بازگشت

الخلفية التاريخية للأسرتين: بني هاشم و بني أمية


من لوازم هذه المقارنة بين شخصية الحسين عليه السلام و شخصية يزيد بن معاوية أن نأخذ فكرة - و لو موجزة - عن الخلفية التاريخية لكل من الأسرتين و ما بينهما من المنافسة التاريخية فيما قبل الاسلام، و اذا ما رجعنا الي تلك الفترة من التاريخ نجد الأسرة الهاشمية قد تميزت بخصائصها التي اشتهرت بها في المجتمع المكي، بل المجتمع العربي، و ذلك ما جعلها تحتل مكانة مرموقة من بين سائر القبائل الأخري، مما يدعو الي احترامها و أن تحتل موقع السيادة و القيادة الدينية و الاجتماعية.

هذه المميزات الذاتية التي دعت بعض القبائل الي منافسة الأسرة الهاشمية و أن تقف منها موقف الضدية و المنافسة الغير الشريفة، و هذا واضح مما يذكره المؤرخون من علاقة بني هاشم مع أسرة بني أمية.

و ان من دواعي هذه المنافسة الشديدة دافع الحسد، فان (من لوازم النعمة الكاملة و بالأخص الشرف العظيم و الملك الجسيم حصول الحسد و البغي من العاجزين من نيل تلك المرتبة السامية، و الساقطين عن درجة الاعتبار بالنسبة الي ذلك المحسود و ان كانوا بالاضافة الي من عداه أنبل عند أنفسهم و فيما يختلج في أذهانهم.


و أكثر ما يقع حسد النعمة و تمني زوالها ممن يدعي أنه شريك في النسب و قريب في المنتمي، فلا تصدر المنافسة غالبا الا من ذوي الرحم و الوشيجة القريبة، و سبب ذلك عجزهم عن مكافاة المحسود و اعياؤهم عن اللحوق به، و كل من عجز عن تحصيل مكرمة كانت في غيره و ضعف عن مقاومته و التشفي منه داخله الغيظ و الحسد عليه و سعي حثيثا جاهدا فيما يسوؤه) [1] .

و أقوي ما كان من هذه الحساسية ما حصل بين بني هاشم و بني أمية، و تاريخ الأسرتين ملي ء بالشواهد علي ذلك بدءا من هاشم و أمية.

و استمرت تلك المنافسة بين الأسرتين حتي توجت الأسرة الهاشمية بالشرف الذي لا يجاري و المجد الذي لا يداني، و ذلك ببعثة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله بالرسالة، حيث اختاره الله من الأسرة الهاشمية، و بدأ الصراع بين الاسلام و الوثنية فكان في مقدمة من تزعم محاربة الاسلام عميد الأسرة الأموية أبوسفيان بن حرب.

و تتابعت الانتصارات للدعوة الاسلامية بقيادة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله حتي وجد أبوسفيان نفسه مضطرا الي التظاهر بكلمة التوحيد عندما وجد الاسلام يخطو الخطوات السريعة نحو القوة و الانتشار.

و كان أبوسفيان يفسر دعوة الرسول بأنها حركة من أجل الملك و السلطان، و هذا ما طفح علي لسانه يوم فتح مكة عندما رأي جيش المسلمين بقيادة الرسول صلي الله عليه و آله يدخل مكة المكرمة فاتحا و هالته تلك القوة التي وصل اليها الاسلام، و كان واقفا الي جانب العباس بن عبدالمطلب الذي قد أجاره ذلك اليوم يستعرضان كتائب الجيش الاسلامي في دخوله مكة المكرمة، هذا بعد ما قال الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله:» ويحك يا أباسفيان، أما آن لك أن تعلم أن لا اله الا الله» قال: بلي أنت ما أحلمك و أكرمك و أعظم


عفوك، قد كان يقع في نفسي أن لو كان مع الله اله آخر لأغني، فقال صلي الله عليه و آله:» يا أباسفيان أما آن لك أن تعلم أني رسول الله» قال: بأبي أنت و أمي ما أحلمك و أكرمك و أعظم عفوك أما هذه فوالله ان في النفس منها لشيئا بعد، قال العباس: فقلت و يحك تشهد و قل: لا اله الا الله محمد رسول الله قبل أن تقتل، فتشهد [2] .

و أمر الرسول عمه العباس أن يقف بأبي سفيان بمضيق الوادي ليمر أمام عينيه قطاعات الجيش الاسلامي، فهز ذلك المشهد نفس أبي سفيان و التفت الي العباس قائلا: لقد أصبح ملك ابن أخيك يا عباس عظميا، قال: فقلت: ويحك انه ليس بملك و انها النبوة، قال: نعم.

فأبوسفيان لم يسلم نتيجة قناعة بصحة الرسالة و انما القوة ألجأته الي ذلك.

و بدأ هو و أسرته يفكرون و يخططون لايجاد الفرصة من أجل الوصول الي مواقع قياديه و من ثم يتوصلون الي كرسي الحكم، و قد ساعدتهم أحداث ما بعد وفاة الرسول للوصول الي أهدافهم، و ذلك بوصول معاوية الي موقع قيادي، حيث أصبح واليا علي الشام من قبل الخليفة الثاني و الثالث، و فتح الطريق أمام معاوية بقتل عثمان فوقف في وجه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ليعود الصراع بين الأسرتين متمثلتين في علي و معاوية بأسلوب آخر و تحت شعار لا يختلف في جوهره عن الشعار الذي كان في ظله الصراع الأول في عهد الرسالة، فان الأسرتين لا زالتا تختلفان في المقومات الذاتية و الأهداف التي تدفع كل منهما لمقاومة الأخري في الصراع علي قيادة الأمة.

