بازگشت

الصلاة


من الأمور الواضحة في الشريعة الاسلامية اعطاء الأهمية الكبيرة لفريضة الصلاة و دورها في حياة الانسان المسلم، و أنها تحتل الصدارة من بين التكاليف الالهية في الاسلام، بل تمثل الصلاة المكانة المحورية لسائر الواجبات، كما أكدت علي ذلك النصوص الكثيرة كما عن علي عليه السلام، قال:» قال رسول الله: ان عمود الدين الصلاة، و هي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فان صحت نظر في عمله، و ان لم تصح لم ينظر في بقية عمله» [1] .

و تمثل الصلاة الصلة القلبية و الروحية بين العبد و بين ربه تعالي، و بما أن الصلاة تحتل هذه المرتبة في نظر الشريعة فمن الطبيعي بل من الضروري أن يؤكد عليها الامام سيدالشهداء عليه السلام في ممارسته يوم الطف، و هذا هو الذي يلتقي مع أهداف الثورة، فان


الهدف الرئيسي من هذه الثورة المقدسة الحفاظ علي حقائق الشريعة و اعطاء الفرائض الاسلامية مدلولها الصحيح.

ان اقامة هذه الفريضة - أي الصلاة - جزء من هدفه الثوري، الا أنه يريد الصلاة التي تدفع الانسان الي الجهاد، و الصلاة التي تنهي عن الفحشاء و المنكر، و الصلاة التي تعطي آثارها التربوية علي شخصية الانسان المسلم لا مجرد الحركات الاستعراضية التي يقوم بها الكثير من المسلمين.

فعندما زحف عسكر ابن سعد نحو معسكر الحسين عليه السلام عصر اليوم التاسع من المحرم معلنا بداية الحرب التفت الامام الي أخيه العباس و قال له:» ارجع اليهم، فان استطعت أن تؤخرهم الي غدوة لعلنا نصلي لربنا هذه الليلة و ندعوه و نستغفره، فهو يعلم أني أحب الصلاة و تلاوة كتابه و كثرة الدعاء و الاستغفار». و رجع اليهم أبوالفضل العباس فأخبرهم بكلام أخيه و عرض ابن سعد الأمر علي الشمر و بعد تداول ما بين قيادات جيش ابن سعد أجابوهم الي ذلك.

(فلما أمسي الحسين و أصحابه قاموا الليل كله يصلون و يستغفرون و يدعون و يتضرعون، و ان حسينا ليقرأ: (و لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما و لهم عذاب مهين - ما كان الله ليذر المؤمنين علي ما أنتم عليه حتي يميز الخبيث من الطيب [2] ) [3] .

و قد وصفهم المؤرخون بأن لهم دويا كدوي النحل، و هم ما بين قائم و قاعد و راكع و ساجد و قاري ء للقرآن و لم يذق أحد منهم طعم الرقاد.

و لقد أفاض أبوعبدالله عليه السلام من روحه الملكوتية نورا علي تلك الأرواح المقدسة ممن حوله حتي أصبحوا في أعلي درجات التعلق بالله، حيث لم تشغلهم المعركة


و الحرب قائمة علي ساق عن التفكير في الصلاة و اقامتها خلف امامهم جماعة أمام أنظار الجيش المعادي، ففي أثناء اشتداد المعركة و بعد أن قتل قسم كبير من الأنصار حضر وقت الصلاة الظهر فرفع أحد الأصحاب - و هو أبوثمامة الصائدي - رأسه ينظر الي الشمس ثم التفت الي الامام و قال: (يا أباعبدالله، نفسي لك الفداء، اني أري هؤلاء قد اقتربوا منك، و لا و الله لا تقتل حتي اقتل دونك ان شاء الله، و أحب أن ألقي ربي و قد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها). فرفع الحسين رأسه ثم قال:» ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين. نعم، هذا أول وقتها... سلوهم أن يكفوا عنا حتي نصلي» [4] .

فصلي بمن بقي من أصحابه صلاة الخوف، و كانت صلاته في تلك اللحظات الرهبية من أصدق مظاهر الاخلاص و الطاعة الله، و انبري أمام الحسين سعيد بن عبدالله الحنفي يقيه بنفسه السهام و الرماح التي تواجه من معسكر الأعداء الذين خانوا ما عاهدوا الامام عليه من ايقاف عمليات الحرب حتي يؤدي فريضة الله، فقد اغتنموا الفرصة فراحوا يرشقون الامام و أصحابه بسهامهم و كان سعيد الحنفي - فيما يقول المؤرخون - يبادر نحو السهام فيستقبلها بصدره و نحره، و وقف ثابتا كأنه الجبل لم تزحزحه السهام التي اتخذته هدفا لها،و لم يكد يفرغ الامام من صلاته حتي أثخن بالجراح فهوي الي الأرض يتخبط بدمه و هو يقول بنبرات خافتة: اللهم العنهم لعن عاد و ثمود، و أبلغ نبيك مني السلام، أبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فاني أردت بذلك ثوابك و نصرة ذرية نبيك.


و التفت الي الامام ليري هل أدي حقه و وفي له بعهده قائلا: أوفيت يابن رسول الله. فأجابه الامام شاكرا له:» نعم، أنت أمامي في الجنة» [5] .

نعم، انه الحب الالهي الذي يصنع العجائب في حياة الانسان، هكذا عشق هؤلاء الأبرار امامهم و قائدهم و اتصلت أرواحهم بروحه كما يتصل الضوء بمصدره، و كانوا يشعرون بأنهم انما خلقوا من أجله و من أجل أن يضحوا بأرواحهم الطاهرة دفاعا عن شخصه؛ لأنه يمثل دين الله في الأرض، فعشقه عشق الله و الدفاع عنه دفاع عن قيم الله و دينه.


پاورقي

[1] وسائل الشيعة ج 3 ص 23.

[2] آل عمران: 179 - 178.

[3] الطبري 217 / 3.

[4] الطبري 326 / 3.

[5] حياة الامام الحسين ج 3 ص 123.