بازگشت

عن من الذي اجهز علي الامام الحسين ومن احتز رأسه؟


الجواب: في البداية لا بد أن نشير إلي نقطة، وهي أن بعض الأفعال لا يصح نسبتها إلا لفاعلها المباشر، بينما يصح نسبة أفعال أخري إلي متعددين: المباشر وغير المباشر.

مثال الأول: جلس، وأكل، ونام وغيرها، فإنه لا يصح نسبة هذه الأفعال إلا لمن قام بها مباشرة. ومثال الثاني: بني: فإنه يصح نسبة الفعل إلي دافع المال، فيقال فلان بني بيتا، وبني مسجدا، ويصح نسبته إلي المقاول الذي قاد فريق العمال فيقال: إنه هو الذي بني المسجد، ويصح نسبته إلي العامل المباشر.

وفعل القتل هو من هذا القبيل: فإنه يصح إطلاقه علي الآمر بالقتل، ولذا يُتحدث في الروايات عن يزيد باعتبار أنه قاتل [1] الحسين عليه السلام مع أنه لم يكن الفاعل المباشر للقتل، ويُعرف عبيد الله بن زياد بأنه قاتل [2] الحسين، وأيضا يطلق علي عمر بن سعد بن أبي وقاص أنه قاتل الحسين [3] .. وكل هذه الاطلاقات صحيحة. لما ذكرنا.

ولكن الكلام هو في من أجهز عليه (صلوات الله عليه)، وباشر قتله لينال بذلك اللعنة المستمرة والعذاب المقيم. وهل أن الذي أجهز عليه هو الذي احتز رأسه فيما بعد أو يختلفان؟ فمن المعلوم أن الامام سلام الله عليه لما وقع صريعا من ظهر فرسه، وبقي علي الأرض كانت القبائل تتحاشي قتله [4] ، ولا تقدم عليه كما ذكر ذلك المؤرخون. إلي أن تقدم من كتبت عليه اللعنة والخزي.. وأكثر الروايات التاريخية، يتردد فيها أحد أسماء الشؤم التالية باعتبار أن واحدا منها أو أكثر، هو الذي لبس ثوب اللعنة الالهية:

1- خولي بن يزيد الاصبحي: فقد نسب القاضي المغربي في كتابه شرح الأخبار، الفعل إلي خولي قائلا: وأجهز خولي بن يزيد الاصبحي بن حمير، واحتز رأسه، وأتي عبيدالله بن زياد، فقال:



إملأ ركابي فضة وذهبا

إني قتلت السيد المحجبا



قتلت خير الناس أما وأبا..

وكذا فعل ابن عساكر في ترجمة الامام الحسين عليه السلام فقال: قتله سنان بن أنس النخعي، وأجهز عليه وحز رأسه الملعون خولي بن يزيد الاصبحي.. وكذا ذكر أحمد بن عبد الله الطبري في كتابه ذخائر العقبي فقال: أجهز عليه خولي بن يزيد الاصبحي من حمير حز رأسه وأتي بها عبيدالله بن زياد. ومثله ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء فقال: طعنه سنان في ترقوته واحتز رأسه خولي لا رضي الله عنهما.



2- سنان بن أنس النخعي: وأكثر الروايات تشير إلي أنه هو الذي احتز رأس الحسين عليه السلام؛ فقد قال ابن عنبة في كتابه عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: واختلف في الذي أجهز عليه فقيل شمر بن ذي الجوشن الضبابي لعنه الله تعالي، وقيل خولي بن يزيد الاصبحي، والصحيح أنه سنان بن أنس النخعي وفي ذلك يقول الشاعر:

فأي رزية عدلت حسينا غداة تبيره كفا سنان

كما ذكره الفضيل بن زبير الكوفي الاسدي (من أصحاب الامامين الباقر والصادق عليهما السلام) في كتابه (تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام) [5] فقال: الحسين بن علي، ابن رسول الله صلوات الله عليهم. قتله سنان بن أنس النخعي، وحمل راسه فجاء به خولي بن يزيد الاصبحي.

