بازگشت

عامل النشأة و التربية في شخصية الامام الحسين


من أوضح الأمور لدي خبراء التربية أن الجو التربوي الذي يعيشه الانسان في


طفولته له بالغ الأثر في بناء شخصيته من الناحية الفكرية و السلوكية، و أن ما يسمعه و يتلقاه من الأبوين أو المربي في تلك الفترة سيترك آثاره عليه في مستقبل عمره.

و اذا درسنا حياة الامام الحسين عليه السلام و حياة يزيد بن معاوية فانا نجد الفرق شاسعا بين الأجواء التي عاش الامام في رحابها و بين التربية التي ترباها يزيد بن معاوية.

لقد عاش الامام الحسين عليه السلام هو و أخوه الامام الحسن عليه السلام طفولة فريدة من نوعها حيث توفر فيها من المقومات الخاصة و العوامل التربوية التي تميز هذه الطفولة عن أي طفولة عاشها معاصروهما، و يتضح ذلك من خلال دور الرسول الأعظم في حياة الحسنين و علاقته بهما.

لقد تربي الحسنان في ظل تلك الأجواء المقدسة التي كان الوحي يظللها و يحوطها الرسول الأعظم بالحب العميق و العاطفة المتأججة.

و مما يلفت نظر القاري ء لعلاقة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله بالحسنين عليهم السلام بل بأولاد فاطمة عليهم السلام أن يري جميع أمورهم و شؤون حياتهم راجعة الي الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله، فمنذ ولادة أحدهم تبرز اهتمامات الرسول بهم لاسيما الحسنين عليهم السلام الي الحد الذي يثير التساؤلات، لماذا هذا الاهتمام الكبير من صاحب الرسالة؟

ان تلك السنيات السبع التي عاشها الامام الحسين عليه السلام في رحاب جده الرسول و الجد يغذيه بفيض روحه المقدسة من الحب الذي لا نظير له، تلك السنيات كانت هي القاعدة التربوية التي بنيت عليها شخصية هذا الامام العظيم.

و هناك التصريحات و الممارسات الكثيرة من الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله التي حفلت بها المصادر، و التي كان الرسول صلي الله عليه و آله يجمع فيهما بين الحسنين مرة و مرة أخري يفرد الامام الحسين عليه السلام، و التي تصور تلك الأجواء التربوية التي عاشها الحسنان عليهما السلام في رحاب جدهما الرسول صلي الله عليه و آله تعرب عن تلك العلاقة بين الجد العظيم و سبطيه الكريمين، تلك


التصريحات و الممارسات التي ليس من اللائق بصاحب الرسالة أن تفسر تفسيرا عاديا كأي علاقة بين الجد و أحفاده. [1] .

و اليك مثالا واحدا مما يتعلق بالحسين عليه السلام: فقد روي ابن قولويه و غيره بسندهم عن يعلي العامري أنه خرج من عند رسول الله صلي الله عليه و آله الي طعام دعي اليه، فاذا هو بحسين عليه السلام يلعب مع الصبيان، فاستقبل النبي صلي الله عليه و آله أمام القوم ثم بسط يديه فطفر الصبي هاهنا مرة و هاهنا مرة، و جعل رسول الله صلي الله عليه و آله يضاحكه حتي أخذه، فجعل أحدي يديه تحت ذقنه و الأخري تحت قفاه و وضع فاه علي فيه و قبله، ثم قال:» حسين مني و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط» [2] .

هذا حديث اتفقت الأمة الاسلامية علي روايته، فقد روي هذه الحادثة البخاري في (الأدب المفرد) و (التاريخ الكبير) و الحاكم في مستدركه، و قال: (هذا حديث صحيح الاسناد.) و أخرجه أيضا ابن ماجة في سننه.

