه السلام قوله «لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا علي أن يبغضني ما أبغضني ولو صببت الدنيا بجملتها في حجر المنافق علي أن يحبني ما أحبني وذلك أنه قضي فانقضي علي لسان النبي الامي أنه لايبغضك مؤمن ولايحبك منافق [15] .

فمن قوله صلي الله عليه واله «لايبغضك مؤمن ولايحبك منافق» [16] يعرف أن اتباع علي عليه السلام محقق للايمان، واتباعه عليه السلام يرفع المسلم من درجة الاسلام الي درجة الايمان، إذ الحب ليس إلا المتابعة المطلقة للمحب (إن كنتم تحبون الله


فاتبعون يحببكم الله).


پاورقي

[1] آل عمران: 144.

[2] صحيح البخاري: 8/150، قال في لسان العرب: 11/710 وفي حديث الحوض «فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم» الهمل: ضوال الابل، واحدها هامل أي الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالة.

قلت صدق الله تعالي إذ قال (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابکم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاکرين) و الشاکرون في التاريخ قليل (وقليل من عبادي الشکور).

[3] صحيح البخاري: 9/58 کتاب الفتن باب 1، 8/148 کتاب الرقاق، باب الحوض.

[4] صحيح البخاري: 9/58.

[5] صحيح البخاري: 8/149، صحيح مسلم: 4/1800، مسند أحمد: 3/281، 5/48 / 50.

[6] صحيح البخاري: 6/69 کتاب التفسير سورة المائدة، 6/122 سورة الانبياء 8/136 کتاب الرقاق، صحيح مسلم: 4/2195 کتاب الجنة، سنن الترمذي 5/321، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، صحيح سنن النسائي للالباني: 3/499، مسند أحمد: 1/235، 253.

[7] الکافي: الروضة.

[8] جاض عنه يجيض، أي عدل وجاد.

[9] رجال الکشي: 11.

[10] روي مسلم في صحيح عن علي عليه السلام: إنه عهد من النبي الامي أنه لايحبني إلا مؤمن ولايبغضني إلا منافق.

[11] أي أهل الجرح والتعديل.

[12] وهو المبغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولأهل بيته، وهم علي درجات بعضهم يقتصر علي البغض والبعض الاخر يترقي فيلعن ويسب علياً عليه السلام، وأکثر من قال في حقه الرجاليون أنه صلب في السنة کان ممن يلعن ويتبرأ من علي ظاهرا شاهرا فراجع.

[13] فکل من لم يسب عليا عليه السلام هو من أهل الکذب، ذکر ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة مصدع المعرقب: قلت إنما قيل له المعرقب لأن الحجاج أو بشر بن مروان عرض عليه سبّ علي فأبي فقطع عرقوبه، قال ابن المديني قلت لسفيان: في أي شيء عرقب؟ قال: في التشيع.

قلت: فالامتناع عن سب أمير المؤمنين عليه السلام تشيع وابتعاد عن الديانة، وسبه عليه السلام تصلب في السنة وتدين، فالسني الصلب هو الذي يسب عليا عليه السلام ولذلک ذکر في حق کثير ممن يلعن عليا عليه السلام ظاهرا شاهرا بأنه صلب في السنّة.

[14] وأنفسنا وأنفسکم.

[15] العتب الجميل: 41، ثم بعد ذلک فند قول ابن حجر بان الخوارج والنصاب من أهل الصدق والامانة، کيف يکونوا کذلک وقد وصفهم الرسول الاکرم صلي الله عليه واله بانهم يمرقون من الدين وانهم کلاب أهل النار.

[16] مسند الامام احمد: 6/292 عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، وبلفظ آخر «انه عهد من النبي الامي... لايحبني إلا مؤمن ولايبغضني إلا منافق» رواه احمد بسنده عن علي عليه السلام: 1/84، 85، ورواه مسلم وابن ماجة والترمذي والنسائي في الخصائص، والحاکم في معرفة علوم الحديث، وابو نعيم الاصفهاني بعدة أسانيد في حلية الاولياء: 4/185، والبيهقي في السنن، والخطيب البغدادي بعدة أسانيد في تاريخه: 2/255، 8/417، 14/426، والطحاوي في مشکل الاثار: 1/48 عن عمران بن الحصين، مجمع الزوائد: 9/33، والحديث مروي عن عدة من الصحابة وواصل الي مرتبة الاستفاضة.