وذكره الشيخ المفيد [6] رضوان الله عليه في كتابه الاعتقادات باعتبار أنه قاتل الحسين عليه السلام، وكذا المسعودي [7] فقال: وطعنه سنان بن أنس النخعي لعنه الله ثم نزل واحتز رأسه والسمعاني في الانساب. والطبري فقال: وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع ثم قال لخولي بن يزيد الاصبحي احتز رأسه فأراد أن يفعل فضعف فأُرعد فقال له سنان بن أنس فت الله عضديك وأبان يديك فنزل إليه فذبحه واحتز رأسه ثم دفع إلي خولي بن يزيد [8] ، والطبري في المنتخب من ذيل المذيل أنه (قال الحجاج من كان له بلاء فليقم فقام قوم فذكروا وقام سنان بن أنس فقال أنا قاتل الحسين عليه السلام فقال بلاء حسن ورجع إلي منزله فاعتقل لسانه وذهب عقله فكان يأكل ويحدث مكانه). ونسب الفعل إليه ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، فقال إنه احتز رأسه ودفعه إلي خولي. والسيد ابن طاووس في كتابه اللهوف [9] وكذلك ذكره الشيخ عبد الله البحراني في كتابه العوالم فقال: وأقبل عدو الله سنان بن أنس الايادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام حتي وقفوا علي رأس الحسين عليه السلام، فقال بعضهم لبعض: ما تنظرون؟ أريحوا الرجل، فنزل سنان بن أنس الايادي لعنه الله وأخذ بلحية الحسين عليه السلام، وجعل يضرب بالسيف في حلقه وهو يقول: والله إني لأحتز رأسك وأنا أعلم أنك ابن رسول الله صلي الله عليه وآله وخير الناس اما وأبا. وهذا الخبر هو الذي نقله الشيخ الصدوق في كتابه الأمالي [10] عن الامام الباقر عليه السلام ينسب فيه الفعل إلي سنان بن أنس. وقال ابن نما الحلي (ت 645 هـ) أن الذي حز رأسه سنان.

وذكره ابن الأثير في أسد الغابة باعتباره قاتل الحسين عليه السلام، وكذا ابن حبان في كتاب الثقات فقال: الذي قتل الحسين بن علي هو سنان بن أنس.

3- شمر بن ذي الجوشن الضبابي: وقد ورد ذكره مخصوصا باللعن في زيارة عاشوراء علي لسان الامام الباقر عليه السلام ـ إن تم السند ـ. ويحتمل [11] أنه هو المشار إليه في ما نقله بعضهم عن الحسين عليه السلام: كنا مع الحسين بنهري كربلاء، فنظر إلي شمر بن ذي الجوشن فقال: صدق الله ورسوله، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: كأني أنظر إلي كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي وكان شمر قبحه الله أبرص.

كما ورد ذكره في الزيارة المنسوبة للناحية المقدسة: (....علي الخدود لاطمات وبالعويل داعيات، وبعد العز مذللات، وإلي مصرعك مبادرات والشمر جالس علي صدرك، مولغ [12] سيفه علي نحرك، قابض علي شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، قد سكنت حواسك، وخفيت أنفاسك، ورفع علي القنا رأسك..).

وذكره الشيخ المفيد في الارشاد فقال: وبدر إليه خولي بن يزيد الاصبحي لعنه الله فنزل ليحتز رأسه فأُرعد، فقال له شمر: فت الله في عضدك، ما لك ترعد؟ ونزل شمر إليه فذبحه ثم دفع رأسه إلي خولي بن يزيد.

وقال محيي النووي في كتابه المجموع:والضبابي وهو بطن من كلاب منهم شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين عليه السلام.

ذكر القندوزي في ينابيع المودة عن أبي مخنف [13] (.. فأقبل الي شبث، سنان بن أنس النخعي، وكان كوسج اللحية قصيرا أبرص أشبه الخلق بالشمر اللعين فقال له: لِمَ ما قتلته ثكلتك أمك؟ قال شبث: يا سنان إنه قد فتح عينيه في وجهي فشبهتهما بعيني رسول الله (ص). ثم دنا منه سنان، ففتح عينيه في وجهه فارتعدت يده وسقط السيف منها وولي هاربا، فأقبل الي سنان، الشمرُ اللعين وقال له: ثكلتك أمك مالك رجعت عن قتله؟ فقال: إنه فتح عينيه في وجهي فذكرت هيبة أبيه علي بن أبي طالب ففزعت فلم أقدر علي قتله.

