بازگشت

و معدن الرسالة


المعدن - بكسر الدال - مركز كل شي ء، من عدن بالمكان عدنا و عدونا، أي أقام به، و جنات عدن أي جنات اقامة لا زوال لأهلها و لا انتقال لهم عنها، و منه المعدن أي مستقر الجوهر.

و في الحديث:» الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة»؛ لأنهم يتفاوتون في الكمالات الشرعية علي حسب استعداداتهم، ففيهم الجيد و الردي ء كالمعادن [1] .

و كون أهل البيت معدنا للرسالة يعني أنهم مقر و مقام للرسالة الالهية؛ لأنهم هم الحفظة لتلك الرسالة و العالمون بأسرارها و أحكامها و كل جزئياتها، و هذا من خصائصهم التي ميزتهم علي سائر الأمة.


فهم العاملون بتفسير الكتاب العزيز و تأويله و هم الذين أوكل اليهم بعد الرسول المبلغ بيان معالم و أحكام الرسالة الالهية و تفاصيلها.

قال أميرالمومنين علي عليه السلام في خطبة له يذكر فيها آل محمد:» هم عيش العلم و موت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، و ظاهرهم عن باطنهم، و صمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق و لا يختلفون فيه، و هم دعائم الاسلام، و ولائج الاعتصام. بهم عاد الحق الي نصابه و انزاح الباطل عن مقامه و انقطع لسانه من منبته و عقلوا الدين عقل و عاية و رعاية لا عقل سماع و رواية، فان رواة العلم كثير و وعاته قليل» [2] .

لذلك قرن الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله بينهم و بين الكتاب العزيز في الحديث المتواتر من طرق الفريقين و هو حديث الثقلين، حينما قال صلي الله عليه و آله:» اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، لن يفترقا حتي يردا علي الحوض.» [3] .

و قد تضمن هذا الحديث عددا من النقاط الخطيرة المتعلقة بعلاقة أهل البيت عليهم السلام بالقرآن و الأمة، و من تلك النقاط قوله صلي الله عليه و آله:» لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فالرسول الأعظم صلي الله عليه و آله هنا ينفي أي شكل من أشكال الافتراق بين القرآن و العترة و من كافة الجهات:

أولا: من ناحية الوجود و البقاء في وسط الأمة.

فما دام القرآن موجودا فالعترة لابد أن تكون موجودة، فالقرآن هو كتاب الدهر و كذلك العترة باقية الي جانب كتاب الله بوجود شخص تتمثل فيه العترة، فاذا فرض


عدم وجود العترة حصل الافتراق بين الثقلين الذي نفاه الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله في الحديث.

ثانيا: عدم الافتراق من الناحية العلمية.

بمعني أن علم العترة بالكتاب لا يحتمل فيه الخطأ كما في غيرهم، فهم محيطون بكل علوم القرآن و عالمون بها علما واقعيا متطابقا تمام التطابق مع مراد الله تعالي في كتابه، فلو لم يكن الأمر كذلك حصل الاختلاف بينهم، و هو وجه من وجوه الافتراق و لو علي مستوي آية واحدة من آيات الكتاب العزيز.

ثالثا: من الناحية العملية.

بمعني أن أقوال و أفعال العترة صغيرها و كبيرها لا يحتمل فيه المخالفة لواقع كتاب الله تعالي، فلو صدر منهم عمل ما مهما كان صغيرا لا يتفق مع القرآن الكريم، فان في ذلك افتراقا واضحا بينهم و بين الكتاب، (فالحديث كما يرشد الي عصمة الكتاب يرشد الي عصمة رجاله و علمائه و أصحابه و قرنائه بمنار واحد و مدلول ثابت فيهما معا، و لو أن أهل البيت عليهم السلام لا يتفقون مع الكتاب في العصمة و غير مأمونين من السهو و النسيان و الغفلة و العصيان لجاز أن ينطقوا و لو أحيانا بتأويل يخالف الحقيقة و يباين الحق، و أين هذا من عدم الضلالة أبدا بالتمسك بهم؟ و أين هو من اتفاقهم مع القرآن حتي آخر لحظة من الزمان؟ فلو لم يكن لدينا دليل علي عصمة أهل البيت عليهم السلام غير هذا لكفي به شاهدا و دليلا.) [4] .

فهم خزنة علم الرسالة و حماتها و المرابطون علي ثغورها، و برغم أنهم لم تترك لهم قيادة الأمة لا سيما القيادة السياسية، فانهم اضطلعوا بدورهم في الحفاظ علي وجود


الأمة و مواجهة الانحرافات التي تهدد الاسلام بالدمار الشامل، و هذا الدور من أهل البيت جاء علي مستويين:

المستوي الأول: يتلق بالحفاظ علي كيان الأمة كأمة مقابل الكيانات الأخري في العالم حينما يتهدد وجودها بالخطر، و يتمثل ذلك في التدخل الايجابي الموجه لرأس السلطة الذي يتولي قيادة الأمة عقيب وفاة النبي صلي الله عليه و آله.

فان تلك القيادات كانت تواجه قضايا و مشاكل كثيرة عقائدية و اجتماعية التي تحتاج الي مواجهة جادة لكي لا تشكل خطرا فكريا و اجتماعيا علي الأمة.

