بازگشت

بنا فتح الله و بنا ختم


ذكر العلماء في توجيه هذه الجملة و ما في معناها كما في الزيارة الجامعة الكبري» بكم فتح الله و بكم يختم» ذكروا لذلك توجيها علي مستويين.

المستوي الأول: أن المراد بالفتح و الختم بهم هو الفتح و الختم التكويني، بمعني أن الله تعالي قد فتح عالم الامكان بايجاد أنوارهم عليهم السلام، كما نطق بذلك العديد من الروايات كالحديث الوارد عن جابر بن عبدالله الأنصاري: قال: قلت: يا رسول الله، أول شي ء خلقه ما هو؟ فقال:» نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق منه كل خير...» [1] .

قال في (الميزان) بعد ذكره لحديث جابر: (و الأخبار في هذه المعاني كثيرة متظافرة) [2] فهم فاتحة الكتاب التكويني، و أنوارهم المقدسة هي وسائط الفيض الالهي (و في الأخبار أنهم عليهم السلام مفاتيح الرحمة و مفاتيح الجنان و مفاتيح الحكمة و مفاتيح الكتاب). [3] .

و كذلك يختم الله تعالي بهم وجود هذه النشأة، و ذلك بمهديهم أو برجعتهم عليهم السلام) في


(بصائر الدرجات) باسناده عن أبان بن تغلب، قال: قال أبوعبدالله عليه السلام:» الحجة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق». [4] .

و يفهم من قوله عليه السلام:» و بعد الخلق» أنه تعالي بهم يختم.

المستوي الثاني: هو الفتح و الختم التشريعيين، بمعني أن الله تعالي فتح بهم وجود هذه الرسالة ببعثة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله، و يختم بمهديهم حيث تتحقق علي يده الأهداف الالهية الكبري من نزول هذه الرسالة حيث تكون لها السيادة و الحاكمية المطلقة في العالم و ذلك بقيادتهم و امامتهم، و هذا ما دلت عليه النصوص الواردة من طريق الفريقين التي تتحدث عن الامام المهدي و قيام دولته العالمية [5] .

بعد هذه الوقفات القصيرة أمام هذه الخصائص لأهل البيت عليهم السلام التي جاءت في الاعلان الحسيني الأول لمعارضته للحكم الأموي، يتضح مراد سيدالشهداء من ذكره لهذه الخصائص، فان هذه الخصائص التي لا يوجد شي ء منها في غيرهم تحتم أن قيادة الأمة لهم و فيهم، فما داموا هم أهل البيت الذي انطلقت منه الرسالة و هم حضنتها و الحفظة للشريعة التي تتعلق بحياة الأمة، و في بيتهم و عليهم تتردد و تختلف الملائكة بما يحملون من فيوضات الهية تكوينا و تشريعا، و هم الذين فتح الله بهم رسالته و يختم أمره بقائمهم أو رجعتهم فلهم القيادة بدءا و ختاما فكيف لا تكون لهم القيادة البشرية ما بين البدء و الختام؟!

الا ان الأمة قد أخطأت حظها بتنكرها لأهل البيت عليهم السلام و استبدلتهم بسواهم حتي صار أمرها بأيدي عناصر لا تعنيهم كرامة الأمة و استقامتها لا من قريب و لا من


بعيد، و قد أشار أبوالأحرار في بعض بياناته يوم عاشوراء الي النكسة التي وقعت فيها الأمة حيث ارتدت علي أهل بيت نبيها تقاتلهم، قال عليه السلام:

» تبا لكم أيتها الجماعة و ترحا، أحين استصرختمونا و الهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم، و حششتم علينا نارا اقتدحناها علي عدونا و عدوكم، فأصبحتم البا لأعدائكم علي أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، و لا أمل أصبح لكم فيهم، فهلا لكم الويلات اذ تركتمونا و السيف مشيم و الجأش طامن و الرأي لما يستحصف.» [6] .

(و لا نعرف فيما يصيب الأمم من المآسي مأساة آلم و أفجع من أن ينقلب الانسان علي نفسه فيؤثر ضره علي نفعه و فساده علي صلاحه و يحارب أولياءه و يتحبب الي أعدائه... اننا لا نشك أن الأمة تعرضت في هذه الفترة لردة حضارية عجيبة من قبيل ما يقول تعالي: (أفان مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم) [7] .

و آية هذه الردة الحضارية التي تنتكس فيها الأمة هي أن يتحول الأولياء في حياة الأمة الي موضع الأعداء، و يتحول الأعداء الي موضع الأولياء.

و عندما يتبادل هذان القبطان (الولاء و البراءة) في حياة الناس مواضعهما و يأخذ كل منهما موضع الآخر فان هذه الأمة تواجه أمرا يختلف عن أي أمر آخر.

و هذا الأمر هو الانقلاب الحضاري الشامل (أو الردة الحضارية اذا كان هذا الانقلاب باتجاه رجعي).


و الأمة في هذه الحالة تتنكر لنفسها و تنقلب عما هي عليه الي شي ء آخر، فان هوية الأمة و شخصيتها بالولاء و البراءة، و عندما يتحول الولاء الي موضع البراءة و البراءة الي موضع الولاء فان هذه الأمة تواجه حالة نتكاسة خطيرة، و هذا ما أشار اليه الامام في خطابه لجند بني أمية يوم عاشوراء:» فأصبحتم البا لأعدائكم علي أوليائكم» [8] .



پاورقي

[1] الميزان في تفسير القرآن ج 1 ص 121.

[2] الميزان في تفسير القرآن ج 1 ص 121.

[3] الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة ج 5 ص 222.

[4] المصدر السابق ج 5 ص 222.

[5] يراجع في ذلک قلائد الدرر و موسوعة الامام المهدي و غيرهما.

[6] معالم المدرستين ج 2 ص 100، و اللهوف ص 58، و اللفظ له.

[7] آل عمران: 144.

[8] وارث الأنبياء ص 221 - 219.