بازگشت

من هو و ما قيمة رواياته التاريخية


الجواب: حميد بن مسلم الأزدي

شهد معركة كربلاء مع جيش عمر بن سعد. وكان يقوم فيها بما يشبه دور المؤرخ أو المراسل الصحفي ـ في هذه الأيام ـ.

بعد معركة كربلاء كان مع التوابين وخرج معهم، ولم يؤثر عنه موقف قتالي مهم، ثم عاد مع العائدين بعد أن حل الظلام، واستشهد اكثر التوابين.

ظل مدة يتردد مع ابراهيم بن مالك الأشتر ـ القائد العسكري للمختار ـ علي المختار ثم لم يلبث المختار أن أرسل إليه وإلي ثلاثة أشخاص آخرين لكي يؤتي بالأربعة ـ في ضمن حملته علي قتلة الحسين وأصحابه ـ، فأتي بالثلاثة الآخرين بينما استطاع حميد بن مسلم الفرار [1] .

وبقي إلي أيام سيطرة عبد الملك بن مروان علي الحكم بعدما قتل المختار علي يد أتباع مصعب بن الزبير، وهُزم آل الزبير بيد أتباع الأمويين. حيث نلاحظ له قصيدة رثاء في حق عبد الرحمن بن مخنف (الأزدي) الذي قتل ـ وهو من قادة الحجاج الثقفي ـ في معركة مع الخوارج في حوالي سنة 75 هـ. وبعد هذه الأحداث لم يعرف خبره.

تتبع رواياته بحسب تاريخ الطبري:

قبل أن ننقل رواياته، نسجل بعض النقاط العامة:

الأولي: يظهر من روايته خبر إرسال عبيد الله بن زياد شمر بن ذي الجوشن ومعه كتاب تصعيد الحصار علي الحسين عليه السلام، أن حميد بن مسلم لم يكن موجودا في كربلاء قبل يوم التاسع. [2] .

وبناء عليه فيكون ما يروي عنه قبل هذا اليوم من أحداث كربلاء، سواء في مسير الحسين أو نزول كربلاء، غير تام لو كان يسنده إلي مشاهدته. أو أن يكون روايته لما جري بين ابن زياد وشمر، مرسلا بينما ظاهره أنه يعلم به مباشرة.

ويظهر بعد ذلك روايته مفصلة لأحداث كربلاء، مثل تحرك الجيش بعد وصول شمر بالرسالة، ويحتمل أن يكون حميد بن مسلم ممن ورد إلي كربلاء مع شمر بناء علي هذا.

الثانية: إن عدد روايات حميد بن مسلم بالنسبة لمجموع روايات المقتل، وما يرتبط به، يعتبر قليلا نسبيا سواء من الناحية العددية أو الزمنية، فمثلا ما ذكره الطبري من روايات المقتل وأطرافه عن أبي مخنف، يقارب المائة رواية، نصيب حميد بن مسلم فيها هو العُشر فقط.

وهذا يلقي بضوء علي ما تصوره بعضهم من أن المقتل مروي في أكثره كما قالوا عن طريق حميد بن مسلم، وقد كان في الطرف الآخر، فكيف له بأن يعرف ما يجري فيه هذا إضافة إلي كونه معاديا، ومحاربا لأهل البيت فكيف يعتمد عليه.

ونحن وإن أجبنا علي سؤال بهذا المضمون في القسم الأول، وقد تسلمنا هناك فرضا أنه من الرواة الأساسيين في الواقعة، إلا أننا هنا مع الملاحظة المذكورة نري أن نصيبه من روايات المقتل هو بهذا المقدار المذكور أي عشرة في المائة فقط.

ومن الناحية الزمنية، فقد سبق أن ذكرنا أنه من المفروض أن حميدا لم يكن قبل التاسع من المحرم موجودا في كربلاء فلا يستطيع أن يروي مباشرة ما الذي حدث قبل ذلك اليوم، ودائرة (تغطيته الإعلامية المباشرة) تبدأ من اليوم التاسع وتمر بالعاشر إلي العصر، ثم إلي الكوفة لتنتهي ربما في اليوم الثالث عشر أو الرابع عشر. ولا تشمل ما بعد الكوفة، ولا الشام فضلا عن العودة منها إلي كربلاء والمدينة.

