بازگشت

في عدد الشهداء من اصحاب الحسين


يختلف عدد الشهداء الذي يذكره المؤرخون عما يوجد في كلمات المعاصرين، فبينما تتحدث بعض الروايات التاريخية عن ما يقل عن الخمسة والسبعين مثل رواية أبي مخنف عن الضحاك المشرقي (.. وعبأ الحسين أصحابه وصلي بهم صلاة الغداة وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا..) [1] ، تجد بعض المؤلفين المعاصرين يذكر رقما يصل إلي 138 شهيدا [2] ولعله يعتمد في ذلك علي رواية نقلها الطبري [3] عن عمار الدهني عن الباقر عليه السلام وفيها يقول أن الحسين نزل كربلاء وضرب أبنيته وكان معه مائة راجل وخمسة وأربعون فارسا، ويتوسط بينهما العلامة شمس الدين فيفترض أن العدد هو في حوالي المئة، قال [4] : وتقديرنا الخاص نتيجة لما انتهي بنا إليه البحث هو أن أصحاب الحسين الذين نقدر أنهم استشهدوا معه في كربلاء من العرب والموالي يقاربون مئة رجل أو يبلغونها وربما زادوا قليلا علي المئة.

وربما يمكن تأييد ما توصل إليه شمس الدين بما ورد في نص تأريخي قديم يسبق كتب التاريخ التي تنقل عن ابي مخنف، وهو كتاب: (تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام) [5] للفضيل بن الزبير الأسدي وهو من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام، أنهم مئة وسبعة (107) وقد ذكر أسماءهم.

ويمكن تقريب العدد أيضا من خلال حساب الرؤوس التي وزعها عمر بن سعد علي القبائل المشاركة فقد ذكر أنه أعطي كندة 13 رأسا، وهوازن 20، وتميم 17 رأسا وبني أسد 6 رؤوس، ومذحج 7 وأعطي باقي الناس 13.. ومجموع هذه الرؤوس يكون 76 رأسا، فإذا فرض أن بعض الرؤوس لم توزع مثلما نقل أن عشيرة الحر الرياحي قد أبعدت جنازته ـ وربما جنازة ابنه ـ عن ميدان المعركة، وأيضا كان رأس الحسين عليه السلام قد أُرسل إلي الكوفة عصر عاشوراء بيد خولي بن يزيد الأصبحي، فيكون العدد من هذه الناحية قريب الثمانين.

فإذا فرض كما يحتمل بعض، أن رؤوس الموالي لم تكن في هذه المجموعات لجهة أن أخذ الرؤوس كان لأجل الافتخار بين القبائل، ولم يكن القضاء علي الموالي عامل فخر عند القبائل العربية.. لو صح هذا فإنه يرفع العدد إلي ما يقرب من المئة، نظرا لعدد الموالي الموجودين بين أنصار الحسين عليه السلام.

وهناك نقطة جديرة بالاهتمام ذكرها في (أنصار الحسين) وحاصلها أن من أسباب الاختلاف في تعداد الشهداء رضوان الله عليهم، إضافة إلي تداخل بعض الأسماء مع بعضها الآخر، وسقوط بعضها، أن شهود العيان الذين نقل عنهم المؤرخون غالبا ما كان يستخدمون التقدير بالرؤية البصرية من غير أن يقوموا بحساب الرجال وإحصائهم إحصاء دقيقا، مما يجعل إمكانية الاشتباه في التقدير كبيرة. وكذلك فإن المؤرخين ربما تحدثوا عن حالات مختلفة، فبعضهم يتكلم عن أصحاب الحسين الذين خرجوا معه من المدينة، وآخرون عن أصحابه الخارجين معه من مكة، وربما تحدثوا عن بداية نزوله إلي كربلاء في عدد كذا، والواضح أن هذه المراحل كانت تتغير فيها الأعداد، بحسب التطورات، إلي أن جاء خبر مسلم بن عقيل، وأخبر الحسين عليه السلام الأصحاب بما سيصير إليه أمرهم، واستقر هؤلاء علي الشهادة انتهت حالات التغير في العدد (لجهة النقص) ولكن حصل متغير آخر وهو أن قسما من الجيش الأموي قد صاروا إلي جهة الحسين عليه السلام، وقد سبق الحديث عنهم في أحد الأجوبة الماضية.


پاورقي

[1] الطبري 4- 321.. الغريب أن الطبري ينقل هذه الرواية وقد نقل قبلها رواية عمار الدهني التي فيها أنهم کانوا قرابة المئة وخمسة وأربعين!!.

[2] قصة کربلاء - 421 لحجة الاسلام نظري منفرد، نقلا عن (حياة أبي عبد الله) لعماد زاده.

[3] الطبري ج 4 ص 292 والرواية التي اعتمد عليها الطبري في أکثر من موضع، فيها أکثر من موضع حصل فيه الخبط بما لا يمکن قبوله. هذا مع غض النظر عن الجهة السندية.

[4] أنصار الحسين: الرجال والدلالات 49 ونري أن المؤلف قد بذل جهدا رائعا في الکتاب لتحديد العدد، ودلالاته، والکتاب حري بأن يقرأ.

[5] نشر في مجلة تراثنا عدد 2 - عن مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.