بازگشت

هل كل الشيعة يحيون عاشوراء بنفس ترتيب الايام المعروفة لدينا


الجواب: لا يظهر في الروايات الواردة عن إحياء أهل البيت عليهم السلام لهذه المناسبة توزيع أو ترتيب كالذي نراه اليوم، فإن الروايات تذكر أنهم عليهم السلام كانت تظهر عليهم آثار الحزن من بداية اليوم الأول من محرم، حتي إذا كان يوم العاشر فهو يوم المصيبة الكبري. خصوصا أن من يدخل عليهم من الشعراء كان ينعي الحسين عليه السلام، وشهداء كربلاء، ويعطف أحيانا علي ذكر نساء الحسين وقضية السبي، مع أنه لم يأت حتي ذلك الوقت يوم العاشر.

أما في العصور المتأخرة، (فما درج عليه هيكل المجلس الحسيني الأساسي في العشرة الأولي من شهر المحرم من تسلسل حيث يكون موضوع الخطيب في اليوم الأول ـ كما هو عند الأغلب أو الكثير الحديث عن هلال محرم وما يصاحب ذلك من تداعي المعاني وما يصاحب ذلك من حكايات وما كان له من تأثير عند أئمّتنا الأطهار وشيعتهم وأسلوب احتفالهم به وما كانوا يمارسونه من أنماط الحزن لذلك، هكذا هو اليوم الأول في الجملة.

وفي اليوم الثاني يتناول الخطيب فضل البكاء علي ما جري من فواجع في واقعة الطف ومشروعية هذا البكاء والتماس الأدلة علي ذلك وما يترتّب من الأجر والثواب للباكي التقليدي أو الوفاء للباكي الواعي الذي يبكي لمجرد الإنفعال لمأساة عظيم كالحسين ظلمته أمّته، يستعمل الخطيب عادة بعض مقاطع باللغتين الدارجة والعربية والمشحونة والمكهربة عاطفياً لاستدرار الدمع.

أمّا اليوم الثالث فغالباً ما يتناول خروج الحسين (عليه السلام) من المدينة المنوّرة وما أحاط به من أجزاء تصوّر المشهد من وداع لقبر جدّه (صلي الله عليه وآله وسلم) وقبر أمّه (عليها السلام) ووداع أهله وكيفيّة موكبه وما رافق ذلك من مناظر مفجعة للوداع [1] .

ويتناول في اليوم الرابع مسير الحسين (عليه السلام)ومروره بالمنازل والتقائه ببعض أهلها ولقاء الحرّ معه وما دار بينهما من مطارحات وما حدث من أعمال وينتهي غالباً إلي حدّ نزول الحسين (عليه السلام) بكربلاء.

و يتخصّص اليوم الخامس لسيرة مسلم بن عقيل (عليه السلام) ومكانته وسرّ اختيار الحسين له ليكون رسوله إلي الكوفة إلي مصرعه ومصرع ناصره هاني بن عروة والأحداث التي ارتبطت بذلك اليوم.

في اليوم السادس من محرم تتلي سير شهداء الطف من أنصار الحسين (عليه السلام) مثل حبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وزهير بن القين وغيرهم، ودراسة أحوالهم ومكانتهم وما أعدّ الله تعالي لهم.

واليوم السابع يخصّص للعباس بن علي وإخوته أبناء أمّ البنين وما له ولهم من صفات من حيث النسب والمكانة ومؤهّلاته البطولية والإيمانيّة الخ إلي مصارعهم.

واليوم الثامن للقاسم بن الحسن الشهيد الصبي الذي تمتزج ذكراه بما رافقها من آفاق عاطفية زوّجته وصنعت له عرساً نثاره من النبل وخضابه من الدم وحلّته من نسيج امتزج فيه غبار المعركة بلون الدم ولهيب الجرح لينزف بعد ذلك محمولاً علي صدر الحسين إلي خيمة جمعته مع لداته بين دموع الأهل وحسرات الأمهات.

أمّا ليلة التاسع فهي ويومها لعليّ الأكبر بن الحسين (عليه السلام) أولّ قتيل من الهاشميين وحالات الحسين عند مصرعه وما يرتبط بذلك من شؤون الآباء مع الأبناء وتشير إلي المشاهد التي تلهبها الأجواء العاطفية ويعمقها الخيال حتي الشهادة.

أمّا ليلة العاشر فهي مخصصة للإعداد للمعركة وذكر ما جري فيها من عبادة ووداع واستعداد للشهادة والحالة النفسية للعائلة وهي تتوقّع المجزرة صباحاً وفراق أهلها وأحبّتها. وختام ذلك كلّه أحداث صبيحة العاشر التي منها قراءة ما يسمّي بالمقتل حيث تستعرض كلّ ملابسات واقعة الطف والإعداد لها ابتداء من طلب البيعة من الحسين ليزيد والإمتناع والمسير إلي كربلاء مروراً بمكة المكرمة والمنازل ونزولاً بكربلاء واستعراضنا لكلّ الأحداث بما فيها القتال إلي أن ينتهي الأمر إلي مصرع الحسين (عليه السلام).

وسواء كان هذا الترتيب تعيّنياً [2] وهو الأقرب أم تعيينياً، فهو علي الإجمال وصف للهيكل التقليدي للمجلس الحسيني عند الكثير) [3] .

وهذا الهيكل يظهر أنه هو القائم في العراق، ومحيطها الشيعي المتأثر بها مثل دول الخليج، وليس معلوما أنه نفس الترتيب الموجود في إيران، أو الهند وباكستان.

