بازگشت

و مختلف الملائكة


المختلف هو المكان الذي يتردد عليه ذهابا و ايابا، و مختلف الملائكة، هو محل تردد الملائكة صعودا و نزولا، و أهل البيت عليهم السلام هم محل تردد الملائكة.

و من كمال البحث أو من لوازمه الاشارة الي دور الملائكة الذي يتلعق بهذا الاختلاف، و دورهم يأتي في مجالين:

أ - المجال التشريعي.

ب - المجال التكويني.

أما دورهم في المجال التشريعي فواضح و هو نزولهم بالوحي الالهي علي الأنبياء و الرسل يحملون الأوامر و النواهي الالهية.

و أما دورهم في المجال التكويني فهو كونهم وسائط في التدبير الالهي لهذا الكون.

قال في (الميزان): (و أما وساطتهم في تدبير الأمور في هذه النشأة فيدل عليها ما في مفتتح هذه السورة - سورة النازعات - من اطلاق قوله تعالي: (و النازعات غرقا - و الناشطات نشطا - و السابحات سبحا - فالسابقات سبقا - فالمدبرات أمرا) [1] .

و كذا قوله تعالي: (جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثني و ثلاث و رباع) [2] .

الظاهر باطلاقه... في أنهم خلقوا و شأنهم أن يتوسطوا بينه تعالي و بين خلقه، و يرسلون لانفاذ أمره الذي يستفاد من قوله تعالي في صفتهم: (بل عباد مكرمون -


لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون) [3] و قوله تعالي: (يخافون ربهم من فوقهم و يفعلون ما يؤمرون) [4] و في جعل الجناح لهم اشارة الي ذلك.

فلا شغل للملائكة الا التوسط بينه تعالي و بين خلقه بانفاذ أمره فيهم، و ليس ذلك علي سبيل الاتفاق بأن يجري الله سبحانه أمره بأيديهم ثم يجري مثله لا بتوسيطهم، فلا خلاف و لاتخلف في سنته تعالي: (ان ربي علي صراط مستقيم) [5] و قال تعالي: (فلن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا) [6] .

و من الوساطة كون بعضهم فوق بعض مقاما، و أمر العالي منهم السافل بشي ء من التدبير فانه في الحقيقة توسط من المتبوع بينه تعالي و بين تابعه في ايصال أمر الله تعالي كتوسط ملك الموت في أمر بعض أعوانه بقبض روح من الأرواح، قال تعالي حاكيا عن الملائكة: (و ما منا الا له مقام معلوم) [7] و قال تعالي: (مطاع ثم أمين) [8] .

و لا ينافي هذا الذي ذكر، من توسطهم بينه تعالي و بين الحوادث، أعني: بكونهم أسبابا تستند اليها الحوادث، لاسناد الحوادث الي أسبابها القريبة المادية، فان السببية طولية لا عرضية، أي أن السبب القريب سبب للحادث، و السبب البعيد سبب للسبب.

كما لا ينافي توسطهم و استناد الحوادث اليهم استناد الحوادث اليه تعالي و كونه هو السبب الوحيد لها جميعا علي ما يقتضيه توحيد الربوبية، فان السببة طولية كما سمعت


لا عرضية، و لا يزيد استناد الحوادث الي الملائكة استنادها الي أسبابها الطبيعية القريبة، و قد صدق القرآن الكريم استناد الحوادث الي أسبابها الطبيعية، كما صدق اسنادها الي الملائكة...

فمثل هذه الأشياء في اسنادها الي أسبابها القريبة و البعيدة و انتهائها الي الله سبحانه و تعالي بوجه بعيد كمثل الكتابة يكتبها الانسان بيده و القلم، فللكتابة استناد الي القلم ثم الي اليد التي توسلت الي الكتابة بالقلم، و الي الانسان الذي توسل اليها باليد و القلم، و السببية الحقيقية معناه هو الانسان المستقل بالسببية من غير أن ينافي سببية استناد الكتابة بوجه الي اليد و القلم) [9] .

فاتضح مما تقدم دور الملائكة و تبينت وظيفتهم في عالم التكوين، و هي التوسط في جريان القدر و القضاء الالهيين، هكذا أراد الله تعالي و جعل عام الامكان علي هذا النظام.

أما علاقة أهل البيت عليهم السلام بهذا المستوي من الأمور الالهية هي أنهم محل اختلاف الملائكة و ترددهم بما يحملون من أمور ربانية في مجال التكوين.

فالمعصوم في زمانه هو الذي يستقبل ما يحمله الملائكة من تقديرات ربانية، كما ورد ذلك في شأن ليلة القدر في قوله تعالي: (تنزل الملائكة و الروح فيها باذن ربهم من كل أمر) [10] .

حيث (نستوحي استمرارية ليلة القدر من قوله تعالي: (تنزل الملائكة و الروح) دون (تنزل)، فالفعل المضارع يدل علي استمرارية نزول الملائكة و الروح. فاذا ليلة القدر بهذا الاعتبار مستمرة طول الزمن و منذ البعثة و ان كانت باعتبار نزول


القرآن ليلة واحدة بداية البعثة، أو كانت ثلاثا و عشرين ليلة طول البعثة بالاعتبارين، لكنها مستمرة بنزول الملائكة و الروح و علي حد تعبير الرسول صلي الله عليه و آله هي الي يوم القيامة.

فهل تنزل الملائكة و الروح من كل أمر علي بقاع الأرض؟ كلا انما علي قلب واع قلب محمد أو قلب محمدي لا سواه، قلب واع ما يتنزل عليه من كل أمر، لا القلوب المقلوبة و غير لمستعدة لهكذا نزول هام في كل سنة، انها القلوب الطاهرة من أهل بيت العصمة المحمدية دون سواهم، ممن رعاهم و رباهم بالوحي من علي أميرالمؤمنين الي المهدي القائم محمد بن الحسن العسكري عليهم أزكي التحية و السلام.

و بهذه المنزلة السامية تصبح سورة القدر حاكية عن منزلة أهل بيت العصمة و هي نسبتهم الروحانية ما أعلاها) [11] .

و هناك النصوص العديدة الواردة عنهم عليهم السلام التي تشير الي هذه الحقيقة.

في (تفسير القمي)، قيل لأبي جعفر عليه السلام: تعرفون ليلة القدر، فقال عليه السلام:» و كيف لا نعرف ليلة القدر و الملائكة يطوفون بنا فيها.» [12] .

و في (التوحيد) عن الباقر عليه السلام:» ان الله تعالي علما خاصا و علما عاما، فأما العلم الخاص فالعلم الذي لم يطلع عليه ملائكته المقربين و أنبياءه المرسلين، و أما علمه العام فانه علمه الذي أطلع عليه ملائكته المقربين و أنبياءه المرسلين، و قد وقع الينا من رسول الله» [13] .


پاورقي

[1] النازعات 5 - 1.

[2] فاطر: 1.

[3] الأنبياء: 27 - 26.

[4] النحل: 50.

[5] هود: 56.

[6] فاطر: 43.

[7] الصافات: 164.

[8] التکوير: 21.

[9] تفسير الميزان ج 20 ص 184 - 183.

[10] القدر: 4.

[11] الفرقان في تفسير القرآن ج 3 ص 385 - 383.

[12] تفسير القمي ج 2 ص 434.

[13] التوحيد ص 138.