فقال له الشمر الملعون: إنك جبان في الحرب، فوالله ما كان أحد غيري أحق مني بقتل الحسين. ثم إنه ركب علي صدره الشريف، ووضع السيف في نحره، وهم أن يذبحه، ففتح عينيه في وجهه فقال له الحسين (رضي الله عنه وأرضاه): يا ويلك من أنت فقد ارتقيت مرتقي عظيما؟ فقال له الشمر: الذي ركبك هو الشمر بن ذي الجوشن الضبابي. فقال له الحسين: أتعرفني يا شمر؟ قال: نعم أنت الحسين بن علي، وجدك رسول الله، وأمك فاطمة الزهراء، وأخوك الحسن. فقال: ويلك فإذا علمت ذلك فلم تقتلني؟ قال: أريد بذلك الجائزة من يزيد. فقال له: يا ويلك أيما أحب اليك، الجائزة من يزيد أم شفاعة جدي رسول الله (ص)؟ فقال الشمر الملعون: دانق من جائزة يزيد أحب إلي الشمر من شفاعة جدك. فقال له الحسين (رضي الله عنه وبلغه الله إلي غاية بركاته ومنتهي رضوانه): سألتك بالله أن تكشف لي بطنك، فكشف بطنه فإذا بطنه أبرص كبطن الكلاب، وشعره كشعر الخنازير. فقال الحسين (ض): الله اكبر لقد صدق جدي (ص) في قوله لأبي: يا علي إن ولدك الحسين يقتل بأرض يقال لها كربلاء، يقتله رجل أبرص أشبه بالكلاب والخنازير . فقال الشمر اللعين: تشبهني بالكلاب والخنازير، فوالله لاذبحنك من قفاك. ثم إن الملعون قطع الرأس الشريف المبارك، وكلما قطع منه عضوا يقول: يا جداه، يا محمداه يا أبا القاسماه، ويا أبتاه يا علياه، يا أماه يا فاطماه، أقتل مظلوما، وأذبح عطشانا، وأموت غريبا

بعد التعرض إلي الأقوال، يمكن لنا أن نذكر ملاحظات لعلها تلقي بضوء علي الإجابة، ونترك المجال للقارئ أيضا لكي يتأمل، ويكون صورة عن الحادثة:

الملاحظة الأولي: أنه لا بد من التفريق بين (قتله) و (احتز رأسه) مع أن هاتين الكلمتين أحيانا يذكران في سياق معني واحد، ولذا فإن الرواة الذين نقلوا الصورة التفصيلية فرقوا بين من (قتله) ومن (احتز رأسه). فإن (حز الرأس) عادة ما يكون بعد القتل، فإن طبيعة عمل المجرمين ذلك أنهم يريدون أن يهدوا أمراءهم رؤوس أعدائهم كما فعل أتباع معاوية برأس عمرو بن الحمق الخزاعي رضوان الله عليه، للتقرب لهم وللحصول علي جوائزهم، وأيضا لإضعاف الروح المعنوية لأتباعهم، وهم في هذا حتي يحتزون رأس الميت لهذا الغرض، أو يقتلون شخصا آخر للتلبيس علي الأتباع بأن المقتول هو قائدهم [14] .

والتركيز علي الفرق بين الأمرين مهم جدا، ويرفع الكثير من الابهام عن الصورة الحقيقية. فقد تري نفس الشخص يروي بأن شمرا هو الذي قتل الحسين، وفي مكان آخر يقول إن الذي حز رأسه هو سنان، فيتصور الناظر لأول وهلة أن كلامه متخالف، بينما التدقيق في المسألة بناء علي الفرق بين (القتل) و (حز الرأس) ينفي ذلك.

الملاحظة الثانية: أننا نعتقد أن الروايات القائلة بأن خولي بن يزيد الأصبحي هو الذي قتل الحسين أو احتز رأسه ليست قريبة من الواقع، ونعتقد أن الذين ذكروها قد اعتمدوا أساسا علي الشعر الذي قاله هذا الآثم أمام أميره وهو يحمل الرأس، طمعا في الجائزة:



إملأ ركابي فضة أو ذهبا

إني قتلت السيد المحجبـا



قتلت خير الناس أماً وأباً [15] .

