بازگشت

الا يخشي ان تودي كثرة التدقيق في مسائل السيرة


الجواب: نحن نعتقد خلاف ذلك للأمور التالية:

1- لأننا مأمورون بالمعرفة والوعي في كل قضايانا العقيدية، وقد رأينا أن الذين ساروا علي غير بصيرة ومن دون معرفة كيف انتهي بهم الحال إلي مشاكل في الرؤية والعمل.

ومن ذلك ما يقوله أمير المؤمنين (عليه السلام) في إحدي وصاياه لكميل بن زياد:

(يا كميل: ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلي معرفة)، ويحذر المعصومون (عليهم السلام) من السير دونما بصيرة، لأن ذلك إضافة إلي أنه تبديد للجهد والطاقة و لا يوصل المرء إلي الهدف إطلاقاً بل يبعده عنه. يقول الإمام الصادق (عليه السلام):

(العامل علي غير بصيرة كالسائر علي غير طريق فلا تزده سرعة السير إلاّ بعداً) [1] .

ويجعل الإمام الصادق (عليه السلام) مقياس التفاضل بين العاملين، المعرفة، والبصيرة التي تجعل أعمال المؤمن ضمن الإطار الصحيح، فليست كثرة الصلاة والعبادة الخالية عن الوعي دليلاً علي أفضلية المؤمن، إنما البصيرة الرسالية التي تعطي كل عمل أبعاده الكاملة في شخصية المؤمن.. فعن ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام) قال:

بعضكم أكثر صلاة من بعض وبعضكم اكثر حجاً من بعض، وبعضكم أكثر صدقة وبعضكم أكثر صياماً من بعض. و أفضلكم أفضل معرفة

2- نحن نعتقد أن هناك ارتباطا وثيقا بين المعرفة العلمية، وبين قوة الاعتقاد وديمومة الولاء لأنه يكون في هذه الحالة ثابتا لا يتأثر بعواصف التشكيك [2] ، ولا بحملات الآخرين، وإنما لسان حال المؤمن (هذه سبيلي أدعو علي بصيرة أنا و من اتبعن)، لهذا كان ايمان العلماء بالغيب وما يرتبط به أقوي من إيمان غيرهم، وكان (إنما يخشي اللهَ من عباده العلماءُ).

3- بل هناك ارتباط بين مقدار الثواب والمنزلة الالهية، وبين الوعي والمعرفة، فصلاة العالم العارف تختلف عن صلاة غيره [3] وزيارة المعصومين عليهم السلام مطلوبة لكن زيارة الزائر إذا كان (عارفا بحقهم) أفضل.

ثم إننا نعتقد أن الكثير مما هو في السيرة ثابت ومحقق، وينبغي الاعتناء به، ولكن هناك بعض القضايا مما لا تعد من الأساسيات، لا ثبوت لها، وهذه لا يؤثر قبولها وردها كثيرا في ميزان الولاء والاعتقاد. حيث أنها لا تتصل في الغالب بأمور عقيدية وإنما هي تفاصيل في السيرة

ولو كان المذكور صحيحا، أن التحقيق والبحث والمعرفة تؤثر سلبا علي الولاء والاعتقاد السليم لرأينا أئمتنا ينهون عن التعلم والتعرف والحال أنهم يأمرون به. ولرأينا علماءنا يجتنبونه والحال أنهم يحققون فيه.

بل بالعكس نعتقد أن الانسان كلما ازداد بصيرة، ازداد بمقدارها اعتقادا و ولاء.


پاورقي

[1] الأحاديث من تحف العقول.

[2] للتفصيل يراجع کتاب التشکيک.. کيف واجهه أهل البيت.. للمؤلف.

[3] في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام (من أتي الصلاة عارفا بحقها غفر له). وفي الحديث عن الامام الکاظم عليه السلام (ما أتي الحسين آت عارفا بحقه إلا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) يراجع ميزان الحکمة.