بازگشت

ما لا مبرر لتكذيبه


واما ما لا نجد مبرراً مقبولاً للحكم عليه بأنه مكذوب ومفتعل، سوي مجرد الاستبعاد الذي لا يستند الي دليل، أو ان دليله ضعيف ومردود، او انه يحتاج الي المزيد من التقصِّي والتتبع والشواهد والدلائل. فهو الموارد التالية:

1- ما نسب الي الشهيد المطهري من انه قال: ليس صحيحاً بانهم لم يذوقوا طعم الماء لثلاثة أيام متوالية، كما يدعي اصحاب الاساطير.

وحجته علي ذلك: انهم وان كانوا قد مُنِعوا عن الوصول الي الشريعة، لكنهم بفضل العباس استطاعوا الوصول الي الشريعة، وجلب الماء، لا سيما ليلة العاشر من المحرم، حيث استطاعوا الاغتسال في تلك الليلة [1] .

ونقول:

أولاً: لا ندري كيف اغتسلوا في تلك الليلة، وصرفوا جميع ما عندهم من ماء، وهم يعلمون أنهم محاصرون ممنوعون من الماء؟! فلماذا لم يحسبوا لهذا الأمر أيَّ حسابٍ، وهم يعرفون أن معهم أطفالاً ونساءاً وشيوخاً؟!.

ثانياً: قد عرفنا: ان سبب استشهاد العباس عليه السلام هو محاولته جلب الماء من الشريعة، فخرقوا قربته، وقطعوا يديه.. الي آخر ما هناك مما هو معروف ومشهور، وفي كتب التاريخ مسطور، وقد ذكره أيضاً نفس مؤلف كتاب الملحمة في نفس الجزء والصفحة.

و واضح: انه لو كان العباس رضوان الله تعالي عليه قد بذل أية محاولة قبل ذلك الوقت لكان قد تعرض للممانعة الشديدة من قبل أربعة آلاف فارس، كان ابن سعد قد وكّلهم بالشريعة، لمنعه عن الاستقاء منها [2] ولكانت القربة خرقت، والجريمة في حقه ارتكبت.

2- دعوي قدوم السيدة زينب، ووقوعها علي جسد ابي عبدالله، وهو يحتضر، وقيل: فرمقها بطرفه، وقال لها اخوها: ارجعي الي الخيمة، فقد كسرت قلبي، وزدت كربي [3] .

ولا ندري لماذا تجعل هذه الحادثة من الوقائع الكاذبة والمحرّفة، إلا اذا كان الكاتب ومن سبقه يعتبر: ان كلام الامام عليه السلام الموجه لها يدل علي انها قد أساءت في مجيئها اليه..

والحقيقة هي انه لا يدل علي اكثر من انه عليه السلام قد رثي لحالها، وتألم لما يجري لها.

كما أن نفس مؤلف كتاب الملحمة الحسينية سيقول لنا: ان الامام عليه السلام كان يتعمد صنع مشاهد كربلائية دموية وغيرها، من أجل الاعلام للحركة الجهادية المباركة التي يخوضها.

3- قصة زيارة الاربعين، حيث عرج الاسري علي كربلاء في العشرين من صفر، أي بعد أربعين يوماً من الوقعة. فان هذا الامر لم يذكره إلا السيد ابن طاووس في اللهوف، ونقله من بعده ابن نما في كتابه مثير الاحزان، وقد تم تاليفه بعد وفاة ابن طاووس بأربعة و عشرين عاماً [4] .

بالاضافة الي انه ليس هناك أي دليل عقلي علي حصولها، وان الطريق الي المدينة لا يمر عبر كربلاء، بل يفترق عنه من الشام نفسها [5] .

ونقول:

اولاً: ان اعتبار هذا الامر من جملة المكذوب والمحرف؛ لمجرد عدم وجدانه في كتب من عدا ابن طاووس، لا يدل علي عدم الوجود، فلعل السيد ابن طاووس قـد نقل ذلك عن كتب لم تصل الينا..

ثانياً: ان شأن السيد ابن طاووس أجل من ان يتهم باختراع الاكاذيب..

ثالثاً: هل الحدث التاريخي يحتاج الي دليل عقلي يدل علي حصوله؟

رابعاً: هل الطريق الي كربلاء الذي يفترق عن طريق المدينة من الشام هو نفسه الذي كان يسلكه اهل ذلك الزمان؟!

وهل كان هو الطريق الوحيد الذي يسلكه المسافرون الي هذين البلدين؟!.

