بازگشت

هل قتل الحسين بامر يزيد او ان ابن زياد تصرف من قبل نفسه؟


الجواب: في الواقع هو مأزق المؤرخ الرسمي الممالئ، والذي لا يستطيع أن أن يواجه الواقع بصراحته فيظل يدور حول القضية من غير هدي ولا بصيرة، ويتأول في غير مجال التأويل، فهو تارة يقول أن يزيد مجتهد ولكنه مخطئ في اجتهاده، وأخري يحاول أن ينفي هذه المسألة، ويلقي بمسؤولية ما حدث علي أهل الكوفة، وثالثة قد يكون أكثر (صفاقة ووقاحة) فيلقي بالمسؤولية علي الحسين عليه السلام، باعتبار أنه جاء (وأمر الأمة جميع)!! ففرقها؟؟ بينما كان يزيد داعي الوحدة والصلاح!! وبالتالي فقد قتل الحسين عليه السلام بسيف سله جده الرسول!! بل الأظرف من ذلك أنهم في بعض الأحيان يلقون بمسؤولية قتل الحسين وأصحاب الحسين علي الله سبحانه!! فالله هو الذي قتل علي بن الحسين كما قال بن زياد عندما دخلوا عليه وسأل عن اسم زين العابدين فقيل له: هذا علي بن الحسين. قال: أليس الله قد قتل عليا بن الحسين؟.. فالمسألة إذن أن الله هو القاتل! وهو المسؤول عن تلك الجريمة!!

ولعل أوضح من يترجم لنا عن هذا المنطق المعوج، كلمات ابن كثير الدمشقي في كتابه (البداية والنهاية) فإنه في ترجمة من سماه (أمير المؤمنين يزيد بن معاوية رضي الله عنه!!) قال في تحليل مقتل الحسين عليه السلام:

وقد تأول عليه من قتله أنه جاء ليفرق كلمة المسلمين بعد اجتماعها وليخلع من بايعه من الناس واجتمعوا عليه، وقد ورد في صحيح مسلم الحديث بالزجر عن ذلك، والتحذير منه، والتوعد عليه وبتقدير أن تكون طائفة من الجهلة قد تأولوا عليه وقتلوه ولم يكن لهم قتله، بل كان يجب عليهم إجابته إلي ما سأل من تلك الخصال الثلاثة المتقدم ذكرها، فإذا ذمت طائفة من الجبارين تذم الامة كلها بكمالها ونتهم علي نبيها صلي الله عليه وسلم، فليس الامر كما ذهبوا إليه، ولا كما سلكوه، بل أكثر الائمة قديما وحديثا كاره ما وقع من قتله وقتل أصحابه، سوي شرذمة قليلة من أهل الكوفة قبحهم الله، وأكثرهم كانوا قد كاتبوه ليتوصلوا به إلي أغراضهم ومقاصدهم الفاسدة. فلما علم ذلك ابن زياد منهم بلغهم ما يريدون في الدنيا وآخذهم علي ذلك وحملهم عليه بالرغبة والرهبة، فانكفوا عن الحسين وخذلوه ثم قتلوه. وليس كل ذلك الجيش كان راضيا بما وقع من قتله، بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك والله أعلم، ولا كرهه، والذي يكاد يغلب علي الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه كما أوصاه بذلك أبوه، وكما صرح هو به مخبرا عن نفسه بذلك. وقد لعن ابن زياد علي فعله ذلك وشتمه فيما يظهر و يبدو، ولكن لم يعزله علي ذلك ولا عاقبه ولا أرسل يعيب عليه ذلك والله أعلم [1] .

فالقضية عند أن قوما تأولوا علي الحسين، واجتهدوا في أنه أراد أن يفرق كلمة الأمة ويخلع من بايعوه، واجتمعوا عليه!! ثم إن الذين قتلوه هم شرذمة من أهل الكوفة! فأما يزيد فلم يقتل ولم يكن راضيا أيضا!

والحقيقة أن يزيد ككثير من السياسيين لهم نوعان من الكلام:

ـ ما يعبر عن معتقداتهم الحقيقية، وخططهم الواقعية، وهذا قد يظهر أحيانا بشكل مختصر ـ إذا كان يخالف الرأي العام ـ ولكنه هو المعبر عن بواطن هؤلاء الأشخاص ويلاحظ أنه هو ينسجم تماما مع طريقة حياتهم، وتوجهاتهم العملية.

ـ وهناك كلام للاستهلاك المحلي، والتسويق بحسب الظروف المحيطة، وهذا عادة ما يكون كثيرا وغير منسجم مع الأعمال الحقيقية التي يقومون بها.

والمؤرخون الرسميون يحاولون قدر الإمكان النظر إلي النوع الثاني، ويجعلونه هو الواجهة، وهو الكل في الكل، لكنهم سرعان ما يرتطمون بالوقائع المخالفة لتلك الكلمات، فيظلون يدورون ويلفون، ولا يستطيعون حتي إقناع أنفسهم فضلا عن غيرهم.