الثالثة: إن روايات كربلاء فيما يرتبط منها بالمخيم الحسيني، وما كان يدور فيه لا نجد فيها لحميد بن مسلم أثرا وهو واضح، بل لو نقل أحد رواية بهذا المعني فلا بد من النظر إليها بعين الشك، إن كان ينقلها مباشرة، وذلك لأنه كان في المعسكر الآخر، وإنما كانت تلك الروايات كما يلحظ المتتبع لروايات أبي مخنف المنقولة في الطبري، مروية عن الامام زين العابدين عليه السلام بواسطة، أو عن الضحاك المشرقي، أو عقبة بن سمعان أو عن من نجي من الواقعة حيا.

تتبع روايات حميد:

1- ما سبق أن ذكر آنفا: روايته لخبر إرسال عبيد الله بن زياد رسالة بيد الشمر لعمر بن سعد، ووصول هذا يوم التاسع.

2- روايته خبر تحرك الجيش علي أثر الرسالة المذكورة، قال: وزحف عمر بن سعد نحوهم ثم نادي يا زويد أدن رايتك قال فأدناها ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمي فقال اشهدوا أني أول من رمي [3] .

3- روايته لمصرع علي الأكبر عليه السلام قال (أبو مخنف) حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم الازدي قال سماع أذني يومئذ من الحسين يقول قتل الله قوما قتلوك يا بني ما أجرأهم علي الرحمن وعلي انتهاك حرمة الرسول علي الدنيا بعدك العفاء قال وكأني أنظر إليامرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي يا أخياه ويا ابن أخاه قال فسألت عليها فقيل هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول الله صلي الله عليه وسلم فجاءت حتي أكبت عليه فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردها إلي الفسطاط وأقبل الحسين إلي ابنه وأقبل فتيانه إليه فقال احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه حتي وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.

4- روايته مقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل وعون عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب وجعفر ابن عقيل بن أبي طالب قتله.

5- روايته مقتل القاسم بن الحسن قال خرج الينا غلام كأن وجهه شقة قمر في يده السيف عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسي أنها اليسري فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الازدي والله لاشدن عليه فقلت له سبحان الله وما تريد إلي ذلك يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه قال فقال والله لاشدن عليه فشد عليه فما ولي حتي ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه فقال يا عماه قال فجلي الحسين كما يجلي الصقر ثم شد شدة ليث أغضب فضرب عمرا بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنها من لدن المرفق فصاح ثم تنحي عنه وحملت خيل لأهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من حسين فاستقبلت عمرا بصدورها فحركت حوافرها وجالت الخيل بفرسانها عليه فتوطأته حتي مات وانجلت الغبرة فإذا أنا بالحسين قائم علي رأس الغلام والغلام يفحص برجليه وحسين يقول بعد القوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك ثم قال عز والله علي عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوت والله كثر واتره وقل ناصره ثم احتمله فكأني أنظر إلي رجلي الغلام يخطان في الارض وقد وضع حسين صدره علي صدره قال فقلت في نفسي ما يصنع به فجاء به حتي ألقاه مع ابنه علي ابن الحسين وقتلي قد قتلت حوله من أهله بيته فسألت عن الغلام فقيل هو القاسم ابن الحسن بن علي بن أبي طالب.

6- روايته مصرع الحسين وسقوطه من ظهر فرسه، واللحظات الأخيرة من حياته: ومكث الحسين طويلا من النهار كلما انتهي إليه رجل من الناس انصرف عنه وكره أن يتولي قتله وعظيم إثمه عليه قال وإن رجلا من كندة يقال له مالك بن النسير من بني بداء أتاه فضربه علي رأسه بالسيف وعليه برنس له فقطع البرنس وأصاب السيف رأسه فأدمي رأسه فامتلا البرنس دما فقال له الحسين لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين.. انتهي

وبحسب قرب الرجل من المصرع، فقد استطاع أن ينقل تفاصيل اكثر عن الحسين عليه السلام في تلك اللحظات [4] .

7- رواية المآثر والمواقف (الجيدة) لنفسه: روي حميد بعض الحوادث، مما يحسب له كمآثر، ولذا يمكن التأمل قبل قبولها، فمن جهة يُقرّب احتمال قبولها باعتبار أن تلك المواقف تستدعي الحالة الانسانية بغض النظر عن موقفه السياسي والديني، خصوصا مع ملاحظة أن بعض من جاء إلي المعركة في الطرف الأموي لم يكن مؤمنا بها. ولذا فإنه لو استطاع في بعض المواقف التي تملي عليه فطرته الانسانية موقفا صحيحا، فليس ذلك بالغريب بل هو مقتضي الفطرة.