خامساً: لقد روي الشيخ الصدوق رحمه الله تعالي بسنده، عن فاطمة بنت علي صلوات الله وسلامه عليه، نصاً يقول: ثم إن يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين عليه السلام فحبسن، مع علي بن الحسين، في محبس لا يكنهم من حر ولا قرّ، حتي تقشرت وجوههم…إلي أن تقول: إلي أن خرج علي بن الحسين عليه السلام بالنسوة، ورد رأس الحسين إلي كربلاء [6] وصرح البيروني – المتوفي سنة 420 هـ – أن الرأس رد في العشرين من صفر [7] وكذا قال غيره كابن حجر [8] و القزويني المتوفي سنة 682 هـ. فالقزويني معاصر لإبن طاووس تقريباً، والبيروني متقدم عليه بحوالي250 سنة.

ومن الواضح أن الأسري لم يبقوا في الشام إلي السنة الثانية، بل عادوا في نفس السنة، بل عن مصباح المتهجد أنهم وصلوا إلي المدينة في يوم العشرين من صفر [9] .

فكيف ينسبون إلي الشهيد أنه قال: إن أول من تحدث عن ذلك هو إبن طاوس.

4- حكاية حامل الرسالة الي الامام الحسين عليه السلام بالمدينة، حيث إنه حين مجيئه اليه صادف ان رأي خروجه الي مكة، وحوله بنو هاشم، وحولهم الرجال، والحراس، والاحصنة المزينة، المحملة بالأمتعة، وانواع الديباج والحرير [10] .

ونقول:

إن كان رحمه الله قد حكم علي هذه الرواية بالوضع والتحريف لجهة أن الامام عليه السلام لم يخرج معلناً، كما يفهم من هذه الرواية، وانما خرج خائفاً يترقب..

فان حديث هذا الرسول لا ينافي سرّية الخروج. لأن اجتماع بني هاشم حول الامام حين خروجه بعياله لا يمنع من كون الاجتماع سرّياً بالنسبة للهيئة الحاكمة.

وان كان حكمه عليها بذلك بسبب ذكر الديباج والحرير. فذلك لا يعني ان الامام عليه السلام قد لبس ذلك الحرير، وارتكب بذلك محرماً، بل هو لا يعني ان ذلك الديباج و الحرير كان ملكاً له عليه السلام، فلعله لبعض من معه، من الرجال او النساء.

5- دعوي ان الحوراء زينب قد خرجت ليلة العاشر، فاطّلعت علي اجتماعين: احدهما لبني هاشم، والآخر للاصحاب، يظهرون فيهما استعدادهم للحرب؛ فأخبرت أخاها الحسين بذلك [11] .

و لاندري لماذا يحكون علي هذه القضية بأنها مكذوبة أو محرفة؟!..

6- مجيء زينب الي اخيها الحسين وهو صريع يجود بنفسه، فرمت بنفسها عليه، وهي تقول: أنت أخي، أنت رجاؤنا، أنت كهفنا، أنت حمانا [12] .

ولانعلم سبب عدّهم هذه القضية ايضاً من الاكاذيب، فان الامام الحسين كان يهتم برسم المشاهد العاطفية، انسجاماً مع رسالته الاعلامية، حسبما ذكره الكتاب المنسوب الي الشهيد المطهري، والمسمي باسم: الملحمة الحسينية.

7- دعوي ان الامام عليه السلام قد دخل علي ولده السجاد، بعد استشهاد أهل بيته واصحابه، وصار الامام السجاد عليه السلام يسأله عما جري، وعن الاصحاب، فرداً فرداً، وجواب الامام عليه السلام له بأن الحرب قد وقعت، وإنه لم يبق من الرجال غيرهما.

مما يوحي بأن الامام السجاد عليه السلام لم يكن واعياً لما كان يجري [13] .

وما المانع من حدوث هذه الاسئلة بهدف اظهار حجم المأساة، وتقرير وقائعها، و لغير ذلك من أهداف؟ فان ذلك لا يستدعي الحكم علي الامام عليه السلام أنه كان فاقداً لوعيه.

8- دعوي عدم وجود أحد من أصحاب الامام الحسين عليه السلام ليقدم له جواده، فقامت السيدة زينب بذلك.

وكذلك الحوار الذي جري له معها عليهما السلام [14] .

والحديث عن هذه القضية ايضاً يعلم مما قدمناه في سابقاتها.

9- ان زينب اثناء وداعها لأخيها تذكرت وصية أمها بأن تقبّله عليه السلام في هذا الموقف في عنقه، فقبّلته في هذا الموضع نيابة عنها. مع ان عمر العقيلة لدي وفاة أمها الزهراء لم يكن يتجاوز الخمس سنوات [15] .