و من خلال المراسلات التي كانت بين علي عليه السلام و معاوية،يحاول معاوية أن يرجع الي الخلفية التاريخية الي ما قبل الاسلام مدعيا أن الأسرتين كانتا علي قدم المساواة


ليقول: ان بني هاشم ليسوا بأولي من بني أمية بقيادة الأمة، ملغيا كل ما طرحه الاسلام من قيم جديدة من خلالها يعرف المقياس لتشخيص القيادة في نظر الاسلام، فيرد عليه أميرالمؤمنين عليه السلام بما يبطل دعواه و يوضح الفوارق الذاتية و الأساسية بين الأسرتين و بأن كل منهما يحمل نوعا خاصا من القيم و الأهداف يتناقض مع نوع القيم التي تحملها الأخري.

قال عليه السلام في جواب علي كتاب لمعاوية:» و أما قولك: انا بنوعبدمناف، فكذلك نحن، و لكن ليس أمية كهاشم و لا حرب كعبدالمطلب و لا أبوسفيان كأبي طالب و لا المهاجر كالطليق و لا الصريح كاللصيق و لا المحق كالمبطل و المؤمن كالمدغل، و بئس الخلف خلف يتبع سلفا هو في نار جهنم» [3] .

فنجد أميرالمؤمنين عليه السلام يقارن بين أعيان الأسرتين و يوضح أهم الصفات التي يختلف فيها الهاشميون عن الأمويين، و يعرض بالأمويين بأنهم لم يكونوا يحملون قناعة بصحة الرسالة و بعثة النبي صلي الله عليه و آله، بل كانوا مضطرين لاعلان الاسلام.

و لما تهيأت الظروف لمعاوية للوصول الي السلطة المطلقة علي المسلمين بدأ يفكر في مصيرتك السلطة من بعده فاشتغل من أجل أن يجعلها لابنه يزيد و أن يحصرها في البيت الأموي.

و هكذا تنتقل تلك الموروثات التاريخية من الصراع بين الأسرتين لتنحصر بين الحسين عليه السلام و يزيد بن معاوية، فان الامام الحسين عليه السلام قد ورث تلك العناصر الذاتية العريقة للأسرة الهاشمية بالاضافة الي كونه من العترة التي اصطفاها الله، فجمع فيها عناصر الكمال التي تميزها علي من سواها من الناس.


و قد أشار سيدالشهداء الي هذه الخصائص التي اجتمعت لأهل هذا البيت عليهم السلام فقال:

» ألا و ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة و الذلة و هيهات من الذلة، يأبي لنا الله ذلك و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت و أنوف حمية و نفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام علي مصارع الكرام» [4] .

و لا يعني هذا الكلام أن الحسين عليه السلام انما ثار و قاتل بدافع العصبية و الروح القبلية كما يحلو لبعض التفسيرات المغرضة أن تفسر الثورة الحسينية؛ لأن بواعثها واضحة كل الوضوح من خلال تصريحات الثائر العظيم و مواقفه و ليس فيها ما يشير الي عصبية، بل كل شعاراته رسالية انسانية

قال في بيانه الأول:

» اني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما و انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف و أنهي عن المنكر». [5] .

في هذا البيان وضح أبوالأحرار هدفه المقدس و هو هدف رسالي لا هدف عشائري، كيف لا و أبوالأحرار هو حامل مبادي ء الاسلام السماوية التي جاءت تحارب أي نوع من أنواع العصبية من قومية أو قبلية أو غير ذلك.


و لو كانت بواعث الثورة عشائرية لكان من المفترض أن ينهض الامام بعشيرته - الهاشميين - و في موطن عشيرته، فان من المعلوم أن موطن بني هاشم في الحجاز لا في العراق، و لا معني لدعوته للأبعد ليضحوا بأرواحهم في سبيل أمجاد قبيلته، و لو عرفت تلك الثلة التي كانت مع الحسين عليه السلام بأن أهدافه أهداف عشائرية لما وقفوا معه و لما عرضوا أنفسهم للهلاك، و لكنهم فهموا الثورة و أهدافها بفهم آخر، لذلك نري هذه الثورة قد جمعت بين مختلف العناصر و الطبقات و القبائل، و كان الأجانب يمثلون الأغلبية ممن كانوا حول أبي الأحرار، و ما أروع تعبير الامام عن تلك الجماعة حينما قال عليه السلام:

» ألا و اني زاحف بهذه الأسرة علي قلة العدد و خذلان الناصر» [6] .

نعم، فهي أسرة لم تجمعها آصرة بالنسب، بل جمعتها رابطة الايمان و وحدة الموقف و الهدف المقدس، هذه الأسرة التي جمعت بين أبي الفضل العباس و علي الأكبر من بني هاشم و بين حبيب بن مظاهر الأسدي و مسلم بن عوسجة و بين غلام حبيب و جون مولي أبي ذر و الحر الرياحي، فما أعظمها من أسرة لم تر عين الدهر مثيلا لها.

و اذا ما أشار أبوالأحرار في بياناته الي أسلافه لا يعني هذا أن منطقة منطق قبلي و شعاره شعار عشائري، و انما هذه الاشارات يريد منها التأكيد علي أنه هو و أهل بيته هم الذين يمثلون الامتداد الطبيعي لصاحب الرسالة.


پاورقي

[1] بطل العلقمي ج 1 ص 59.

[2] شرح نهج‏البلاغة للحديدي، المجلد الرابع ص 208، ط مصر.

[3] نهج‏البلاغة کتاب رقم 17 ص 537.

[4] اللهوف ص 58 و البحار ج 45 ص 9 و العوالم (الامام الحسين) ص 252.

[5] تقدمت مصادره في ص 18 هامش 1، و في ص 36 هامش 1.

[6] تقدمت المصادر في ص 117 هامش 1.