ومن ذلك ما نقل عن يزيد أنه ما أمر بقتل الحسين عليه السلام، ولا رضي بذلك، وأنه لو كان بين ابن زياد وبين الحسين الرحم الذي بين يزيد وبين الحسين لما فعل به ما فعل!! أو أنه سمح بإقامة العزاء علي الحسين في الشام بعد وصول النساء والسبايا!

وهذا الكلام كله علف للاستهلاك اليومي يلقي لمن يأكل!! وحقيقة الأمر هو أن يزيد الذي عبر عنه الحسين عليه السلام بأنه (وعلي الاسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد) كان منذ اليوم الأول قد عقد العزم علي إنهاء وجود الامام الحسين لو لم يبايع.

وعبيد الله بن زياد وإن كان شخصا فاتكا لا يعرف للدين وأهله إلاّ ولا ذمة، ولذا اختاره يزيد لهذه المهمة وجمع له الكوفة إضافة إلي البصرة، إلا أنه لم يكن سوي آلة ,وأداة تنفذ ما يطلب منها، بل إنه لو تأخر عن تلك المهمة لما حصل إلا علي العقوبة [2] وكان قد خُير من يزيد بن موته وموت الحسين عليه السلام. ولما أنجز تلك المهمة استحق التكريم والثناء والشكر [3] .

لا مجرد الرضا عما قام به.

وأما شذرات الكلام المتناثرة التي سجلها التاريخ من يزيد والتي كانت تنسجم تماما مع طريقة حياته وأعماله قوله وقد جلس علي منظر مشرف من قصره، فجاء في تلك الفترة ركب السبايا فقال:

لما بدت تلك الحمول وأشرقــت تلك الشموس علي ربي جيرون

نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح فلقد قضيت من النبي ديــوني [4] .

وتمثله بأبيات بن الزبعري:

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فـرحـا ثم قالوا يا يزيد لا تشــل

لعبت هاشم بالملك فـلا خبر جاء ولا وحي نزل [5] .

لكنه لما تغير الرأي العام، واستعظم جريمة الأمويين في حق الحسين عليه السلام وأهل بيته، وبدأت بوادر النقمة تظهر للعلن، آنئذ بدأ يتنصل يزيد من المسؤولية ويلقي بها علي ابن زياد وإلا فإنه كما يقول الطبري (لما قتل عبيد الله بن زياد الحسين وأصحابه وأرسل برؤوسهم إلي يزيد سر بقتلهم وحسنت منزلة ابن زياد عنده.. ثم لم يلبث إلا قليلا حتي أظهر الندم..). وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء (فسر بقتلهم أولا ثم ندم لما مقته المسلمون علي ذلك وأبغضه الناس وحق لهم أن يبغضوه).


پاورقي

[1] البداية والنهاية 8 - 220.

[2] لما اضطربت الأمور علي عبيد الله بن زياد بعد هلاک يزيد، وأبي أهل البصرة طاعته، هرب منها متجها إلي الشام، يقول مسافر بن شريح اليشکري الذي رافقه في المسير بعد أن سکت ابن زياد في الطريق طويلا، قلت في نفسي لئن کان نائما لأنغصن عليه نومه، فدنوت وقلت له: أنائم أنت؟ قال: لا إنما کنت أحدث نفسي. قلت: أفلا أحدثک بما کنت تحدث به نفسک؟ قال: هات. قلت: کنت تقول ليتني لم أقتل حسينا! قال: وماذا؟ قلت: تقول: ليتني لم أکن قتلت من قتلت.. فأجابه ابن زياد: أما قتلي الحسين فإنه أشار إلي يزيد بقتله أو قتلي، فاخترت قتله.. الي آخر حديثه الذي نقله ابن الأثير في الکامل 4 - 140.

[3] استدعي يزيد واليه ابن زياد، بعد مقتل الحسين عليه السلام کاتبا إليه: (أما بعد فإنک قد ارتفعت إلي غاية أنت فيها کما قال الأول:

رفعت فجاوزت السماء وفوقه فما لک إلا مرتقي الشمس مقعد

فإذا وقفت علي کتابي فاقدم علي لأجازيک علي ما فعلت..) فلما جاء عنده أجلسه إلي جانبه، وشربا وهو يقول للساقي:

اسقني شربة تروي مشاشــي ثم مل فاسق مثلها ابن زيــاد

صاحب السر والأمانة عنـدي ولتسديد مغنمي وجهــادي

نقل ذلک صاحب کتاب قصة کربلاء عن مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، کما ذکر بعضه المسعودي في مروج الذهب.

[4] جواهر المطالب لابن الدمشقي الشافعي ج 2.

[5] الطبري 8.