بازگشت

القافلة تطوي الصحراء...


القافلة تطوي الصحراء.. والنجوم المحتشدة في السماء ترسل اضواء واهنة، فتبرق ذرّات الرمال، و القافلة التي سبقت قوافل الحجيج في مغادرة مكّة تنساب في بطون الاودية.. و خشخشة الاشواك تبوح باسرار الليل.

وصادفهم رجل في «الصفاح» يريد العمرة.

- من الرجل؟

- الفرزدق بن غالب.

- هذا نسب قصير.

- انت اقصر نسباً مني.. انت ابن رسول اللَّه

ولاح سؤال عن الكوفة.. عاصمة ابيه واخيه.

- قلوبهم معك وسيوفهم عليك.

اية قلوب تلك لا تنقادلها السواعد.. القلوب الخائفة قلوب ميتة..


انها قطعة لحم باردة.

و في «ذات عرق» كان الحسين جالساً يقرأ كتاباً بين يديه.. و بين يديه ايضاً الصحراء المترامية.. صحراء لا نهاية لرمالها.. وبين يديه وقف التاريخ حائراً لا يدري أين مساره. ومرّ به رجل كان في الكوفة منذ ايام...

هزّ الرجل رأسه آسفاً:

- السيوف مع بني امية والقلوب معك.

- صدقت.

- ماذا تقرأ يابن رسول اللَّه؟

- كتاباً من أهل الكوفة وهم قاتلي.. فاذا فعلوا ذلك لم يدعوا للَّه محرماً الّا انتهكوه.

- انشدك اللَّه في حرمة العرب.

ومضي الرجل الي وجهته... ومضي التاريخ بعد أن عرف مساره... كان يسير باتجاه يختلف قليلاً عن جهة الكوفة. هناك بمحاذاة النهر سيكون اللقاء.. سيبني التاريخ في تلك البقعة احدي مدنه الخالدة.


و في «الخزيمية» لوت النوق اعناقها.. توقفت هنيهة.. اصغت الي هاتف عجيب:



الا يا عين فاحتفلي بجهد

فمن يبكي علي الشهداء بعدي



علي قوم تسوقهم المنايا

باقدار الي انجاز وعدِ



و تمتم الحسين:

- القوم يسيرون و المنايا تسري اليهم.

- او لسنا علي الحق يا أبي؟

تأمل ابنه الاكبر.. فحنّ الي جدّه...

- بلي والذي اليه مرجع العباد.

- يا ابت اذن لا نبالي.

وفاضت عيناه شوقاً الي جدّه.

وفي «الثعلبية» قال الحسين لرجل تاهت به السبل.. لا يدري أي الطريقين يسلك.

- يا أخا العرب لو لقيتك بالمدينة لا ريتك اثر جبريل في دارنا.. افعلموا وجهلنا؟! هذا مما لا يكون!


و مضي الرجل حائراً لا يدري أي الطريقين يعني النجاة. طريق الحسين أم طريق الحياة.

و مضت القافلة لا تلوي علي شي ء. الي الكوفة كانت الخطي تتجه، ولكن القلوب كانت تهفو الي مدينة أخري.. مدينة لم تولد بعد.

كبّر صاحب للحسين:

- رأيت النخيل.. نخيل الكوفة.

استنكر آخر:

- ما بهذا الموضع نخل.. وانما هو اسنّة الرماح وآذان الخيل.

ونظر الحسين:

- وأنا اراه ذلك.. أليس هنا ملجأ؟.

- نعم «ذو حسم» جبل عن يسارك.

وأناخت النوق.. هوَتْ بأثقالها الي الارض.. توقّفت سفُن

الصحراء. توقفت لتتأكد من اتجاه البوصلة.. أو لتواجه القراصنة.. قراصنة التاريخ.