و لا أحسب أن هناك كلمة أروع من هذه الكلمة - أعني:» حسين مني و أنا من حسين» - تعبر عن علاقة الامام بجده و علاقة جده به، لذا فهي تستدعي الوقوف عندها لاستجلاء ما يريده الرسول من هذه الكلمة.

(فأما أن الحسين من الرسول فأمر واضح واقع، فهو سبطه ابن بنته، ولدته الزهراء وحيدة الرسول من زوجها علي ابن عم الرسول، و مع وضوح هذه المعلومة فلماذا يعلنها الرسول و ماذا يريد أن يعلن بها؟ هل هذا تأكيد منه صلي الله عليه و آله علي أن عليا والد


الحسين عليهماالسلام هو نفس الرسول تلك الحقيقة التي أعلنتها آية المباهلة... أو أن الرسول يريد أن يمهد بهذه الجملة» حسين مني» لما يليها من قوله:» و أنا من حسين» تلك الجملة المثيرة للتساؤل، كيف يكون الرسول من الحسين عليه السلام؟

و الجواب: أن الرسول لم يعد بعد الرسالة شخصا، بل أصبح مثالا و رمزا و أنموذجا تتمثل فيه الرسالة بكل أبعادها و أمجادها، فحياته هي رسالته و رسالته هي حياته، و من الواضح أن أي الوالد انما يسعي في الحياة ليكون له ولد كي يخلفه و يحافظ علي وجوده ليكون استمرارا له، فهو يدافع عنه حتي الموت و يحرص علي سلامته و راحته؛ لأنه يعتبره وجودا آخر لنفسه.

اذا كانت هذه رابطة الوالد و الولد في الحياة المادية فان الحسين عليه السلام قد سعي من أجل حياة الرسالة المحمدية بأكبر من ذلك، و أعطاها أكثر مما يعطي والد لولده، بل قدم الحسين عليه السلام في سبيل الحفاظ علي الرسالة كل ما يملك من غال حتي فلذات أكباده، أولاده الصغار و الكبار، و روي جذورها بدمه و دمائهم، فقد قدم الحسين عليه السلام للرسالة أكثر مما يقدم الوالد لولده. فهي اذن أعز من ولده، فلا غرو أن تكون منه..

فالرسالة المحمدية التي مثلت وجود الرسول كانت في العصر الذي كادت الأيدي الأموية الأثيمة أن تقضي علي وجودها فقد عادت من الحسين؛ و لذلك قال عليه السلام:»... و أنا من حسين» [3] .

و من الطبيعي أن يحب الوالد ولده، أما أن يربط حب ذلك الولد بحب الله تعالي فهذا يعني أمرا خطيرا و يشير الي أن هذا الولد له شأن خاص عند الله تعالي، و نحن نعلم أن حب الله تعالي يمثل روح الرسالة و نتيجة طبيعية لتطبيق المسلم لقوانين الرسالة الالهية، و هذا نفهمه من قوله تعالي: (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله


و يغفر لكم ذنوبكم) [4] فقد علقت الآية حب الله لعبده علي اتباعه للرسول في رسالته، فاذا قال الرسول صلي الله عليه و آله:» أحب الله من أحب حسينا» فان ذلك يعني أن حب الحسين جز من الرسالة الالهية، بل حبه مع سائر أهل البيت هو روح الرسالة، و الا فماذا يعني قول النبي صلي الله عليه و آله:» من مات علي حب آل محمد مات شهيدا، ألا و من مات علي حب آل محمد مات مغفورا له، ألا و من مات علي حب آل محمد مات تائبا، ألا و من مات علي حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الايمان، ألا و من مات علي حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر و نكير، ألا و من مات علي حب آل محمد يزف الي الجنة كما تزف العروس الي بيت زوجها ألا و من مات علي حب آل محمد فتح في قبره بابان الي الجنة، ألا و من مات علي حب آل محمد جعل قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا و من مات علي حب آل محمد مات علي السنة و الجماعة، ألا و من مات علي بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله» [5] .