وقد يُوجَّه ردها بأن أحدا لم يرويها غيره، وأن هذا من باب أنه (يجر النار إلي قرصه) خصوصا بعد أن تكشفت المعركة عن الفجائع والمأساة، وصار الجو العام معاديا للأمويين وللقتلة، ولا سيما حين بدأ دور الاقتصاص منهم أيام المختار، فكان من الطبيعي هنا أن ينكر البعض دوره السلبي، ويصطنع له دورا إيجابيا، دفاعا عن نفسه، واكتسابا لحظوة ضمن الوضع الجديد.

- وعلي أي من التقديرين فقد نقل الطبري عنه، أنه لما حاول شمر بن ذي الجوشن أن يقوض مخيم الحسين باشعال الحريق فيه، قبل المصرع جاء إليه حميد بن مسلم وتكلم معه في ذلك:

قال أبو مخنف حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال قلت لشمر ابن ذي الجوشن سبحان الله إن هذا لا يصلح لك أتريد أن تجمع علي نفسك خصلتين تعذب بعذاب الله وتقتل الولدان والنساء والله إن في قتلك الرجال لما ترضي به أميرك!

فقال من أنت قال قلت لا أخبرك من أنا قال وخشيت والله أن لو عرفني أن يضرني عند السلطان قال فجاءه رجل كان أطوع له مني شبث بن ربعي فقال ما رأيت مقالا أسوأ من قولك ولا موقفا أقبح من موقفك أمرعبا للنساء صرت قال فأشهد أنه استحيا فذهب لينصرف.

ويروي هو بنفسه أيضا عن محاولته لثني عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي (وحميد كان أزديا أيضا) عن الهجوم علي القاسم بن الحسن وقتله فيقول خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر في يده السيف عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسي أنها اليسري فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الازدي والله لاشدن عليه فقلت له سبحان الله وما تريد إلي ذلك يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد احتولوهم [5] قال فقال والله لأشدن عليه فشد عليه فما ولي حتي ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه [6] .

وهناك رواية أخري يأتي بها في سياق مآثره، وهي بالتالي خاضعة لما تقدم ذكره، وهي دوره كما نقل في التأثير علي شمر بن ذي الجوشن، لإقناعه بترك قتل الامام السجاد بعد مصرع الحسين عليه السلام، فعنه قال انتهيت إلي علي بن الحسين بن علي الاصغر وهو منبسط علي فراش له وهو مريض وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجالة معه يقولون ألا نقتل هذا قال فقلت سبحان الله أنقتل الصبيان إنما هذا صبي قال فما زال ذلك دأبي أدفع عنه كل من جاء حتي جاء عمر بن سعد فقال ألا لا يدخلن بيت هؤلاء النسوة أحد ولا يعرضن لهذا الغلام المريض ومن أخذ من متاعهم شيئا فليرده عليهم قال فوالله ما رد أحد شيئا قال فقال علي بن الحسين جزيت من رجل خيرا فوالله لقد دفع الله عني بمقالتك شرا [7] .

8- روايته للحدث في اليوم الحادي عشر من الكوفة، حينما نقل ما جري بين زيد بن أرقم وبين عبيد الله بن زياد، ووضعه الرأس بين يديه.وذلك أن عمر بن سعد قد أرسل حميد بن مسلم لإخبار أهله بسلامة بن سعد، قال: دعاني عمر بن سعد فسرحني إلي أهله لأبشرهم [8] بفتح الله عليه وبعافيته فأقبلت حتي أتيت أهله فأعلمتهم ذلك ثم أقبلت حتي أدخل فأجد ابن زياد قد جلس للناس وأجد الوفد قد قدموا عليه فأدخلهم وأذن للناس فدخلت فيمن دخل فإذا رأس الحسين موضوع بين يديه وإذا هو ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة فلما رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب قال له اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين فو الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلي الله عليه وسلم علي هاتين الشفتين يقبلهما ثم انفضخ الشيخ يبكي فقال له ابن زياد أبكي الله عينيك فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك!