وأول ما في ذلك أن هذه الأبيات أيضا نسبت لسنان بن أنس النخعي، ولو صحت نسبة الأبيات له فالصورة التي يمكن رسمها من خلال ما ذكر عن تـأريخ هذا الرجل هي صورة الرجل المعتوه الذي لا يقدّر ولا يعرف حتي كيفية طلب الجائزة من أعداء القتيل وهم قادته!! فإن من يريد جائزة من عمر بن سعد أو من ابن زياد أو يزيد لا يصح أن يتوسل في ذلك بمدح عدوهم بأنه خير الناس أماً وأباً، وأنه السيد المحجب!! ولذا قيل أنه قد منع من العطاء ورُد بقولهم: إن علمت أنه خير الناس أما وأبا فلمَ قتلتَه؟



وفي الوقت الذي كانت سائر القبائل والأفراد يتحامون عن قتله ويترددون في ذلك لكيلا ينسب الفعل إليهم، يقوم هذا الرجل بالافتخار بذلك، مع العلم أنه لم يفعل! مما يعطينا صورة عن شخص أقرب إلي العته منه إلي الشخص السوي!

والظاهر ـ والله العالم ـ أن الحسين عليه السلام بعدما قُتل، وحز رأسه، أعطي هذا الرجل رأسه لكي يحمله إلي ابن زياد كما هو الثابت أنه حمله فيما بعد وانطلق به إلي الكوفة بعد المعركة (مشتركا مع حميد بن مسلم الأزدي أو أن هذا في مهمة حمل الرأس وذاك في مهمة إخبار عائلة عمر بن سعد عن سلامته!). ويشهد له أن أكثر من رواية تفيد أنه بدر إليه خولي فأُرعد (أصابته الرعدة من الخوف) فتراجع. وأيضا ما ذكره أكثر من مصدر أنه قد دفع إليه الرأس [16] إضافة إلي أنه لم يأت له ذكر في أي من الأخبار ـ مهما كانت أسانيدها ـ المنسوبة إلي أهل البيت عليهم السلام باعتباره القاتل.

الملاحظة الثالثة: يبقي الاحتمال دائرا بين شمر بن ذي الجوشن وبين سنان بن أنس النخعي، وبالنسبة إلي الثاني فإن أكثر الروايات التاريخية تتحدث عن أنه قتل الامام، أو احتز رأسه، بينما تتحدث الروايات المنسوبة لأهل البيت المعصومين عليهم السلام عن أن القاتل شمر وأنه هو الذابح.

ويحتمل أن يكون القاتل هو شمر بن ذي الجوشن الضبابي، وأن الذي احتز رأسه فيما بعد القتل هو سنان بن أنس، ويمكن الاستشهاد لهذا بعدة أمور:

ـ ما ذكر في أكثر من رواية تاريخية أن شمر بن ذي الجوشن أمر أن ينزلوا إليه وأنهم ما ذا ينتظرون به، فنزل إليه سنان فأرعد وخاف وتراجع (وبعضها يفصل أنه نظر إلي عينيه فرأي فيهما عيني علي ابن أبي طالب أو عيني النبي صلي الله عليه وآله) فاكتفي من ذلك بأن طعن الامام الحسين عليه السلام بالرمح، ثم ولي خائفا، فتولي شمر أمر قتله، ثم بعد أن قتل الشمر الحسين عليه السلام وأجهز عليه، لم يبق المانع الذي منع سنان قبلئذ، فاحتز رأسه.

ـ يظهر من روايات أخري أن سنانا هذا كان حريصا علي أن (يحوز) برأس الحسين عليه السلام مهما كلف الأمر، ولعل شمرا الذي كان يهمه فقط إنهاء المعركة منتصرا!! وفي وقت سريع ولذا لم يتحمل تردد البعض، فصاح بهم ماذا تنتظرون؟ ولم يكن همه في رأس الحسين، قد التقت رغبته مع رغبة سنان الذي كان يهمه فقط أن يظفر برأس الحسين [17] ، إما ليفتخر به أو ليحصل علي الجائزة هذا بناء علي أنه هو قائل الأبيات المذكورة (إملأ ركابي..) [18] .

