بازگشت

تقديم


الدكتور عبدالهادي الفضلي

لا أخال أن هناك وقعة حربية كتب فيها و عنها و بلغات شتي عربية و غيرها كوقعة كربلاء.

و يرجع هذا الي أنها مأساة فاجعة، و لأنها ذات هدف انساني أسمي.

و قد اصطبغت أنماط الكتابة فيها، أو قل: تأثرت بالجو الثقافي للعصر الذي ولدت فيه.

ففي البدايات الأولي و المبكرة اعتمدت الكتابة الرواية و السرد التاريخيين: لأنها الطريقة التي كانت مألوفة آنذاك، و قد جاءت متأثرة بالجو الفكري الاسلامي في حينها حيث انتشار الحديث الشريف و التعامل معه عن طريق الرواية و النقل.

و في عصرنا هذا، و نحن نسير في هدي مناهج البحث التاريخي الحديث حيث التوثيق، و الأمانة في النقل، و الموضوعية في التعامل مع الموضوع، و التعليل لمعرفة العوامل و الأهداف، و التحليل لتعرف الأبعاد و النتائج، و النقد لمحاكمة آراء الآخرين بغية الوصول الي الحق منها.

ثم و أخيرا محاولة الوقوف عند الحقيقة المنشودة، التزم الكثير من المؤلفين و الكتاب الطريقة الحديثة المشار اليها.

و مع وفرة ما كتب في واقعة كربلاء فموضوع ثورة الامام الحسين عليه السلام لا يزال بحاجة الي استمرارية الكتابة فيه، و استمرارية البحث عن أبعاده و قضاياه.

و يعود هذا - فيما أقدر - الي الأمرين التاليين:


1- عدم اثراء البحث بالتحليل الوافي عند دراسة حوادث و أحداث القرن الأول الهجري من تاريخ المسلمين، و ذلك لاستخلاص الحقائق من ركام التناقضات و الادعاءات الفارغة و التزوير التاريخي و التضليل الاعلامي التي كبست علي الواقع الحق و صبغته بألوان داكنة لطمسه.

2- عدم وضوح الكثير من المفاهيم الاسلامية في موضوع الدولة و الحكم، و التي منها مفهوم (الامامة)، فقد تلاعبت فيه الذهنيات ذات التوجهات التي لا تلتقي و خط العدالة الاجتماعية الاسلامية، حتي عاد يضطرب في دوائر غير مستقرة من التغييم و التغييب.

و لمواصلة الاستمرارية في بحث موضوع وقعة كربلاء الكثيرة العوامل و الضخمة الأهداف لكي يزاد في التعليل و التحليل انبري الأخ العزيز العلامة الخطيب الشيخ الهديبي لذلك، فكانت هذه القراءات، و هي دراسة لوثائق هذه الوقعة، بعضها مباشر لها، و آخر ملابس، و تتمثل و فرتها في خطب و وصايا و رسائل الامام الحسين عليه السلام التي ركز فيها علي بيان عوامل ثورته و أهدافها و نتائجها المستقبلية.

و قرنها المؤلف الكريم بوثائق أخري من أقوال رسول الله صلي الله عليه و آله، و أقوال الامام أميرالمؤمنين عليه السلام ترتبط بشخص الامام الحسين من جانب و بثورته من جانب آخر.

و في المقابل - و علي الخط المقابل - استعرض وثائق من أقوال معاوية بن أبي سفيان مؤسس المملكة الأموية، و من أقوال ابنه الملك الثاني من ملوك امية يزيد بن معاوية، لها دور اسهام في الابانة عن أبعاد الموضوع و ملابساته.

و انطلق في دراسته لهذه الوثائق من أن الواقع الشرعي و كذلك الواقع التاريخي لأهل البيت عليهم السلام يمثل الامتداد الطبيعي لرسالة الاسلام و دعوة رسول الله صلي الله عليه و آله لتبليغها


و تطبيقها، و من أن الواقع القائم لآل امية آنذاك يمثل الانحراف عن الخط الاسلامي و المخالفة لمبادئه في العقيدة و التشريع.

فذهب يشرح نصوص الثورة شرحا سياسيا في اطار نظرته للواقع التاريخي عن طريق التحليل و التعليل، و التحرك داخل دائرة المبادي ء و المقاصد الاسلامية، معززا ذلك بالشواهد و الأمثلة من النصوص و الحوادث، فاستطاع بهذا أن يلقي الأضواء الكاشفة علي الكثير من الحوادث و الوقائع.

و لأن هذه الأضواء الكاشفة كانت قراءات لنصوص الثورة كانت تتسم بالاختصار، و مع هذا الاختصار فهي - كما قلت - اقتدرت أن تجلي الكثير من معالم الوقعة فتكشف عن حقائقها.

و في تقديري أن حركة التأليف المعاصر في وقعة كربلاء، و التي تنتهج طريقة الدراسة التاريخية التحليلية، و اعداد الموسوعات الشاملة و المستوعبة لكل أطراف و ملابسات الوقعة، سوف ننتهي من خلالها الي نتائج حية تقوم بدور الكشف عن الحقيقة ليتضح للتاريخ و الأجيال القادمة واقع الانحرافات عن خط الرسالة الاسلامية الذي تمثل في آل امية و أعوانهم، و واقع المقاومة لهذه الانحرافات، و المعارضة لشخوصها و رموزها من قبل أئمة أهل البيت و أتباعهم، فنكون بهذا قد خرجنا من عهدة المسؤولية أمام الله تعالي التي تفرض علينا من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بيان ما هو الحق، و الكشف عن الباطل فيما التبس منها، و فيما اختلطا فيه مما يتطلب التفريق.

و للكتاب الذي بين يدينا دور مساهمة بهذا، جزي الله مؤلفه الكريم جزاء جزاء العاملين في سبيله تعالي، و وفقه لاستمرارية السير في خدمة أهل البيت: فكرهم و تاريخهم، انه سبحانه ولي التوفيق و هو الغاية.