بازگشت

الشهيد لا يرضي بنسبة الكتاب اليه


وبعد ما تقدم نقول: اننا نكاد نطمئن، إلي ان كتابا هذه حالاته، وتلك هي ميزاته، ومواصفاته، لا يمكن ان يرضي الشهيد السعيد العلامة المطهري بان ينسب اليه، خصوصاً اذا قيس بسائر مؤلفاته، التي تتميز بالإحكام وبالإنسجام.

ولو انه كان رحمه الله علي قيد الحياة، لم يرض بنشره، وعليه اسمه، لأنه – وهو بهذه الحال – يحط من مقامه العلمي الرفيع، ويسيء الي موقعه الثقافي المميز ولكان رحمه الله قد زاد عليه، وحذف منه، وقلّم، وطعّم، وغيّر وبدّل الشيء الكثير..

وكيف يمكن أن يرضي رحمه الله بأن يعمد أحد الي اشرطة سجلت عليها محاضرات كان قد ألقاها قبل وفاته بسنوات كثيرة، ويستخرج ما فيها وينشره بعجره وبجره، وعلي ما هو عليه؟!.

ولعله وهو يرتجل كلامه (وارتجال الكلام يختزن في داخله فوات فرص التأمل والتدقيق) قد عمم في مورد التخصيص، واطلق فيما يحتاج الي التقييد، ولعله أطنب في موضع الاختصار، وقدم ما يستحق التأخير، وغفل عما كان ينبغي الإلتفات والإلفات اليه؟!.

وكيف يرضي رحمه الله، أن يضمن كتابه أسئلة تشكيكية خطيرة، دون أن يشير الي الاجابة عنها. وهو الذي كان قد أخذ علي نفسه الذب عن حياض هذا الدين، والحفاظ علي حقائقه، وحراسته من كل سوء يراد به؟!؟

وكيف يمكن أن يرضي بعرض اخطر واعظم القضايا، وأكثرها حساسية، وأبعدها أثراً في حياة وبقاء الاسلام والايمان، من خلال قصاصات تركها، كان قد كتبها لأغراض مختلفة، وفي حالات متفاوتة؟!.

فهل يرضي ان ترتهن اخطر قضية وأغلاها، واعظمها واسماها، بهذه القصاصات التي قد لا تمثل الرأي النهائي لكاتبها؟!.

بل قد يكون ما كتبه عليها هو الرأي الآخر، لمن كان يهيئ للرد عليهم، وتفنيد أقوالهم.

ولعله أشار الي جزء أو بعض الفكرة، ولم يشر الي البعض أو الجزء الآخر منها، اعتماداً منه علي ذاكرته، أو علي بداهة الأمر في عمق وعيه.

ولعله قد سجل عليها تحفظات افتراضية، ولم يسجل عليها سائر ما يدور في خلده من أجوبة أو من حيثيات، وخصوصيات، وشروحات، ومؤيدات.

وكل ذلك يوضح: انه لايمكن أخذ رأي الشهيد من كتابٍ هذه حاله، والي ذلك كان مآله، فلعله كان يريد العودة الي مضامين محاضراته وخطاباته، والي قصاصاته ليقلِّم ويطعّم وينقّح ويصحّح ويقدّم ويؤخّر ويتأمّل ويتدبّر. ويضيف اليها ما استجد له من دلائل وشواهد.

ولعله يريد تخصيص بعض عموماتها، وتقييد بعض مطلقاتها، خصوصاً فيما جاء علي سبيل الخطابة والارتجال، فضلاً عن غيره.

ومن جهة أخري: لعله رحمه الله لا يرضيه تلخيص هذا أو ذاك لكلامه، ويجد انه لم يستوعب ما يرمي إليه، وأنه قد أخل بمقاصده…

وربما لا ترضيه العناوين التي أدخلها الآخرون، ولا التقسيمات التي مارسها المقسمون، ولا التصحيحات التي أعملوها، ولا الإضافات التي قاموا بها، لاكمال عبارة هنا أو نص هناك..

الي غير ذلك من أمور لا يصعب ملاحظتها علي الكتاب المذكور.؟

وأخيراً نقول: لقد عودنا علماؤنا الأبرار ان لا ينسبوا بصورة القطع و الحتم ما يورده حتي أعلام الأمة في تقريرات دروس أساتذتهم الي اولئك الأساتذة، فلا ينسبون ما جاء في أجود التقريرات مثلا الي الشيخ النائيني بالقطع والحتم، بل يقولون نقل أو حكي عن الشيخ النائيني أو نسب اليه قوله.

وذلك لمراعاة احتمال ضئيل جداً وهو ان يكون ثمة أدني خلل في تلقي العبارة عنه، مما قد يوجب تغييراً في مفاد الكلام.

فكيف يجوز لنا ان ننسب للشهيد المطهري كتاباً قد ظهرت هناته، وتلك هي حالاته وميزاته؟! مع ان الدرس مبني علي توخي الدقة في التعبير من قِبَل الأستاذ.. أما القصاصة والمحاضرة والخطاب فان الحديث فيه مبني علي التسامح والارتجال والعفوية كما قلنا.