وإذا أعدنا إلي الذكر ما سبق من التفريق بين القتل وحز الرأس، وأنه يظهر أن الذي حصل شيئان مختلفان قد قام بكل جريمة منهما شخص يختلف عن الآخر، أمكن لنا تصوير الجمع بين ما هو في الروايات التاريخية، وما ورد في بعض المرويات المنسوبة [19] لأهل البيت عليهم السلام

ـ أن اختصاص شمر بن ذي الجوشن في زيارة عاشوراء باللعن (إضافة إلي يزيد وابن زياد وعمر بن سعد ـ وهم من يمكن أن ينسب إليهم القتل لأمر الأولين وقيادة الثالث كما ذكرنا في البداية من صحة نسبة بعض الأفعال لمتعددين مع أن المباشر له واحد ـ)، هذا الاختصاص لا مبرر له غير دوره الاستثنائي في هذه الجريمة، وهو القتل وإزهاق روح الامام المعصوم صلوات الله عليه , الأمر الذي ذكر في زيارة الناحية.. والحد المذكور في زيارة الناحية وهي الأكثر تفصيلا في هذه الجهة من عاشوراء، أنه (جالس علي صدرك، مولع (مولغ) [20] سيفه علي نحرك، قابض علي شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده..) وهذه لا تفي بمعني أكثر من القتل. والذبح يمكن حصوله من دون حز الرأس بكامله.

ولم يذكر سنان بن أنس في روايات أهل البيت، غير الرواية التي وردت في الأمالي ويظهر فيها أن سنان كان مستقلا بأمر القتل بتمامه دون شمر، وهو مخالف للمشهور من أن شمرا كان له دور أساس في القتل..

وهناك ملاحظة أخيرة وهي احتمال حصول الاشتباه عند بعض ناقلي الخبر لا سيما ممن كان حاضرا، بين الشمر وسنان، فإن الأخير كان شديد الشبه [21] .

بالأول من ناحية الشكل كما ذكروا.

والمسألة غير محسومة عندي، وتحتاج إلي مزيد بحث، وإن كان ما سبق ذكره من أن القاتل هو شمر لما ورد في الزيارتين، وأن مَن حز الرأس بعد القتل ـ طلبا للجائزة ـ هو سنان لما ذكر في أكثر المصادر التاريخية، هو الأقرب [22] لكنه مخالف لما عليه المشهور لدي أهل المنبر والمتحدثين في السيرة، والله العالم.


پاورقي

[1] في رواية معتبرة في الکافي عن الامام الصادق عليه السلام يتحدث عن شرار الخلق الذين ابتلي بهم خيار الخلق:.. ويزيد بن معاوية لعنه الله قاتل الحسين بن علي (عليهما السلام) وعاداه حتي قتله.

[2] لما تواقف التوابون مع جيش عبيد الله بن زياد، خطب قادة التوابين في أصحابهم وقالوا: هذا عبيد الله بن زياد بن مرجانة قاتل أبي عبد الله الحسين أمامکم..

[3] ذکر السيد الشهرستاني في هامش کتابه وضوء النبي ج 2 أن يحيي بن سعيد قد حدّث عن عمر بن سعد!! فقال له رجل: أما تخاف الله..تروي عن عمر بن سعد؟ فبکي، وقال: لا أعود يا أبا سعيد، هذا قاتل الحسين، أعن قاتل الحسين تحدثنا؟ انظر تهذيب الکمال 21: 257 و تقريب التهذيب 2: 56 (العجيب أن يحيي بن سعيد هذا قد تکلم في الامام الصادق ـ أي لم يقبل الرواية عنه عليه السلام!!).

[4] في تاريخ الطبري ج 4: قال ولقد مکث طويلا من النهار ولو شاء الناس ان يقتلوه لفعلوا ولکنهم کان يتقي بعضهم ببعض ويحب هؤلاء أن يکفيهم هؤلاء.. وفي موضع آخر ذکر ـ وغيره من المؤرخين ـ أنهم توقفوا إلي أن قال لهم شمر ويحکم ماذا تنتظرون بالرجل؟.