يا تري كيف تكون لهذا الحب هذه الآثار ما لم يكن هو روح الاسلام و جوهر الايمان ليكون قائدا للانسان المسلم الي طاعة الله و الالتزام برسالته، و حب الحسين عليه السلام شطر من هذا الحب، فلا غرو أن يكون حبه سببا لحب الله تعالي.

و أما وصف الرسول للحسين عليه السلام بقوله:» حسين سبط من الأسباط» فقد أراد به أنه أمة من الأمم قائم بذاته و مستقل بنفسه، فهو أمة من الأمم في الخير و أمة من الشرف في جميع الأجيال و الآباد) [6] .


هذه هي النتيجة الطبيعية و المعقولة لتلك التربية الربانية التي عاشها سيدالشهداء في تلك الأجواء الملائكية، و هذا هو التفسير المناسب لذلك الاهتمام المنقطع النظير من ذلك الجد الأقدس بسبطه و قرة عينه.

و قد أثار أبوعبدالله هذه المسألة في بعض بيانات ثورته المقدسة، فأشار الي علاقته بجده الرسول و بعض أقوال النبي صلي الله عليه و آله في حقه و حق أخيه و أهل بيته عليهم السلام حينما قال:

» أيها الناس، انسبوني من أنا ثم ارجعوا الي أنفسكم و عاتبوها و انظروا هل يحل لكم قتلي و انتهاك حرمتي؟! ألست ابن بنت نبيكم و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين بالله و المصدق لرسوله بما جاء من عند ربه؟ أو ليس جعفر الطيار عمي؟ أو لم يبلغكم قول رسول الله في و لأخي:» هذان سيدا شباب أهل الجنة»؟ فان صدقتموني بما أقول و هو الحق و الله ما تعمدت الكذب منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله و يضربه من اختلقه، و ان كذبتموني فان فيكم من اذا سألتموه أخبركم، سلو جابر بن عبدالله الأنصاري و أباسعيد الخدري و سهل بن سعد الساعدي و زيد بن أرقم و أنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي» [7] .




فجر الأمامة من جبينك يشرق

نورا و مهدك بالقداسة ينطق



في يوم مولدك الأغر ترادفت

زمر الملائك حول مهدك تحدق



و بنفحة من قدس مهدك فرجت

كرب ليونس كاد فيها يغرق



ما كان مهدك غير قلب محمد

في كل آن بالحنان تطوق



بوركت مولودا علي قسماته

اشراقة بعبير أحمد تعبق



و رضعت من ثدي القداسة و التقي

يسقيك من روح الجلال فيغدق



و نشأت في حجر الطهارة و الهدي

و الحق دوما في ضميرك مشرق



و درجت في بيت تظلله السما

بالوحي حيث فناؤه يتألق [8] .




پاورقي

[1] راجع في المقام: فضائل الخمسة في الصحاح الستة ج 3 ص 229 - 168، و ص 323 - 257.

[2] کامل الزيارات لابن‏قولويه ص 117 حديث 127، و مستدرک الصحيحين للحاکم ج 3 ص 194 حديث 4819 باب أول فضائل أبي‏عبدالله الحسين بن علي الشهيد، و في طبع آخر ج 3 ص 177، و سنن ابن‏ماجة ج 1 ص 51 حديث 144 و صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1227). و أما حديث: (حسين مني و أنا من حسين) فقد رواه أعلام الحديث من الطرفين کالترمذي في سننه ج 5 ص 617 حديث 3775.

[3] الحسين سماته و سيرته ص 42 - 41.

[4] آل عمران: 31.

[5] المراجعات ص 51 - 49، تحقيق فضيلة الشيخ حسين الراضي.

[6] حياة الامام الحسين ج 1 ص 95.

[7] حياة الامام الحسين ج 3 ص 185.

[8] من قصيدة للمؤلف في مولد الامام الحسين عليه‏السلام.