بازگشت

نشأة يزيد و مقومات شخصيته


أجمع المؤرخون أن يزيد بن معاوية قد نشأ و تربي في البادية عند خؤولته بني كلاب، و هذه القبيلة كانت نصرانية الاتجاه فتربي تربية مزيجة من أفكار و عادات مسيحية و من عادات و أهواء البادية. تلك الأجواء البعيدة عن منابع الفكر الاسلامي و ثقافة القرآن و السنة، (و كان مرسل العنان مع شبانهم الماجنين، فتأثر بسلوكهم الي حد بعيد، فكان يشرب معهم الخمر و يلعب معهم بالكلاب) [1] .

يقول عبدالله العلايلي: (اذا كان يقينا أو يشبه اليقين أن تربية يزيد لم تكن اسلامية خالصة، أو بعبارة أخري: كانت مسيحية خالصة فلم يبق ما يستغرب معه أن يكون متجاوزا مستهترا مستخفا بما عليه الجماعة الاسلامية لا يحسب لتقاليدها و اعتقادها أي حساب و لا يقيم لها وزنا، بل الذي يستغرب أن يكون غير ذلك). [2] .

فان ذلك أمر طبيعي و نتيجة طبيعية لتلك النشأة و تلك الأجواء الأعرابية التي تكونت فيها المقومات لشخصية يزيد، فلم يستطع تجاوزها و التستر بها، و كان متجاهرا و ولعا باللعب بالقرود و الكلاب و مدمنا علي شرب الخمر.

يقول السيد مير علي الهندي: (كان يزيد غدارا كأبيه و لكنه ليس داهية مثله، كانت


تنقصه القدرة علي تغليف تصرفاته القاسية بستار من اللباقة الدبلوماسية الناعمة، و كانت طبيعته المنحلة و خلقه المنحط لا تتسرب اليهما شفقة و لا عدل) [3] .

و قد حاول معاوية بأن يغير ابنه مظاهر سلوكه العلني ليستطيع اقناع الناس بأن ابنه مؤهل لأن يحكم المسلمين من بعده، فقال له: (يا بني، ما أقدرك علي أن تصير الي حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك و قدرك، ثم أنشده:



انصب نهارا في طلاب العلي

و اصبر علي هجر الحبيب القريب



حتي اذا الليل أتي بالدجا

و اكتحلت بالغمض عين الرقيب



فباشر الليل بما تشتهي

فانما الليل نهار الأريب



كم فاسق تحسبه ناسكا

قد باشر الليل بأمر عجيب) [4] .



هكذا أراد معاوية لولده بأن يلبس نهارا لباس الفضل و النسك و التقوي و اذا ما جن عليه الليل أطلق عنان شهواته و غرائزه في كل ميدان من ميادين الملذات التي تحيي بها الليالي الحمراء في حياة أهل الفسوق و المجون.

هذا هو السلوك الأمثل - في نظر معاوية - لولي أمر المسلمين، الا أن معاوية لم يفلح في تغيير سلوك ابنه و تغليفه باللباس الخادع، بل استمر يزيد في طريقة حياته المفضوحة و استهتاره المكشوف.

يا تري اذا كان هكذا قادة الأمة و ولاة أمورها فماذا ينتظر أن يكون وضع الأمة و مستقبل حياتها؟

قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مشيرا الي تأثير سلوك القيادة علي حياة الأمة و مسيرتها:» و قد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي علي الفروج و الدماء


و المغانم و الأحكام و امامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه، و لا الحائف للدول فيتخذ قوما من دون قوم، و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق و يقف عند المقامع، و لا المعطل للسنة فيهلك الأمة.» [5] .

فلا ينتظر بأمة يكون أمرها بيد شخص مثل يزيد بن معاوية الا الانحدار المميت.

و العجب أنك تري برغم هذه الحقائق التاريخية التي تعرف شخصية يزيد تري من يدافع عن هذا التاريخ الأسود تاريخ يزيد و سائر الأمويين، و يحاول أن يصور يزيد بن معاوية و كأنه ذلك الانسان المثالي و الحاكم الأمثل في تاريخ المسلمين.

فكأنما عقمت الأمة ليس فيها عظماء و قادة تقدمهم لسائر الأمم و الشعوب كنماذج اسلامية يمثلون الواجهة الحضارية للاسلام، و عقم تاريخ المسلمين فلم ينتج الا أمثال يزيد بن معاوية و الحجاج بن يوسف الثقفي حتي تدافع عنه من خلال الدفاع عن هؤلاء.


پاورقي

[1] حياة الامام الحسين ج 2 ص 180.

[2] سمو المغني في سمو الذات ص 59.

[3] نقلا عن حياة الامام الحسين ج 2 ص 180.

[4] البداية و النهاية 228: 8.

[5] نهج‏البلاغه قطعة رقم 131 صبحي الصالح.