بازگشت

الارتفاع الي مستوي الخطاب الحسيني


وبعد.. فان علينا ان نرتفع بالناس الي مستوي الخطاب الحسيني، من خلال تبني مناهج تربوية وتثقيفية في مجالات العقيدة والايمان، تهتم بتعريف الناس علي المعايير والضوابط المعرفية والايمانية. وتقدم لهم ثقافة تجعلهم يطلون من خلالها علي مختلف حقائق هذا الدين، وعلي آفاقه الرحبة، و ليميزوا من خلال هذه الثقافة بالذات بين الاصيل و الدخيل و بين الخالص والزائف في كل ما يعرض عليهم، او يواجههم، في مختلف شؤون الدين و التاريخ و الحياة.

وليخرجوا بذلك عن أسر هذا الذي ادخل في وعيهم عن طريق التلقين الذكي: ان الاسلام مجرد سياسة، و اقتصاد، و عبادة، و اخلاق، و علاقات اجتماعية.. فهو اشبه بالقانون منه بالدين الالهي، لان هذا الفهم يهيء لعملية فصل خطيرة للشريعة عن واقع المعارف الشاملة والمتنوعة، التي ترفد ذلك كله وسواه، وتشكل –بمجموعها - قاعدة إيمانية صلبة، تفتح امام هذا الانسان آفاقاً يشتاق الي اقتحامها، و تعطيه مزيداً من الاحساس بالغيب، و المزيد من الاهلية والقدرة علي التعامل معه، وادخاله الي الحياة، ما دام ان الانسان لن يسعد ولن يذوق طعم الحياة الحقيقية بدونه..

وان ابسط ما يفرضه علينا هذا الامر، هو ان لا نقدم الائمة (ع) للناس علي انهم مجرد شخصيات تتميز بالذكاء الخارق، والعبقرية النادرة. قد عاشت في التاريخ، وكانت لها سياساتها، وعباداتها، واخلاقها، و علاقاتها الاجتماعية.. ثم ما وراء عبادان قرية..

بل علينا ان نعرفهم لهم بأنهم فوق ذلك كله، إنهم أناس الهيون بكل ما لهذه الكلمة من معني وأن نلخص لهم - وفق تلك البرامج التثقيفية والتربوية التي اشرنا اليها - كل المعارف التي وردت في كتاب الكافي الشريف، وفي كتاب البحار علي سبيل المثال، ولو علي سبيل الفهرسة الاجمالية للمضامين لتمر علي مسامعهم اكثر من مرة -، ان امكن، لان المعصومين عليهم السلام ما قالوا شيئاً ليبقي مغيباً في بطون الكتب والموسوعات، بل ارادوا له ان يصل الينا وان يدخل في حياتنا ويصبح جزءاً من وجودنا كله.

فلابد إذن من اعداد ذهنية الانسان المسلم، وروحه وعقله لتقبل هذه المعارف، وللتعامل معها، من خلال معاييرها و منطلقاتها الايمانية و العلمية الصحيحة.

كما ان ذلك يعطي الفرصة للإنسان المؤمن ليستمع أو يطلع علي الكثير مما قاله قرآنه وانبياؤه وائمته المعصومون عن السماء والعالم، وعن الخلق والتكوين، و عن الآخرة و الدنيا، وعن كل شيء.. نعم كل شيء.

ولسوف يجد في ذلك كله ما يحفزه للسؤال عن المزيد، و يفتح امام عينيه آفاقاً رحبة، يجد نفسه ملزماً باستكناه كثير من جوانبها، و اكتشاف ما أمكنه اكتشافه من حقائقها.