بازگشت

الخطيب والمستوي العلمي


في فترة سابقة كان المألوف ـ في المجتمع الشيعي العربي ـ أن العالم لا ينبغي له أن يصعد المنبر الحسيني وإنما المنبر هو شغل من ليس له مستوي علمي، ومن لم يفلح وينجح في الدراسة، فهذا هو الذي يكون (روزه خون) [1] وأما الذكي وصاحب المستوي العلمي فينبغي أن ينشغل في علوم الفقه والأصول والحكمة..

أنتجت تلك النظرة السقيمة والتي اختص بها المجتمع الشيعي ـ العربي ـ ولذا لا تجدها في المجتمع الشيعي الايراني ولا الهندي أو الباكستاني أو التركي الذي يكثر فيها (المجتهدون الخطباء)، أنتجت أن صار المنبر مقتصرا، في الغالب، علي الرثاء وعلي المعاجز والقصص العجيبة، التي لا ينتظر من الخطيب غيرها، ولا ينتظر السامع منه غير أن يحصل علي الثواب بسبب الحضور في مجلس عقد باسم الحسين عليه السلام.

لكن الوضع تغير في الفترة الأخيرة بحمد الله بعدما توجه أعاظم العلماء ورواد المرجعية إلي الدور الاستثنائي الذي يقوم به المنبر في صقل النفوس وفي إيصال الفكر المحمدي والعلوي إلي الناس، فكان أن وجهوا وشجعوا العديد من ذوي الكفاءة الأدبية والعلمية إلي الاهتمام بالمنبر والخطابة، ونتج من ذلك ما نراه اليوم من بركات.

ومع عودة المنبر إلي مكانه الطبيعي وإقبال الناس علي الحضور إليه لا سيما في الموسمين (محرم ورمضان) فإن ذلك يحمل الخطيب مسؤولية مضاعفة، وربما يتصور بعض الناشئة من الخطباء أن الطريق السهل والسريع إلي الصعود والشهرة هو الصوت الجميل والحفظ الكثير، وهو صحيح في بداية الأمر لكنه ليس دائما، فقد يستمرئ شخص عصيرا طيبا، ولكنه لا يتخذه إلي الأخير غذاء لبدنه. وقد يحلو لشخص استماعه لترنيمة حزينة ولكنه لا ينفق الساعات دائما لاستماعها، ولك أن تتحقق من صدق هذه المقولة بما نلاحظه في المجتمع عيانا. فقد أصبح المستمع يقيم الخطيب الفلاني بتميزه عن سائر الخطباء، ويميز خطابه اليوم عن خطابه بالأمس من ناحية المستوي، ويطالب بمستويات أعلي، وهكذا.

وهذه الأمور تدعو إلي أن نتوجه وإخواني الخطباء إلي تحصيل مزيد من العلم والمعرفة، والحصول علي قدرة في التحقيق والتدقيق في المسائل والقضايا التي نطرحها للناس.


پاورقي

[1] کلمة فارسية معناه قارئ الروضة، وأصل ذلک أن عالما يسمي الملا حسين الکاشفي (توفي حوالي 910 هـ) قد ألف کتابا باسم (روضة الشهداء) يتناول مصارع شهداء کربلاء ومصائب العترة الطاهرة، وهو من أوائل من کتب في هذا المجال بذلک النحو، فکان الخطباء يقرؤون منه علي المنبر، فسمي الحطيب لذلک (قارئ الروضة) أي کتاب روضة الشهداء، ومع أنه قد کتبت کتب أخري في نفس الموضوع، بل إن الخطباء لم يعودوا يقرؤون من الکتب لکن الاسم بقي ولم يتغير.