ونقول:

إننا لا نري مانعاً من ان تعي العقيلة وصية أمها، وهي في هذا السن المبكر، وهي التي شهد لها الامام السجاد عليه السلام بتميزها العظيم حين قال لها: أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة [16] .

و الطفل يتذكر اشياء كثيرة، خصوصاً ما له جهة عاطفية، فكيف اذا كان هذا الطفل هو السيدة زينب عليها السلام.

10- حكاية عدم انطلاق الفرس مع الامام الحسين عليه السلام إلا بعد وصول أحد أطفال أهل البيت، ولقائه بالحسين عليه السلام [17] .

وما المانع من ذلك اذا كان الله يريد اظهار هذا الجانب العاطفي بواسطة هذه الكرامة في هذه اللحظات الحرجة.

11- قدوم ابي حمزة الثمالي الي بيت الامام السجاد، ففتحت له الجارية التي فرحت بقدومه، لأنه سيسلي الامام المضطرب، والغائب عن الوعي، فدخل علي الامام وصار يواسيه. فأخبره الامام بحال الاسري، من النساء، والأهل، والاطفال [18] .

ونقول:

ما المانع من صحة هذه الرواية. وما هو السبب في اعتبارها خرافة؟! اللهم الا عبارة المضطرب والغائب عن الوعي التي نحتمل احتمالاً قوياً ان يكون ذلك سوء تعبير من الراوي.

كما انه قد يكون تعبيراً منها عن شدة الأسي الذي كان يظهر علي الامام الي درجة انه كان لا يهتم بما تهتم به تلك الجارية، ولا يدير له بالاً..

12- حكاية حضور هشام بن الحكم لمجلس عزاء، ثم أخبر الامام الصادق عليه السلام بالأمر، فأعلمه عليه السلام: أنه كان حاضراً في ذلك المجلس، دون أن يراه أحد. وذكر له الامام كشاهد علي ذلك: ان رداءه قد وقع عن كتفه عند الباب، في حال خروجهم من ذلك المجلس. فعرف هشام صحة ذلك [19] .

ولا ندري ايضاً سبب الحكم علي هذه الرواية بأنها مكذوبة.. وماالمانع من صحتها فان للأئمة كرامات أعظم من ذلك.

13- اختلاق بنات من الذرية الطاهرة، لا سيما لابي عبدالله عليه السلام، ومنهن من قالوا: إنها بقيت في المدينة، وأخري زوجوها في كربلاء، وثالثة أماتوها من العطش تصديقاً لكلام جبرائيل… صغيرهم يميتهم العطش.. واخري قتلت في ساحة الوغي، مثل عبدالله بن الحسن [20] .

ونقول:

ان مراجعة التواريخ التي هي في اعلي درجات الاعتبار عند هؤلاء تظهر لكل احد الي أي حد بلغت الاختلافات والاقوال المتهافتة وغير المتهافتة في مثل هذه الامور، التي يقع الرواة في الوهم والخطأ، والخلط فيها، وفيما بينها لأكثر من سبب.

كما أن الوهم والخلط قد يقع في أزمنة متأخرة عن عصر الرواة، بسبب خطأ النساخ، وما يقع من سقط وتصحيف وذهول اثناء نسخهم الكتب، وما الي ذلك.

ولو كان هذا سبباً للحكم علي المؤلفين بالكذب، لم يبق لنا كتاب نعتمد عليه.

14- قصة الطفل الذي كان لأبي عبدالله الحسين في الشام. وكيف انه أراد رؤية أبيه، فجاؤوه برأس الحسين، ومات هناك [21] كما عن نفس المهموم.

ونقول:

لعل سبب حكمهم علي هذه القضية بالكذب: انهم يعتقدون انه لم يبق للامام الحسين عليه السلام ولد بعد واقعة عاشوراء، إلا الإمام السجاد عليه السلام.

وجوابنا: ان ذلك لا يوجب رد هذه الرواية، والحكم عليها بالاختلاق، لاحتمال وجود تحريف او اسقاط فيها، بحيث يكون الطفل المذكور ليس من اولاده عليه السلام، بل يكون احد ابناء الشهداء من أهل بيته صلوات الله وسلامه عليه. وما أكثر ما يحصل من هذا القبيل.

15- الطفل الاسير الذي سحله (أي سحبه) أحد الفرسان بواسطة الخيل حتي خنق ومات [22] .

