بازگشت

انا أهل بيت النبوة


لا شك أن المراد بأهل بيت النبوة هم أهل بيت النبي محمد صلي الله عليه و آله، و متي أطلق اصطلاح - أهل البيت - فانما يراد به أهل بيته صلي الله عليه و آله، و قد حدد الرسول الأعظم و بكل وضوح المراد من أهل البيت و ذلك من خلال النصوص الواردة عن طريق الفريقين أن أهل البيت هم: علي و فاطمة الزهراء و ولدهما المعصومون.

و لكن برغم وضوح ذلك فقد أثير حول هذا الاصطلاح الكثير من الضبابية و محاولة التعتيم لحرفه عن المراد منه، فتارة يزعمون أن المراد بأهل البيت نساء النبي صلي الله عليه و آله، أو ما يشمل نساءه، و تارة أخري يدعي أنه يشمل كافة بني هاشم.


و بقول ثالث زعموا أن المراد به عموم الأمة كما يظهر من الحوار التالي الذي يرويه الشيخ الصدوق في أماليه كما روي أيضا في (عيون أخبار الرضا عليه السلام): الريان بن الصلت حضرمي مجلس المأمون بمرو و قد اجتمع في مجلسه جماعة من أهل العراق و خراسان -و الي أن قال -: فقال المأمون: من العترة الطاهرة؟ فقال الرضا عليه السلام:» الذين وصفهم الله في كتابه فقال جل و عز: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا) [1] .

و هم الذين قال رسول الله صلي الله عليه و آله: اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي، و انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، و انظروا كيف تخلفوني فيهما. أيها الناس، لا تعلموهم فانهم أعلم منكم.

قالت العلماء: أخبرنا يا أباالحسن عن العترة أهم الآل أو غير الآل. فقال الرضا عليه السلام:» هم الآل»، فقالت العلماء: فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال:» أمتي آلي»، و هؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه آل محمد أمته.فقال أبوالحسن عليه السلام:» أخبروني هل تحرم الصدقة علي الآل»، قالوا: نعم، قال:» فتحرم علي الأمة»، قالوا: لا، قال:» هذا فرق بين الآل و الأمة». [2] .

فنجد المحاورين للامام عليه السلام قد طرحوا هذه الدعوي و نسبوها الي الصحابة و زعموا أن ذلك مستفيض عنهم، مما يشير الي أن هذه المحاولات وجدت من الصدر الأول لاثارة التعتيم علي هذا المصطلح و من ينطق عليهم.

و قد استغل هذه المصطلح استغلالا سيئا من قبل الحكام الأمويين و العباسيين، فقد طرح الأمويون أنفسهم بأنهم آل الرسول صلي الله عليه و آله و سخروا اعلامهم في سبيل هذا التضليل


لا سيما في وسط المجتمع الشامي، و قد ذكر المؤرخون أن (عشرة من قواد أهل الشام و أصحاب النعم و الرئاسة فيها حلفوا للسفاح علي أنهم لم يكونوا يعرفون الي أن قتل مروان بن محمد - آخر حكام بني أمية - أقرباء للنبي صلي الله عليه و آله و لا أهل بيت يرثونه غير بني أمية) [3] .

و هذا كله نتائج الاعلام الأموي في تضليل الأمة و محاربة الحق و أهله و المتمثل في عترة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله، فقد سخر معاوية امكانيات دولته في هذا السبيل من أجل ابراز نفسه و سائر الأمويين بهالة مقدسة من جهة، و تشويه ساحة أهل البيت عليهم السلام من جهة أخري، و اخفاء بل محو ما لهم من فضائل تميزهم عن غيرهم علي سائر الأمة و تشير الي مقامهم و منزلتهم السامية لا سيما عميد بيت النبوة أميرالمؤمنين عليه السلام، فقد بذل معاوية جهده في طمس كل ما يميزه علي سواه من الفضائل النفسية و المواقف الجهادية التي تؤكد علي أن عليا عليه السلام هو الذي يحتل الموقع القيادي لأمه محمد بعد نبيها صلي الله عليه و آله، فمنع من ذكر كل ما يتعلق بفضله و فضل أهل بيته عليهم السلام.

(يقول المؤرخون: انه بعد عام الصلح حج - معاوية - بيت الله الحرام فاجتاز علي جماعة فقاموا اليه تكريما و لم يقم ابن عباس، فبادره معاوية قائلا: يابن عباس، ما منعك من القيام كما قام أصحابك الا لموجدة علي بقتالي اياكم يوم صفين. يابن عباس، ان ابن عمي عثمان قتل مظلوما.

فرد عليه ابن عباس ببليغ منطقه قائلا: فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوما فسلم الأمر الي ولده و هذا ابنه. فأشار الي عبدالله بن عمر.

- ان عمر قتله مشرك.

فانبري ابن عباس قائلا: فمن قتل عثمان.


- قتله المسلمون.

فأمسك ابن عباس بزمامه فقال: فذاك أدحض لحجتك ان كان المسلمون قتلوه و خذلوه فليس الا بحق.

و لم يجد معاوية مجالا للرد عليه فسلك حديثا آخر أهم عنده من دم عثمان فقال له: انا كتبنا الي الآفاق ننهي عن ذكر مناقب علي و أهل بيته فكف لسانك يابن عباس.

فانبري ابن عباس يفيض من منطقه و بليغ حجته يسدد سهاما لمعاوية قائلا: فتنهانا عن قراءة القرآن.

- لا.

- فتنهانا عن تأويله.

- نعم.

- فأيهما أوجب علينا قراءته أو العمل به.

- العمل به.

- فكيف نعمل به حتي نعلم ما عني الله بما أنزل الينا.