[5] نشر في مجلة تراثنا العدد 2 بتحقيق العلامة السيد محمد رضا الحسيني.

[6] في بعض کتب الشيخ المفيد يظهر منه أنه الشمر کما في الارشاد ج 2، قال: ويدر إليه خولي بن يزيد الاصبحي لعنه الله فنزل ليحتز رأسه فأرعد، فقال له شمر: فت الله في عضدک، ما لک ترعد؟ ونزل شمر إليه فذبحه.

[7] مروج الذهب - 3.

[8] تاريخ الطبري 4- 346.

[9] قال في اللهوف: (.. وجعل ينوء ويکبو فطعنه سنان ابن أنس النخعي في ترقوته ثم أنتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ثم رماه سنان أيضا بسهم فوقع السهم في نحره فسقط عليه السلام وجلس قاعدا فنزع السهم من نحره وقرن کفيه جميعا فکلما امتلاتا من دمائه خضب بهما رأسه ولحيته وهو يقول هکذا القي الله مخضبا بدمي مغصوبا علي حقي، فقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه: إنزل ويحک إلي الحسين فأرحه قال فبدر إليه خولي ابن يزيد الأصبحي ليحتز رأسه فأرعد فنزل إليه سنان بن أنس النخعي (لع) فضرب بالسيف في حلقه الشريف وهو يقول والله إني لأجتز رأسک وأعلم إنک ابن رسول الله صلي الله عليه واله وسلم وخير الناس أبا وأما، ثم أجتز رأسه المقدس المعظم وفي ذلک يقول الشاعر: فأي رزية عدلت حسينا - غداة تبيره کفا سنان.

[10] محمد بن علي بن الحسين ابن موسي بن بابويه قال حدثنا محمد بن عمر البغدادي الحافظ (رحمه الله)، قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن عثمان بن زياد التستري من کتابه، قال: حدثنا إبراهيم بن عبيد الله بن موسي بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قاضي بلخ، قال: حدثتني مريسة بنت موسي بن يونس بن أبي إسحاق وکانت عمتي، قالت: حدثتني صفية بنت يونس بن أبي إسحاق الهمدانية وکانت عمتي، قالت: حدثتني بهجة بنت الحارث بن عبد الله التغلبي، عن خالها عبد الله بن منصور وکان رضيعا لبعض ولد زيد بن علي (عليه السلام)، قال: سألت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام)، فقلت: حدثني عن مقتل ابن رسول.

[11] البداية والنهاية ج 8 لابن کثير: نقول ذلک علي نحو الاحتمال، لإنه يمکن أن تکون الرواية ـ علي فرض صدورها ـ ناظرة إلي القتل، بمعني ازهاق الروح، دون احتزاز الرأس، هذا إضافة إلي أنهم نقلوا أيضا أن سنان بن أنس کان أيضا أبرس وشبيها بشمر بن ذي الجوشن.

[12] يلاحظ في هذه الزيارة التطابق بين (مولغ سيفه علي نحرک) وبين ما نقل عن الرسول قبله: (کلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي).. هذا بناء علي أن ما في الزيارة هو (مولغ) بالمعجمة لا (مولع) بالمهملة.

[13] العجيب أن القندوزي يروي عن أبي مخنف ما ينتهي إلي أن القاتل هو شمر بن ذي الجوشن، بينما ينقل الطبري أيضا عن أبي مخنف نفسه (عن الصقعب بن زهير عن حميد بن مسلم) أن القاتل هو سنان بن أنس. مع بُعد الواسطة بين القندوزي الذي توفي في 1294 هـ وبين أبي مخنف. وهذه الرواية بهذا النحو مع أنها الأشهر بين قراء التعزية إلا أنها لم تذکر في مصدر من المصادر الأساسية عند الطائفة حتي مثل بحار الأنوار الذي دأب صاحبه علي جمع الأخبار مع غض النظر عن قيمتها السندية. نعم ذکرها فخر الدين الطريحي (ت 1085 هـ) في المنتخب ولعل القندوزي نقل الحادثة منه.

