بازگشت

التألف من كتب التراث


ولا يجهل أحد: أن هناك كماً هائلاً لا مجال لتصوره قد تلف وضاع عبر الأحقاب التاريخية المتعاقبة.

وقد تجد ذكراً للكثير من المصادر التي كانت متداولة في أيدي المؤلفين والمصنفين الذين سبقونا، وقد نقلوا لنا عنها أشياء لم تذكر فيما وصل إلينا ونتداوله نحن الأن من مؤلفات القدماء، وقد أشار بعضهم – كصاحب البحار وسواه – إلي العديد منها، ونقلوا عنها الكثير، لكنها قد تلفت قبل أن تصل إلينا.

فهل نستطيع أن نتهم هؤلاء العلماء الأعلام الأطياب الأخيار بممارسة الكذب والإختلاق فيما ينقلونه عن تلك المصادر والمؤلفات المفقودة…؟!

وهل يصح للشهيد مطهري وسواه: أن ينفي أمراً يحتمل أن يكون ناقله قد أخذه من مصادر لم تصل إلينا - وما أكثرها؟!…

ومن الواضح: أن المعصوم قد عاش بين الناس حوالي مائتين وثلاث وسبعين سنة، ثم بقي بالقرب منهم – بالإضافة إلي ذلك – تسعاً وستين سنة – يدبر أمورهم، ويعطيهم توجيهاته من خلال السفراء، ثم كانت الغيبة الكبري…

وقد كان المعصوم (ع) يقوم بواجبه علي أكمل وجه، ولا يدع فرصة – مهما كانت ضئيلة – إلا وينشر فيها علمه ومعارفه بالقول والفعل، وبكل وسيلة ممكنة، بل إن كل حالة من حالاته وكل لفتة من لفتاته تشير إلي حكم إلهي، وإلي تشريع رباني، وهو حجة وبلاغ.

فلو أن أحداً حاول أن يرصد ويسجل ذلك كله، ألا تري معي أنه سيسجل مئات الصفحات في كل يوم، وألا يوضح ذلك لنا حقيقة: أن كل ما عندنا من أحاديث لا يعدل ما يصدر عنه عليه السلام في مدة شهر واحد أو شهرين، وحتي لو كانوا ثلاثة أشهر أو أزيد، فإن ذلك يؤكد لنا حجم الكارثة التي لا نزال نعاني من أثارها، وهي أن ما ضاع عنا – لأسباب مختلفة – لا يمكن أن يقدر بقدر ولا يقاس بما نعرف من أحجام…

وأين يقع ما أورده صاحب كتاب البحار، وهو أضخم موسوعة حديثية مما فقدناه وأضعناه؟!.

وها نحن لا نزال نجد الكثير الكثير من أحوال وأقوال أئمتنا متناثراً في ثنايا الكتب، في كل ما يطبع وينشر من كتب التراث.

فهل يصح لأحد بعد هذا أن يبادر إلي نفي قضية ما لمجرد أنه لم يجد في عدد يسير من كتب التاريخ التي راجعها ذكراً لما يبحث له عن ذكر أو سند؟!.