- سل عن ذلك ممن تأويله علي غير ما تأولته أنت و أهل بيتك.

- انما أنزل القرآن علي أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان وآل أبي معيط.

- فاقرؤوا القرآن و لا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم و ما قاله رسول الله فيكم و أرووا ما سوي ذلك.

و سخر منه ابن عباس و تلا قوله تعالي: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم و يأبي الله الا أن يتم نوره و لو كره الكافرون). [4] .


و صاح به معاوية: أكفني نفسك و كف عني لسانك و ان كنت فاعلا فليكن سرا و لا تسمعه أحدا علانية) [5] .

فمن هذا الحوار تتضح محاولات معاوية و بذل جهوده لطمس ذكر أهل البيت عليهم السلام و محو فضائلهم و مميزاتهم التي يتحدث عنها القرآن و أعلن عنها الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله، مع محاولاته هو و سائر الأمويين أن يجعلوا أنفسهم أقرب البيوتات الي الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله، بل ادعوا أنهم هم آل رسول الله صلي الله عليه و آله كما مر.

و كذلك العباسيون لم يصلوا الي كرسي الحكم الا تحت شعار (الدعوة الي الرضا من آل محمد) تمويها علي الأمة لتستجيب لهم بالنهوض للقضاء علي الدولة الأموية، و بعد وصولهم الي كرسي السلطة بذلوا ما لديهم من امكانيات ليجعلوا أنفسهم هم المعنيين بأهل البيت) [6] .

و لكن برغم هذه المحاولات التي قام بها خصوم آل محمد و مع ما كانوا يملكون من امكانيات فانهم لا يستطيعوا أن يخفوا هذه الحقيقة، و يرجع ذلك الي أمور منها:

أولا: ما قام به النبي الأكرم صلي الله عليه و آله من بيان الحقيقة لأمته بمختلف الأساليب، فمرة نجده يجمع أهل بيته عليا و فاطمة و الحسنين عليهم السلام عند نزول آية التطهير عليه و هو في بيت أم سلمة و يلقي عليه و عليهم كساء أو بردة يمانية و يأخذ بطرفيها و يرفع طرفه الي السماء فيقول:» اللهم هؤلاء أهل بيتي و خاصتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا»، قالت أم سلمة: فأدخلت رأسي لذلك فقلت: و أنا منهم يا رسول الله؟ قال:» انك الي خير» [7] .


و تارة أخري نجده صلي الله عليه و آله عند خروجه لصلاة الفجر يمر ببيت علي فيضرب الباب و يقول:» السلام عليكم أهل البيت الصلاة الصلاة (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا» كما في العديد من الروايات [8] .

ثانيا: جهود الأئمة الطاهرين في قيامهم بالاعلام المضاد لاعلام خصومهم لبيان الحقيقة و كشفها لأجيال الأمة، و اليك بعض المواقف من ذلك:

أ - موسي بن عبد ربه: سمعت الحسين بن علي يقول في مسجد النبي صلي الله عليه و آله في حياة أبيه علي عليه السلام:» سعمت رسول الله يقول: ألا ان أهل بيتي أمان لكم فأحبوهم لحبي و تمسكوا بهم لن تضلوا. قيل: فمن أهل بيتك يا نبي الله، قال: علي و سبطاي و تسعة من ولد الحسين أئمة أمناء معصومون، ألا انهم أهل بيتي و عترتي من لحمي و دمي.» [9] .

ب - أبونعيم عن جماعة خرجوا في صحبة أساري كربلاء، قالوا: فلما دخلنا دمشق أدخل النساء و السبايا بالنهار مكشفات الوجوه، فقال أهل الشام الجفاة: ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء فمن أنتم؟ فقالت سكينة ابنة الحسين عليه السلام: نحن سبايا آل محمد. فأقيموا علي درج المسجد حيث يقام السبايا و فيهم علي بن الحسين و هو يومئذ فتي، فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشام فقال لهم: الحمد لله الذي قتلكم و أهلككم و قطع قرن الفتنة، فلم يأل عن شتمهم، فلما انقضي كلامه، قال له علي بن الحسين:» أما قرأت هذه الآية: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [10] »؟ قال: بلي، قال:» فنحن أولئك».


ثم قال:» أما قرأت (فآت ذا القربي حقه) [11] »؟ قال: بلي، قال:» فنحن هم»، قال:» فهل قرأت (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [12] »؟ قال: بلي، قال:» فنحن هم».

فرفع الشامي يده الي السماء ثم قال: اللهم اني أتوب اليك - ثلاث مرات - اللهم اني أبرأ اليك من عدو آل محمد و من قتلة أهل بيت محمد، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم) [13] .

فنلاحظ أئمة أهل البيت عليهم السلام يغتنمون الفرص المتاحة لبيان هذه الحقيقة، و من هذا المنطلق أعلن سيدالشهداء عليه السلام رفضه و معارضته لبيعة يزيد بن معاوية في دار الوليد بن عتبة بقوله:» يا أمير، نحن أهل بيت النبوة...»


پاورقي

[1] الأحزاب: 33.

[2] عيون أخبار الرضا ص 180.

[3] حياة الامام الرضا للعاملي ص 54 الهامش.

[4] التوبة: 32.

[5] حياة الامام الحسين ج 2 ص 114 - 112.

[6] حياة الامام الرضا ص 63 - 37.

[7] راجع کتاب أهل البيت في الکتاب و السنة ص 36 - 27.

[8] راجع کتاب أهل البيت في الکتاب و السنة ص 50 - 27.

[9] کفاية الأثر ص 171.

[10] الشوري: 23.

[11] الروم: 38.

[12] الأحزاب: 33.

[13] امالي الصدوق ص 141، و الاحتياج ج 2 ص 120.