بازگشت

مع ما ينسب الي الشهيد مطهري


إن الحديث عن حضور ليلي أم علي الأكبر رضوان الله عليه قد كثر وفشا بطريقة غير سليمة ولا مألوفة، بسبب ما أثير حول هذه القضية من شبهات أنشأت علاقة ذهنية و نفسية تكاد تكون راسخة فيما بين هذه القضية وبين الأسطورة والخيال، والاختلاق والدس في سيرة عاشوراء المباركة…

ولعلنا لا نبعد إذا قلنا: إن هذه القضية قد أصبحت عنواناً ومفتاحاً ومدخلاً، ومناسبة للحديث عن الأسطورة في عاشوراء بكل عفوية وراحة بال، وهي المقال المناسب لمثل هذه الحال.

ولانبعد إذا قلنا أيضاً: إنه لو صح ما نسب إلي الشهيد السعيد العلامة الشيخ مرتضي المطهري رحمه الله، وأعلي مقامه ودرجته في جنات الفردوس الذي يعتبر علماً من أعلام الثقافة الاسلامية، ورائداً من رواد المعرفة الحية والأصيلة في هذا العصر، نعم لو صحت النسبة إليه، فإن ذلك لا يمنع من أن تجد - وفقاً للقول المعروف - لكل جواد كبوة، ولكل عالم هفوة.

وربما تكون هذه الهفوة قد حصلت قبل أن تتقوي ملكاته الفكرية، وتنضج آراؤه العلمية، ويتصلب عوده، ويشتد ساعده، ويتألق في سماء المعارف نجمه.

ولعل ما نسب إليه من رأي حول حضور ليلي في كربلاء هو في هذا الإتجاه بالذات حيث إنه رحمه الله يكون هو الذي أثار هذا الجو التشكيكي بقوة وحماس، وتبعه علي ذلك كثير من الناس، الذين لم يرجعوا إلي المصادر، ولم يراجعوا النصوص ليتدبروا أقواله وحججه، ليقفوا علي مدي صحتها وصدقيتها، وقوتها في إثبات ما يرمي إلي إثباته، وذلك ثقة منهم بحسن تصرف هذا الرجل الجليل فيما يتوفر لديه من معارف، وبقوة عارضته في الاستدلال، وسلامة وصحة مقدماته التي تؤدي به إلي الاستنتاج، وفقاً للمعايير المعقولة والمقبولة.

ولم يدر في خلدهم أن العصمة هي لله سبحانه وحده، ولأوليائه الأنبياء والأئمة الطاهرين، ولعل الشهيد لم يكن حين تصدي لهذا الامر قد استجمع الوسائل، ولا استفاد من التجارب ولا حصل علي المؤهلات التي تكفيه لإصدار أحكام في مثل هذه الأمور التي ليست من اختصاصه وبالاخص إذا عالجها في أجواء تهيمن عليها المشاعر المحكومة بمسبقات ذهنية، ترتكز إلي نظرة تشاؤمية، ترشح من سوء الظن.

بل يظهر لنا أنه رحمه الله حين كتب ما كتب، أو حين قال ما قال عن وقوع التحريف في قضايا كربلاء وعاشوراء لم يكن في أجواء تأمل وتدقيق علمي هادئ، وإنما كان يطلق ذلك في أجواء جماهيرية إستدرجته إلي القسوة في التعبير، وإلي إطلاق الأحكام والدعاوي الكبيرة بطريقة التعميم الذي لا يستند إلي قاعدة مقبولة أو معقولة، فانتهي – من ثَمَّ - إلي استنتاجات لاتحتملها ولا تتحملها المقدمات ولا تقوم بها الركائز التي استندت إليها.

وإن مراجعة دقيقة للمحاضرات المنسوبة إليه رحمه الله في كتاب الملحمة الحسينية لكفيلة بأن توضح إلي أي مدي ذهب به الإسترسال أحياناً، حتي كأنك لا تقرأ الشهيد المطهري بل تقرأ رجلاً آخر، لم يمارس البرهنة العلمية الدقيقة، ولا اطلع علي فنون الاستدلال وعناصره، وأركانه وشرائطه.

وقد تقدم أنه رحمه الله قد أخفق في كثير من الموارد التي سجل فيها تحفظاته من حيث الوثوق بثبوتها التاريخي.. فإن الحق في كثير منها كان في خلاف الاتجاه الذي نحا إليه واختاره.. أو علي الأقل لم يستطيع أن يثبت ما يرمي الي إثباته بل كان دليله هو مجرد الدعوي، والدعوي هي نفس الدليل، مع الكثير من التهويلات، والتعميمات الجريئة التي لا تقبل إلا بدليل حاسم وقوي، وبالبرهان العلمي.