بازگشت

وداوك فيك و ما تشعر


والملفت للنظر هنا: أننا قد نجد من بعض المخلصين ما يوحي بموافقتهم علي هذا الأمر، بل، وبمشاركتهم فيه بنحو أو بآخر…

ولو صح ما ينسب إلي بعض المخلصين في هذا الإتجاه فإن إخلاصهم يكون هو الشافع لهم، لأن مما لا ريب فيه أنهم لو التفتوا إلي واقع الحال لكان موقفهم في خلاف هذا الاتجاه قطعاً.

وربما يذكر إسم الشهيد مطهري في ضمن هؤلاء لو صحت نسبة كتاب الملحمة الحسينية إليه، ونحن لا نشك فقط بل نجزم بعدم صحة النسبة.

كما أننا في مجال التفريق بين المخلص والحاقد، وبين ما يرمي إليه الشهيد مطهري -لو صح أنه قال ما ذكروه عنه- نجد لزاماً علينا التفريق بين نوعين من الناس، وما أسهل التفريق والتمييز بينهما.

وهما:

النوع الأول:

نوع قضي حياته في البحث والتمحيص، ونصرة هذا الدين، والذب عن حياضه وتأييده، وتسديده بالدليل العلمي القاطع، والبرهان الساطع، وهو ملتزم بالطريق الوسطي التي هي الجادة، لا يكاد يحيد أو يشذ عنها حتي يعود إليها…

ولكن لا يعني أن يـكون الشهيد مطهري رحمه الله معصوماً عن الخطأ، مبرءاً من الزلل، ولا أنه قد أصاب كبد الحقيقة في كل كلمة قالها أو كتبها، ولا أن تكون كتبه هي والقرآن الكريم علي حد سواء، أو أن تكون علي حد كلام الأنبياء، والأئمة الأصفياء عليهم الصلاة والسلام.

بل قد يخطئ المطهري في الأمور العلمية، كما يخطئ غيره فيها، خصوصاً في أوائل حياته العلمية، ولأسباب عديدة أخري قد نشير إلي بعضها.

ولكن المسار العام لهذا الشهيد السعيد، هو مسار الصدق والاستقامة علي جادة الحق، والاهتمام بالبحث والتمحيص، كما أن سمته العامة هي إعتماد الدليل والبرهان سنداً ومعتمداً في معظم أطواره، وفي اختيار الأعم الأغلب من أفكاره.

وذلك يفيدنا: أنه حين يخطئ، فإن ذلك لا يكون منه عن سوء نية، ولا عن خبث طوّية، ولا لدوافع شخصانية، ولا لعقد نفسية.

النوع الثاني:

وثمة نوع آخر من الناس، قد عودنا علي إثارة الأمور بطريقة خطابية تعتمد التعميمات، وتنحو نحو الغموض، بل إنك لا تكاد تعثر له في كل حياته العلمية ولو علي مورد واحد استقل ببحثه، وتمحيصه، استناداً إلي الدليل العلمي..

رغم كثرة ما يكتب وينشر، وينظم وينثر، غير أنه يتميز بسمات ثلاث:

الأولي: تصيُّد شواذ الأقوال من هنا وهناك،وقد يعثر علي بعض أدلتها الواهية، فيبادر إلي إختلاسها. ثم هو يجمع بين متفرقات تلك الاقوال، ويؤلف بين مختلفاتها مضيفاً لها ما جال في خواطره،مما يسانخه، أو يشاطره حالة الشذوذ، والبعد عن الحقيقة، وظهور الزيف والبطلان، وقد يمتد به المدي إلي درجة أن يجتمع لديه ركام هائل، يضم العشرات، والمئات، بل وربما الآلاف من هذه المزاعم، ولا يدري هو ولا غيره، أين سينتهي به المطاف في نهاية الأمر.

