بازگشت

تمهيد


كل ثورة أو حركة تغييرية في العالم لابد لها من قاعدة فكرية تبني عليها منهجها و مسيرتها في الحياة و تحدد أهدافها التي تريد الوصول اليها، و هذه القاعدة تتمثل في الرؤية الكونية التي تتبناها تلك الثورة أو تلك الحركة.

و من هذا المنطلق اختلفت المناهج و الأهداف عند الثورات و الحركات في العالم.

(ان البنية الفكرية تعتبر هي الأساس الذي تتقوم به الخصائص المنهجية بشكل عام حيث المناهج محكومة في الأعم الأغلب بمبتنيات القاعدة المفاهيمية التي ترتكز عليها، و من خلالها تتحدد طريقة التعامل مع الأشياء و الأحداث كما ترسم أبعاد المواقف و توضح حقيقة الأهداف) [1] .

فالماديون تتسم مناهجهم باللون المادي، و هو اللون الذي يحدد جملة الخصائص و المعالم و الأبعاد و الأهداف و يميزها عن غيرها. (لذا فانا نلاحظ الصبغة و الأبعاد المادية في الأساليب كما هي في المرتكزات و في المواقف كما هي في الأهداف و الغايات؛ لأنها جميعا مرتكزة علي القاعدة) الفكر المادي (... و النهج الاسلامي الذي يستمد خصائصه من القاعدة الفكرية الالهية يصبغ هو الآخر جميع مفردات مناهجه بلونه المتميز و بمعالمه ذات الهندسة الربانية) [2] .


و من هذا المنطلق تحرك سيدالشهداء لما صمم علي القيام بثورته المقدسة، فبدأ بتوضيح القاعدة التي انطلقت منها ثورته و حدد منهجه و أهدافه. قال عليه السلام في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية:

»هذا ما أوصي به الحسين بن علي بن أبي طالب الي أخيه محمد المعروف بابن الحنفية: ان الحسين يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله جاء بالحق من عند الحق، و أن الجنة حق، و النار حق، و أن الساعة آتية لا ريب فيها، و أن الله يبعث من في القبور.» [3] .

فهذه المقدمة لوصيته عليه السلام لأخيه توضح القاعدة الفكرية و الرؤية الكونية للثورة الحسينية، فانها - أي المقدمة - تضمنت أصول الاعتقاد في الاسلام: التوحيد، النبوة، المعاد. فقد أراد عليه السلام أن يقول للأمة: ان انطلاقته الثورية انما كانت من هذه القاعدة، و ان ايمانه هو الذي حتم عليه القيام بهذه الثورة الاصلاحية؛ حفاظا علي هذه القاعدة لتبقي فاعلة في حياة الامة فردا و جماعة، و لكي لا تفقد هذه العقيدة معناها الصحيح، فتصبح مجرد شعار يحمله الانسان المسلم خاليا من أي روح مؤثر في سلوكه و مواقفه كما كان عليه الوضع العام للمسلمين في عصر الامام الحسين عليه السلام.

فقرر عليه السلام أن يستعيد للعقيدة الاسلامية حرارتها و تأثيرها.

و لابد لنا من وقفة و لو قصيرة أمام هذه الأصول الثلاثة؛ لنستبين شيئا من حقيقة الاعتقاد الذي يريده الاسلام من الانسان المسلم و الامة المسلمة، و لابد لنا أيضا أن


نشير الي أن البحث ليس في صدد البرهنة علي هذه الأصول؛ لأن المتكفل بهذا كتب علم الكلام و الفلسفة الاسلامية، و انما نريد الاشارة الي ما تعرض له الفكر الاسلامي و العقيدة الاسلامية- في عهد الثورة الحسينية - من تحريف متعمد و محاولة لطمس معالم ذلك الفكر و القضاء عليه.



پاورقي

[1] المنهج الحرکي في القرآن الکريم ص 20.

[2] المنهج المحرکي في القرآن الکريم ص 20.

[3] بحارالأنوار ج 44 ص 329، و العوالم ترجمة الامام الحسين عليه‏السلام ص 179، و مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 188، و الفتوح لابن‏أعثم ج 5 ص 21 و اللفظ الأول.