9- ثم أخيرا روايته لخبر دخول السبايا علي ابن زياد وحواره مع زين العابدين عليه السلام. قال: إني لقائم عند ابن زياد حين عرض عليه علي بن الحسين فقال له ما اسمك قال أنا علي بن الحسين قال أولم يقتل الله علي بن الحسين فسكت فقال له ابن زياد مالك لا تتكلم قال قد كان لي أخ يقال له أيضا علي فقتله الناس قال إن الله قد قتله قال فسكت علي فقال له مالك لا تتكلم قال الله يتوفي الانفس حين موتها وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله.

محاولة ترسيم لشخصية حميد بن مسلم:

1- يظهر من التتبع العام لشخصية حميد بن مسلم أنه ليس رجل موقف بحيث يلتزم به فيحامي عنه، ويضحي من أجله، فهو مثلا يشهد كربلاء ولا يقاتل في أي من الصفين ولا يؤثر عنه فعل، لا في هذا الجانب ولا في ذاك، ثم يكون مع التوابين الذين ثاروا ضد بني أمية وحاولوا التكفير عن خذلانهم.. مع أن هؤلاء لم تتح لهم فرصة القتال مع الحسين عليه السلام، لكون عدد منهم مسجونين، أو ممن لم يستطيعوا الخروج من الكوفة [9] بينما كان هذا الرجل موجودا في المعركة، وشهد تحول عدد من أنصار بني أمية إلي المعسكر الحسيني فلم يكن هناك شيء ليمنعه لو كان صاحب موقف.

ثم إنه حتي وهو يعد نفسه من الشيعة، الذين خرجوا مع التوابين، لم يعرف عنه أي موقف، حتي برواية نفسه فضلا عن غيره. فهاهو يتحدث عن تحرك التوابين في أيامه الأولي [10] :

قال والله إني لشاهد بهذا اليوم يوم ولوا سليمان بن صرد وإنا يومئذ لاكثر من مائة رجل من فرسان الشيعة ووجوههم في داره، فتكلم سليمان بن صرد فشدد وما زال يردد ذلك القول في كل جمعة حتي حفظته بدأ فقال أثني علي الله خيرا وأحمد آلاءه وبلاءه وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله أما بعد فإني والله لخائف ألا يكون آخرنا إلي هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة وعظمت قيه الرزية وشمل فيه الجور أولي الفضل من هذه الشيعة لما هو خير إنا كنا نمد أعناقنا إلي قدوم آل نبينا ونمنيهم النصر ونحثهم علي القدوم فلما قدموا ونينا وعجزنا وادهنا وتربصنا وانتظرنا ما يكون حتي قتل فينا ولدينا ولد نبينا وسلالته وعصارته وبضعة من لحمه ودمه إذ جعل يستصرخ ويسأل النصف فلا يعطاه اتخذه الفاسقون غرضا لنبل ودرية للرماح حتي أقصدوه وعدوا عليه فسلبوه ألا انهضوا فقد سخط ربكم ولا ترجعوا إلي الحلائل والابناء حتي يرضي الله والله ما أظنه رضيا دون أن تناجزوا من قتله أو تبيروا ألا لا تهابوا الموت...

ولم يكن له في تلك الموقعة أثر أو ذكر غير أنه كان يسعي بين المختار الثقفي وجماعة التوابين بالشحناء والفساد، وهذا أمر كان في ذلك الوقت له نتائج مدمرة سواء كان يشعر به فاعله أو لم يكن.

فها هو يقول [11] : قلت لسليمان بن صرد إن المختار والله يثبط الناس عنك إني كنت عنده أول ثلاث فسمعت نفرا من أصحابه يقولون قد كملنا ألفي رجل فقال وهب أن ذلك كان فأقام عنا عشرة آلاف!! أما هؤلاء بمؤمنين أما يخافون الله أما يذكرون الله وما أعطونا من أنفسهم من العهود والمواثيق ليجاهدن ولينصرن!!

2- وبناء علي ما سبق فصداقاته لو صح ما نقل ونُقل عنه غير خاضعة لموقف، إذ أنه تارة يتصور بصورة الشخص غير المعروف، بل المجهول حتي اسما، كما في حواره المذكور مع شمر بن ذي الجوشن الذي سأله عن اسمه فقال له: لا أخبرك. وبين كونه صديقا شخصيا لعمر بن سعد، فقد روي عنه أنه قال: كان عمر بن سعد لي صديقا، فأتيته عند منصرفه من قتال الحسين، فسألته عن حاله، فقال: لا تسأل عن حالي، فإنه ما رجع غائب إلي منزله بشر مما رجعت به، قطعت القرابة القريبة، وارتكبت الأمر العظيم [12] .