الثانية: أنك لا تجد عند هذا النوع من الناس، إلا إدعاءات عريضة، وخطابات رنّانة، وشعارات فضفاضة وآراء تعد بالعشرات والمئات، في مختلف شؤون الدين قد شذ فيها عن طريقة علمائنا الأبرار، وعن ثوابت المذهب وقطعياته، وحاول من خلالها ان يقتحم المسلمات علي حد تعبيره.

إلي جانبه سيل من التجريح، وطوفان من الإهانات، والسباب الممنهج والمميز، في عمل إرهابي قوي مدمر، وصاعق ماحق، يختار مفرداته من قاموس مصطلحات خاص به، ويا ليتك تراه وهو يتألق ويتأنق عندما يصف مخالفيه بالتخلف، والعقدة، وبالحمار يحمل أسفاراً، وبالكلب إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث، وينسبهم إلي المخابرات الأمريكية، والموساد، ويصفهم بأنهم يكذبون، ويحرفون الكلام عن مواضعه، وأنهم - حتي مراجع الدين منهم - بلا تقوي، وبلا دين؟؟ وهلم جرا…

ولكن الأمر بالنسبة إليه يختلف تماماً، حيث إنه هو وحده المنفتح، المتوازن، العاقل، المفكر،المجدّد، ورجل الحوار، وسطَّر ما شاءت لك قريحتك، واجترحه وهمك، ولامسه خيالك، فتبارك الله أحسن الخالقين.

وما أروع، وما أحلي كلمة الحوار، وهو يديرها في فمه، وكأنها قطعة حلوي، وما أرقاه من حوار قرأت آنفاً بعض مفرداته، وتلك هي حالاته، يرفض فيه مدّعيه أن يكتب حرفاً واحداً، ثم يرفض مناقشة أي من أفكاره، أمام ثلة من العلماء، ليكونوا الحكم والمرجع، ويصر علي أن يكون حواراً في بيته، وخلف الجدران، ممهداً له بتلك الأوصاف وبغيرها مما يطلقه علي مخالفيه وناصحيه.

فبورك من حوار، وحيهلا بداعيته، وحامل لوائه، ومطلق شعاراته!!

ثم هو يشفع ذلك بالظهور، بلباس الصفح والتسامح، وبالمواعظ الرقيقة، إلي أن ينتهي الأمر بقراءته للآية الشريفة التي تجعل حاله مع من يخالفه الرأي كحال رسول الله (ص) مع المشركين، حيث يقول: بصوت رقيق، وأنيق، وبالانصات له حقيق: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون..

الثالثة: إن هذا النوع من الناس الذي ربما لم يمارس أي عمل علمي تحقيقي، اللهم إلا ما حاول أن يتخفي خلفه مما يختلسه من هنا وهناك من أدلة واهية لأقوال وأفكار خاطئة وشاذة، يستخدمها للتغطية علي واقع لا نحب توصيفه!! كما يستخدم أسلوب إغراق الساحة بأسرها بسيل من الأوامر، وبطوفان من الزواجر، والتوجيهات الفوقية التي تعني غيره فقط؟؟ ولا تعنيه هو بشيء، فتجده في مناسبة، وبلا مناسبة لا يزال يردد قوله:

إن علينا أن..

ويجب علينا أن..

ولا بد لنا من..

وهلم جرّا..

وتأتي هذه الأوامر والزواجر، بعد هجمات ساحقة، وحملات ماحقة،علي هذا الشرق المتخلف، وعلي المجتمع المسلم الجاهل والمعقد،إلي آخر مفردات قاموسه التي أصبحت معروفة ومألوفة..

والدليل علي ما نقول: ما سوف نواجهه من لوم وتقريع واتهام من قبل محبيه، لأجل نفس هذه الكلمات التي سيعتبرونها موجهة إليه دون سواه، مع اننا لم نصرح بإسمه، ولا أشرنا الي كتابه، ولا إلي غير ذلك مما يرتبط به.