و كان الخلفاء لا يحسنون مواجهة تلك المشاكل و القضايا، و لا يقدرون علي الحلها الحل الحاسم الذي يخدم التجربة الاسلامية، بل لو أنهم حاولوا ذلك لأوقعوا الاسلام في أشد التناقضات و لأوقعوا الاسلام في أشد الأخطار و لأصبحت التجربة أقرب الي الموت و أسرع الي الهلاك.

و هنا يأتي دور اميرالمؤمنين عليه السلام فيتدخل تدخلا ايجابيا موجها في أن ينقذ التجربة من المزيد من الضياع و مزيد من الانحراف و السير في الضلال، و لقد اعترفت تلك الزعامات بدور علي عليه السلام الكبير و الخطير، كما كان ذلك من عمر في أكثر من مجال و أكثر من مناسبة و بأكثر من عبارة [5] .


و من الأمثلة علي ذلك ما واجهته الدولة الاسلامية في عهد عمر و هو الموقف المتعلق بالأرض المفتوحة، و ذلك حينما فتحت العراق و وقع الخلاف بين الصحابة هل توزع أراضي العراق علي المجاهدين المقاتلين، أو أنها تبقي ملكا عاما للمسلمين؟ و كان أكثرهم يري توزيعها علي المقاتلين فقط، و لو كان ذلك لتشكل اقطاع لا نظير له في التاريخ في المجتمع الاسلامي، لأن هذا الحكم سوف ينسحب أيضا علي كل الأراضي المفتوحة بما في ذلك العراق و سوريا و ايران و مصر، فكل أرض مفتوحة توزع علي المقاتلين الذين شاركوا في فتحها و ذلك فيه ما فيه من الأخطار علي الأمة و ابتعادها عن النظام الاقتصادي الاسلامي.

هذا الخطر الذي كان يهدد الدولة الاسلامية لم يهتد عمر فيه الي الحل الصحيح، و بقي متحيرا في هذه المشكلة، فكان أميرالمؤمنين عليه السلام هو الذي أنقذ الموقف و بين وجهة النظر الاسلامية في الموضوع، و أنقذ الاسلام من ذلك الدمار و لكي يطول عمر التجربة الاسلامية [6] .

و لذا نجد المثيل لهذا الموقف في حياة الأئمة الآخرين أيضا، فقد كان اهل البيت عليهم السلام يراقبون الوضع العام للأمة عن كثب، فمتي ما تعرضت الأمة الي خطر تحركوا لدفع ذلك الخطر مع غض النظر عن رأيهم في من يحكم المسلمين؛ لأنهم لا يهمهم الا مصلحة الاسلام و المسلمين [7] .

هذا علي مستوي انقاذ المواقف التي تهدد الأمة و تجربتها بالفشل.

المستوي الثاني: يتعلق ببيان أن الرسالة الاسلامية لا يمثلها الواقع المعاش عقيب وفاة النبي صلي الله عليه و آله، و انما يمثلها أهل البيت الذين انصهروا انصهارا تاما في تلك الرسالة، فقد


كانت مواقفهم تمثل المعارضة لذلك الانحراف، المعارضة السلمية في أكثر الأحيان و في أحيان أخري تكون معارضة عنيفة اذا ما اقتضي الأمر ذلك، حيث لا يجدي الأسلوب السلمي، فيقف أهل البيت عليهم السلام الموقف الذي يكلفهم الكثير من التضحيات.

و واصل أئمة أهل البيت عليهم السلام نشاطهم في تعميق هذا الخط المعارض للواقع المنحرف، و توضيح مدي الانفصال ما بين الواقع الذي تعيشه الأمة و بين واقع الرسالة الاسلامية من جهتيها الفكرية و العملية حتي بلغت الأمة درجة من الانحدار لا يمكن السكوت عليه، حيث بلغ الانحدار مستوي يهدد أسس الرسالة و المقدسات الأساسية لوجود الأمة كأمة مسلمة ذات رسالة سماوية واجبها في الحياة أن تقيم حكم الله في الأرض.

و الدليل علي هذا الانحدار قبول الأمة بقيادة بعيدة كل البعد عن روح الرسالة بأن تقبل بقيادة يزيد بن معاوية حاكما علي المسلمين باسم الاسلام و ممثلا لصاحب الرسالة.

لا شك أن هذا الوضع يمثل نكسة حضارية خطيرة تهدد وجود الاسلام و وجود الأمة المسلمة التي يجب أن تكون حياتها محكومة بالاسلام، و ليس في الأمة من أحد - آنذاك - من يضع حدا لهذا الانحدار و هذا الانقلاب الحضاري في حياة الأمة الا سيدالشهداء الامام الحسين عليه السلام، عندما أعلن ثورته في وجه النظام الأموي محاولا اصلاح وضع الأمة كما قال عليه السلام:

» اني لم أخرج أشرا و لا بطرا و لا مفسدا و لا ظالما، و انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف و أنهي عن المنكر» [8] .



پاورقي

[1] شرح الزيارة الجامعة الکبري ج 1 ص 36.

[2] نهج‏البلاغة رقم الخطبة 239 ص 515.

[3] أهل البيت في الکتاب و السنة ص 129 - 125.

[4] الثقلان الکتاب و العترة ص 137.

[5] راجع کتاب علي و الخلفاء.

[6] أهل البيت تنوع أدوار و وحدة هدف (بتصرف).

[7] کموقف الامام الباقر في تحرير النقد الاسلامية.

[8] تقدمت مصادره في ص 18 هامش 1، و في ص 36 هامش 1.