وفي نفس الوقت هو يحشر نفسه مع التوابين، ويعد نفسه (من فرسان الشيعة) ويصادق ابراهيم بن مالك الأشتر القائد العسكري للمختار، والذي كان يكثر من الدخول به (بحميد علي المختار) وإن كان ذلك لم ينفع في تبرئته من إثم المشاركة في كربلاء، ولذا طلبه المختار فيمن طلب.

3- عاش حياته بطريقة الصحفي أو الاعلامي الذي يبحث عن الحوادث المتميزة، ويرويها لغيره، لم يكن صانع خبر، وإنما متتبعا للأخبار، وبالذات الأخبار شديدة الاثارة، فهو في المقتل يفصل ما استطاع اللحظات الأخيرة، بما فيها من إثارة للمستمع، و(يستعرض) (سماع أذني من الحسين يوم قتل علي الأكبر..)، وهو يأتي ببعض الكرامات الحسينية سواء في المعركة أو بعدها، لكن هل تؤثر فيه هذه لتعديل موقفه؟ كلا إنما يكتفي منها بجانب الاثارة والنقل، ففي الطبري ينقل عنه:.. ونازله عبد الله ابن أبي حصين الازدي وعداده في بجيلة فقال يا حسين ألا تنظر إلي الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوق منه قطرة حتي تموت عطشا فقال حسين اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا قال حميد بن مسلم والله لعدته بعد ذلك في مرضه فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتي بغر ثم يقئ ثم يعود فيشرب حتي يبغر فما يروي فما زال ذلك دأبه حتي لفظ غصته يعني نفسه [13] .

هذا ما تيسر لي البحث عنه حول شخصية الراوي المذكور وحياته العامة، وأما هل أن ذلك يؤثر علي رواياته التاريخية حول المقتل وما يرتبط به، فقد تمت الاجابة عليه في القسم الأول من هذا الكتاب.


پاورقي

[1] قال جاءنا السائب بن مالک الاشعري في خيل المختار فخرجت نحو عبد القيس وخرج عبد الله وعبد الرحمن ابنا صلخب في اثري وشغلوا بالاحتباس عليهما عني فنجوت واخذوهما ثم مضوا بهما حتي مروا علي منزل رجل يقال له عبد الله بن وهب ابن عمرو ابن عم أعشي همدان من بني عبد فاخذوه فانتهوا بهم إلي المختار فأمر بهم فقتلوا في السوق فهؤلاء ثلاثة فقال حميد بن مسلم في ذلک حيث نجا منهم: ألم ترني علي دهش - نجوت ولم أکد أنجو رجاء الله أنقذني - ولم أک غيره أرجو.

عن الطبري 4- 530.

[2] (قال أبو مخنف) فحدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال ثم إن عبيدالله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فقال له اخرج بهذا الکتاب إلي عمر بن سعد فليعرض علي الحسين وأصحابه النزول علي حکمي فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما وإن هم أبوا فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له وأطع وإن هو أبي فقاتلهم فأنت أمير الناس وثب عليه فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه.. الطبري

هذا ولکن يظهر من رواية أخري نقلها الطبري أيضا، أن مجيء الکتاب المذکور لعمر کان يوم السابع فهو ينقل عن أبي مخنف قال حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم الازدي قال جاء من عبيد الله بن زياد کتاب إلي عمر بن سعد أما بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة کما صنع بالتقي الزکي المظلوم أمير المؤمنين عثمان؟؟ عفان قال فبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج علي خمسمائة فارس فنزلوا علي الشريعة وحالوا بين حسين وأصحابه وبين الماء أن يسقوا منه قطرة وذلک قبل قتل الحسين بثلاث - 312. ويحتمل أن يکون ذيل هذه الرواية غير تام، فإنه من المعروف بين المؤرخين أن الرسالة وصلت يوم التاسع بعد الظهر.

[3] وما بعدها من الروايات عن الطبري 4-326 ـ 350.