سؤال: ألا تعتقدون أن كثيرا من المواكب العزائية لا تنتج شيئا، فما أن ينتهي موسم المحرم حتي يعود كل شيء إلي مكانه وتنسي الشعارات التي رفعت أيام المحرم بل إن بعض من يعزون لا يطبقون أهداف الحسين ولا ينسجمون معها؟

الجواب: مجرد أن الشعارات التي رفعت أيام محرم تنسي، أو أن بعض المعزين لا يطبقون أهداف الحسين عليه السلام، لا يضر بموقع المواكب العزائية، ولا يدفع للاستغناء عنها، فإننا نجد أن القرآن الكريم وهو كتاب الله المنزل الذي لو أنزل (علي جبل لرأيته خاشعا من خشية الله) ومع ذلك فإنه لا يؤثر في حياة كل المسلمين بمعني أنك تجد العديد من المسلمين وهم غير متأثرين بثقافة القرآن وأخلاقه وتعاليمه، فهل يعني ذلك عدم فائدة القرآن؟ أو الاستغناء عنه؟

وأنت تري أن الرسول الأعظم محمدا صلي الله عليه وآله وسلم وهو من هو في الفصاحة والبلاغة، وقوة التأثير لكن بعض من عاصره واستمع إليه مباشرة لم يتأثر بأقواله!! فهل يعني ذلك عدم الفائدة من حديث النبي؟

إن من المهم أن يكون لدي المجتمع مؤسسات دينية، ومظاهر اسلامية، وشعائرية حتي تحافظ علي الصورة الاسلامية العامة، وتكون مقصدا لمن يريد الاهتداء إلي التعاليم الالهية، هذا ما يحتاجه كل جيل.

كما أنه ليس من الصحيح أن نطلب من الموكب العزائي أكثر من طاقته، فالموكب العزائي يقوم بدور الشحن العاطفي وتهيئة النفوس لتقبل التوجيه الفكري، ويصنع انتماء علي مستوي العاطفة بين المعزي والمعزي به، أما أن نفترض أنه محلول كيماوي يدخله المعزي وهو مذنب أو غير واع، فيخرج من الطرف الآخر بعد ساعة وقد تغير كليا!! هذا مما لا يتوقع أصلا، والبحث عنه بحث عن السراب.

إن علينا أن نشجع المواكب العزائية بكافة أشكالها، ونحاول أن نقوي فيها المضمون العاطفي والولائي لأهل البيت عليهم السلام، وأيضا أن يتم توجيهها توجيها سليما من خلال إشراف الهادفين والواعين علي تسييرها، واختيار الكلمات المناسبة فيها.

لقد رأينا أن بعض ما يقال من قصائد، و (رداديات) تصنع من الانتماء وتشجع الفرد علي الالتزام بالقيم الدينية، أكثر مما تصنعه محاضرات متعددة، لا سيما في فئة الشباب.

وبناء عليه نحن نعتقد أن المواكب العزائية تصنع الكثير، الكثير، ووجود بعض المشاركين ممن لا يتأثرون بعد الموكب، أو ممن لم يكونوا علي خط الانسجام مع الهدف الحسيني قبل الموكب لا يمنع من حصول الفوائد الكثيرة للمجتمع، ولا بد من تقوية هذه المواكب كماًّ ونوعاًّ.


پاورقي

[1] هناک شيء من الاختلاف في الأيام الأولي، وحيث أن الترتيب هذا لم يکن من خلال نص شرعي، أو سيرة مثلا، وإنما جري الاعتياد عليه في العصور المتأخرة، لذلک يحصل الاختلاف بعض الشيء، ففي بعض دول الخليج يتم في الليلة الثانية الحديث ـ في جهة المصيبة ـ عن الخروج من المدينة، وفي الثالثة عن الخروج من مکة، وفي الرابعة عن مسلم بن عقيل وفي الخامسة عن نزول کربلاء. وفي ليلة العاشر يقرأ البعض المصرع ـ إن لم يکن مجلس صباحي ـ. ولا يخفي أن هذا الالتزام قائم بالنسبة للمصيبة والرثاء، دون المواضيع والمضمون فقد تتعدد المواضيع ولا ترتبط من البداية بالمصيبة التي ستقرأ في الأخير، والکلام في المتن إنما هو حکاية ما هو سائد غالبا في المنابر التقليدية.

[2] التعيني والتعييني مصطلحان أصوليان، يبحث عنهما في العلاقة و الارتباط الحاصل بين اللفظ والمعني، فمثلا کلمة کتاب تحمل معني هذه الأوراق المجموعة علي نحو خاص.. ويتبادر إلي الذهن عندما تطلق الکلمة ذلک المعني، فمن أين حصل هذا الارتباط بين المعني الذي سبق إلي الذهن وبين ذلک اللفظ؟ قال بعض بالوضع التعييني أي أن واضع اللغة ـ علياختلاف المسالک في هوية الواضع ـ قد عيّن ووضع هذا اللفظ بإزاء ذلک المعني بأن يقول وضعت لفظ (کتاب) في هذا المعني المعين. والثاني وهو الوضع التعيّني بأن يکثر استعمال اللفظ في معني بحيث لا يحتاج إلي تعيين الواضع، ولا يحتاج انسباق المعني إلي قرينة. وقد استفاد المؤلف من هذين الاصطلاحين في هذا المورد.

[3] تجاربي مع المنبر للوائلي ص 57.