بازگشت

العقيدة الجبرية


العقيدة الجبرية تعني الاعتقاد بأن الانسان مجبور علي أفعاله من قبل الله تعالي جبرا تكوينيا، فليس له أي اختيار أو حرية في حياته العملية، و كل نشاطاته و أعماله مفروضة عليه من جهة القدر و القضاء الالهيين.

و لا شك أن هذا الفكر يخدم معاوية و الامويين خدمة كبري؛ لأنه يشل روح الأمة و يخدرها و لا تعود - اذا ما تأصل فيها هذا الفكر- تفكر بمعارضة معاوية أو تقف في وجهه؛ لأن الانكار لأفعال معاوية سوف يفسر بأنه وقوف في وجه القدر و القضاء الالهي المحتم الذي لا مرد له و لا مهرب منه، بهذا (تشل روح الانسان و ارادته عن أي تأثير، و هي الفكرة التي شدت عضد الأقوياء الظالمين في نفس الوقت الذي قبرت فيه أيدي الضعفاء و المظلومين، فذلك الانسان الذي سيطر علي منصب أو ثروة عامة بطرق غير مشروعة يتحدث عن المواهب الالهية التي اختصه بها و غمره بنعمه بعد أن حرم الضعفاء منها و غمرهم في بحر من الآلام و العذاب،، فالظالم يرفع عنه مسؤوليته جراء أعماله بحجة القضاء و القدر، و باعتبار أن أي ظالم هو يد الله، و يد الله لا تقبل أي طعن فيما تعمل.

ان التاريخ يثبت لنا أن بني امية حولوا قضية القضاء و القدر الي مستمسك متين بعد أن أيدوه بكل قوة و قارعوا و نكلوا بمؤيدي الحرية الانسانية علي أساس أنها عقيدة تخالف عقائد الاسلام حتي عرف بين الناس أن: (الجبر و التشبيه أمويان و العدل و التوحيد علويان).


(... ان بدءهما كان سياسيا و علي أساس من مقتضيات المصلحة الداخلية للدولة، اذ لما كانت الدولة الأموية دولة الحديد و النار فان من الطبيعي أن تسري روح الثورة في النفوس، و لكن ما ان ينطلق لسانه بالشكوي حتي تحول الحكومة الأمر الي التقدير و يسكتوه بأن ما يحدث مقر مرضي من الله) [1] .

فهذا معاوية يقول: (الأرض لله و أنا خليفة الله، فما آخذ من مال الله فهو لي، و ما تركت منه كان جائزا لي) [2] .

و قال: (و الله انه للملك آتانا الله اياه). [3] .

و قال لأهل العراق: (ما قاتلتكم لتصوموا و لا لتصلوا و لا لتحجوا و لا لتزكوا، و قد عرفت أنكم تفعلون ذلك، و لكن انما قاتلتكم لأتأمر عليكم، فقد أعطاني الله ذلك و أنتم كارهون). [4] .

و قال معاوية لما أراد أن يفرض ابنه يزيد علي رقاب أمة محمد قال لأحد رجاله و هو كاره للبيعة: بايع أيها الرجل، فان الله يقول: (فعسي أن تكرهوا شيئا و يجعل الله فيه خيرا كثيرا.) [5] [6] .

و كذلك يزيد فانه الامتداد الطبيعي لأبيه معاوية، فها هو يقول في أول خطبة له بعد موت أبيه: (الحمد لله، ما شاء صنع، من شاء أعطي و من شاء منع، و من شاء خفض و من شاء رفع). [7] .


و قال: (فان معاوية كان عبدا من عباد الله أكرمه الله و استخلفه و خوله و مكن له). [8] .

فنري المنطق الجبري بارزا في تصريحات معاوية و يزيد دعما لهذا الاتجاه الفكري المنحرف لما يترتب عليه من تأييد لسلطانهم، فاذا أصبحت الأمة تفكر بهذا الأسلوب فان النتيجة هي أن تشل حركتها و يسودها الخمول و الاستسلام للواقع السي ء المفروض عليها.

و لا شك أن هذا الفكر صريح المناقضة للفكر القرآني الذي يجعل للانسان دوره المحوري و الاختياري في سير حركته في الحياة، و يحمله كامل المسؤولية لعمله و نشاطه و أن للأمم و الشعوب دروها الأساس في مظاهر حياتها و تقرير مصيرها، و أن القضاء و القدر الالهي انما يمر من خلال ارادة الانسان و اختياره، قال تعالي: (ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم) [9] ، فالآية تشير الي سنة من سنن الله تعالي في خلقه التي تتحكم في سير التاريخ.

فنلاحظ أن: (التغيير هنا أسند اليهم - الي القوم - فهو فعلهم ابداعهم و ارادتهم. اذن السنة التاريخية حينما تصاغ بلغة القضية الشرطية، و حينما يحتل ابداع الانسان و اختياره موضوع الشرط في هذه القضية الشرطية في مثل هذه الحالة تصبح هذه السنة متلائمة تماما مع اختيار الانسان، بل ان السنة حينئذ تطغي اختيار الانسان تزيده اختيارا و قدرة و تمكنا من التصرف في موقفه.) [10] .

الا أن الأمويين أرادوا أن يوحوا الي الأمة بروح الاستسلام و قتل روح التغيير الذي يجعل القرآن مسؤوليته علي عاتق الأمة.



پاورقي

[1] الانسان و القدر - الشهيد المطهري ص 45 - 43.

[2] مروج الذهب ج 3 ص 52.

[3] الطبري ج 6 ص 186.

[4] ابن‏کثير ج 8 ص 142.

[5] النساء: 19.

[6] العقد الفريد: 112: 5.

[7] العقد الفريد: 146: 5.

[8] الطبري 188: 6.

[9] الرعد: 11.

[10] المدرسة القرآنية ص 110.