[4] عن حميد بن مسلم قال کانت عليه جبة من خز وکان معتما وکان مخضوبا بالوسمة قال وسمعته يقول قبل أن يقتل وهو يقاتل علي رجليه قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة ويشد علي الخيل وهو يقول أعلي قتلي تحاثون أما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله الله أسخط عليکم لقتله مني وايم الله إني لارجو أن يکرمني الله بهوانکم ثم ينتقم لي منکم من حيث لا تشعرون أما والله ان لو قد قتلتموني لقد ألقي الله بأسکم بينکم وسفک دماءکم ثم لا يرضي لکم حتي يضاعف لکم العذاب الاليم قال ولقد مکث طويلا من النهار ولو شاء الناس ان يقتلوه لفعلوا ولکنهم کان يتقي بعضهم ببعض ويحب هؤلاء أن يکفيهم هؤلاء قال فنادي شمر في الناس ويحکم ماذا تنظرون بالرجل اقتلوه ثکلتکم امهاتکم قال فحمل عليه من کل جانب فضربت کفه اليسري ضربة ضربها زرعة بن شريک التميمي وضرب علي عاتقه ثم انصرفوا وهو ينوء ويکبو قال وحمل عليه في تلک الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع ثم قال لخولي بن يزيد الاصبحي احتز رأسه فأراد أن يفعل فضعف فأرعد فقال له سنان بن أنس فت الله عضديک وأبان يديک فنزل إليه فذبحه واحتز رأسه ثم دفع إلي خولي بن يزيد وقد ضرب قبل ذلک بالسيوف. الطبري 4 -346.

[5] حال الرجل في متن فرسه، أي وثب عليه، عن معجم مقاييس اللغة.

[6] الطبري 4 - 341.

[7] الطبري 4-347 وقد احتمل بعض المؤرخين أن يکون المختار قد عفا عن حميد بن مسلم بينما انتقم من قتلة الحسين فيما بعد في الکوفة، واحتملوا أنه لأجل کونه قد دفع القتل عن السجاد!! ولکن هذا غير تام، فإن المختار کما سيأتي قد طلب حميد بن مسلم، ولکنه فر.. علي أن هذا النص الذي يذکره فيه نقاش بأنه کيف يکون الامام السجاد عليه السلام في ذلک الوقت وعمره 22 سنة (ولد سنة 38 هـ)، وکان له حينذاک ولد هو الباقر وعمره قرابة ثلاث سنين، فکيف يکون والحال هذه صبيا؟.

[8] بعض الروايات التاريخية فيها أن عمر بن سعد قد أرسل خولي بن يزيد الاصبحي وحميد بن مسلم، ومعهما رأس الحسين عليه السلام ليخبرا ابن زياد بالنصر والفتح، ولا نعلم هل کانت المهمة مشترکة أو أن خولي ذهب بالرأس، بينما ذهب حميد إلي أهل عمر بن سعد.

[9] لما سيطر عبيد الله بن زياد علي الکوفة، اتخذ مجموعة اجراءات وفرض نظاما أشبه بالأحکام العسکرية وحالة الطوارئ، فسجن عددا من زعماء الکوفة، وطلب عددا آخر مما دعاهم إلي الاختفاء، وفرض المسالح (الدوريات العسکرية) علي بوابات الکوفة، حتي أن، عامر بن أبي سلامة الدلاني، لم يستطع الخروج من الکوفة إلا بعد قتال زجر بن قيس الذي کان موکلا بإحدي بوابات الکوفة لمنع خروج الخارج ودخول الداخل. فقاتله إلي أن استطاع التخلص منه ووصل إلي کربلاء (ورد اسمه في الشهداء في الزيارة باسم عمار بن أبي سلامة الهمداني).

[10] الطبري ج 4 ص 428.

[11] الطبري ج 4 ص 452.. مع أن تحفظ المختار علي طريقة التوابين واسلوبهم في العمل الثوري، کان واضحا، فأولئک کانوا يعملون بمنطق المؤمنين الاستشهاديين الذين يعتبرون الشهادة غايتهم الکبري، بينما المختار کان يعمل بمنطق السياسي الواقعي الذي يخطط للانتصار ومن الطبيعي أن تختلف رؤي الطرفين بناء علي ذلک. إلا أن المتاجرة بهذا الاختلاف وتحويله إلي حالة فرز اجتماعي، ومواجهة سياسية أمر خطير، لا سيما إذا کان من شخص کان للسنة الماضية (مبعوث عمر بن سعد لتبشير أهله بسلامته)!.

[12] الأخبار الطوال للدينوري - 260.

[13] الطبري ج 4 ص 312.