ولا ندري ما هو المانع من ان تكون هذه القصة صحيحة ايضاً، فان الحديث فيها لا يبعد عن الحديث في سابقاتها.

16- قصة الفتاة اليهودية المشلولة التي شفيت بتزريق الطير نقطة من دم الحسين عليه السلام في بدنها [23] .

17- قصة بقاء فاطمة الصغري في المدينة، وابلاغ الطير الاخبار لها [24] .

فان هاتين الحادثتين ربما يكون لهما نصيب من الصحة، حتي لو امكنت المناقشة في بعض الخصوصيات المذكورة فيهما..

18- بعض القراءات او العبارات التي ترد في المآتم، التي تظهر أهل البيت، او أصحاب الحسين يلتمسون شربة الماء بكل ذل من الاعداء [25] .

وقد تقدم: ان الامام الحسين عليه السلام كان يهتم باظهار الحالة المأساوية، ومستوي الاجرام لدي اولئك المجرمين الحاقدين.

وكذلك باظهار مقامات الصبر، والتحدي، والتحمل، واليقين، والمعرفة بالله لدي اصحابه..

وهذه هي الحقيقة التي اكدها الكتاب المنسوب للشهيد المطهري نفسه حيث قال: التكتيك الخامس كان في خلقه وايجاده لمشاهد اكثر مساعدة لايصال رسالته التبليغية. وذلك من خلال صبغ المشاهد الحساسة للمعركة بلون الدم القاني، كرمي دم الرضيع نحو السماء، وقوله عليه السلام: عند الله احتسبه، ومن ثم تخضيب وجهه ورأسه بذلك الدم، وقوله: انه يريد لقاء الله بتلك الحالة. والي جانب ذلك يمكن ذكر مشاهد عناق الامام للقاسم، ولحبيب بن مظاهر [26] .

وقد تكرر هذا المعني اكثر من مرة في هذا الكتاب فراجع [27] .

بل يقول: ان واقعة الامام الحسين يبدو انها جاءت لتعبر عن عرض مسرحي حماسي، ونهضوي، ومأساوي، وعظي، وتبلور للعشق الإلهي، والمساواة الاسلامية، والعواطف الانسانية. وكل ذلك في اعلي أوج ممكن.. الخ.. [28] .

19- حديث وجود ليلي في كربلاء.. وسيأتي الحديث عن ذلك بشيء من التفصيل إن شاء الله تعالي.


پاورقي

[1] الملحمة الحسينية ج1 ص48.

[2] راجع الملحمة الحسينية ج1 ص48.

[3] الملحمة الحسينية ج3 ص246 عن کتاب اللؤلؤ والمرجان للنوري ص92.

[4] الملحمة الحسينية ج3 ص246 عن اللؤلؤ و المرجان ص142.

[5] الملحمة الحسينية ج1 ص22 و راجع ج3 ص239.

[6] أمالي الشيخ الصدوق ص 142 وروضة الواعظين ص54.

[7] الآثار الباقية ج1 ص331 و عجائب المخلوقات للقزويني ج1ص115.

[8] روي ذلک عن ابن حجر. راجع زيارة الأربعين لکمال زهر ص 42.

[9] اقبال الأعمال ص 589.

[10] الملحمة الحسينية ج3 ص249 عن اللؤلؤ والمرجان ص175.

[11] الملحمة الحسينية ج3 ص250 عن اللؤلؤ والمرجان ص177.

[12] الملحمة الحسينية ج3 ص251 عن اللؤلؤ والمرجان ص179.

[13] الملحمة الحسينية ج1 ص46 وج3 ص250 و251 عن اللؤلؤ والمرجان ص 178.

[14] المصدر السابق عنه.

[15] المصدر السابق عنه.

[16] الاحتجاج ج1 ص114 ومقتل الحسين للمقرم ص388 والبحار ج45 ص164.

[17] الملحمة الحسينية ج3 ص250 و251 عن اللؤلؤ والمرجان ص178.

[18] الملحمة الحسينية ج3 ص251 عن اللؤلؤ والمرجان ص179.

[19] المصدر السابق ج3 ص251 و252 عنه.

[20] المصدر السابق ج3 ص256 عن اللؤلؤ والمرجان ص202.

[21] الملحمة الحسينية ج3 ص239.

[22] المصدر السابق ج3 ص240.

[23] الملحمة الحسينية ج3 ص239.

[24] المصدر السابق.

[25] الملحمة الحسينية ج3 ص240.

[26] الملحمة الحسينية ج3 ص314.

[27] الملحمة الحسينية ج3 ص315 و316.

[28] الملحمة الحسينية ج3 ص317.