[14] تاريخ الطبري - الطبري ج 6 ص 179:

کان محمد بن عبد الله ابن عمرو محبوسا عند أبي جعفر وهو يعلم براءته حتي کتب إليه أبو عون من خراسان أخبر أمير المؤمنين أن أهل خراسان قد تقاعسوا عني وطال عليهم أمر محمد ابن عبد الله فأمر أبو جعفر عند ذلک بمحمد بن عبد الله بن عمرو فضربت عنقه وأرسل برأسه إلي خراسان وأقسم لهم أنه رأس محمد بن عبد الله!! وأن أمه فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم.

[15] البعض ذکر أن سنان بن أنس هو الذي کان ينشد هذه الأبيات.

[16] تاريخ الطبري ج 4 ص 348:

.. وما هو إلا أن قتل الحسين فسرح برأسه من يومه ذلک مع خولي بن يزيد وحميد بن مسلم الازدي إلي عبيدالله بن زياد فأقبل به خولي فأراد القصر فوجد باب القصر مغلقا فأتي منزله فوضعه تحت اجانة في منزله وله امرأتان امرأة من بني أسد والاخري من الحضرميين يقال لها النوار ابنة مالک بن عقرب وکانت تلک الليلة ليلة الحضرمية قال هشام فحدثني أبي عن النوار بنت مالک قالت أقبل خولي برأس الحسين فوضعه تحت اجانة في الدار ثم دخل البيت فأوي إلي فراشه فقلت له ما الخبر ما عندک قال جئتک بغني الدهر هذا رأس الحسين معک في الدار قالت فقلت ويلک جاء الناس بالذهب والفصة وجئت برأس ابن رسول الله صلي الله عليه وسلم لا والله لا يجمع رأسي ورأسک بيت أبدا قالت فقمت من فراشي فخرجت إلي الدار فدعا الاسدية فأدخلها إليه وجلست أنظر قالت فوالله ما زلت أنظر إلي نور يسطع مثل العمود من السماء إلي الاجانة ورأيت طيرا بيضا ترفوف حولها قال فلما أصبح غدا بالرأس إلي عبيدالله ابن زياد.

[17] تاريخ الطبري - الطبري ج 4 ص 346: (قال أبو مخنف) عن جعفر ابن محمد بن علي قال وجد بالحسين عليه السلام حين قتل ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة.. قال وجعل سنان بن أنس لا يدنو أحد من الحسين إلا شد عليه مخافة أن يغلب علي رأسه حتي أخذ رأس الحسين فدفعه إلي خولي.

[18] ذکر ابن الأثير في أسد الغابة ج 2: وقيل أن سنان بن أنس لما قتله قال له الناس: قتلت الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم ورضي عنها، أعظم العرب خطرا أراد أن يزيل ملک هؤلاء، فلو أعکوک بيوت أموالهم لکان قليلا!! فأقبل علي فرسه وکان شجاعا به لوثة فوقف علي باب فسطاط عمر بن سعد وأنشد الأبيات المذکورة، فقال عمر: أشهد أنک مجنون! وحذفه بقضيب، وقال أتتکلم بهذا الکلام؟ والله لو سمعه ابن زياد لقتلک!!.

[19] نقول المنسوبة للتوقف في تصحيح أسانيدها، وإن عمل بها جمع غير قليل من العلماء، وإلا لو کانت صحيحة السند أو تم الوثوق بصدورها ـ علي المسلک الآخر ـ لکنا لا نتوقف في تقديمها علي ما عداها، لکونها عن أهل البيت عليهم السلام،والذين هم أدري بما جري علي جدهم الحسين عليه السلام.

[20] أولع بالشيء: أغري به، ولهج به.. وأولغ: الکلبَ صاحبه: جعله يشرب.

[21] ذکر القندوزي في ينابيع المودة عند حديثه عن سنان بن أنس أنه کان کوسج اللحية قصيرا أبرص أشبه الخلق بالشمر اللعين.

[22] نقل لي أحد الشباب المؤمن أن الخطيب المعروف الشيخ الوائلي حفظه الله يري أيضا نفس النتيجة المذکورة، وقد سمعه يقول ذلک في حديث خاص، ولکنه لا يعلنها علي المنبر لاصطدامه بما هو المألوف عند المستمع!! ولم يتسن لي التأکد من هذه المعلومة حتي وقت کتابة هذه السطور.