بازگشت

قصر الإمارة يجثم فوق الكوفة...


قصر الإمارة يجثم فوق الكوفة.. نسر هائل جاثم علي فريسته.. غراب اسطوري ينعب فتطير الرؤوس وتطيح الايدي..

ذئاب جائعة من بعيد.. وكلاب مسعورة تنبح.. وليل حالك ملي ء بالاسرار والغموض.. ورجل ارقط مجهول النسب اسمه ابن زياد بن ابيه.. ابن الليلة الماجنة. الرجل الارقط بدا مفزعاً تلك الليلة.. شيطانا مريداً يفكّر و يدبّر، فقتل كيف فكر.. يتشبث بمخالب نسر.. يهدّد بجنود قادمين من الشام.. فتطيع القبائل، وتنحني الرقاب.. و تتساقط الرؤوس....

التفت نحو هاني بن عروة، وصرخ بعصبية:

- اتيت بابن عقيل الي دارك، وجمعت له السلاح؟

قال هاني بثبات:

- أفضّل لك أن تمضي الي الشام، فقد جاء من هو احقّ بالامر منك


قال هاني بثبات:

- أفضّل لك أن تمضي الي الشام، فقد جاء من هو احقّ بالامر منك و من صاحبك.

و تفجّر ابن زياد غضباً:

- واللَّه لا تفارقني حتي تأتيني به.

و جاءه الجواب هادئاً ثابتا.. ثبات الجبال:

- واللَّه لو كان تحت قدميّ ما رفعتهما عنه.

- لأقتلنّك.

- اذن تكثر البارقة حولك.

هجم الارقط علي زعيم «مراد» وجرّه من شعره، و سدّد له ضربة هشمت انفه.

يا كوفة.. يا مدينة عجيبة.. ايتها الغانية اللعوب.. يا مومساً تريد كل يوم بعلاً.. لِمَ تُضيعين ابناءك؟ ابن مسلم ايتها الغادرة؟!..

خيول الدوريات تجوس المدينة الخائفة.. الخائنة.. يبحثون عن رجل مكّي مدني اسمه مسلم.. مسلم حقاً.


- لم يبحثون عنه؟..

- انه يحمل اشياء ممنوعة. اشياء خطيرة. يحمل سيفاً علوياً.. وقلباً حسينياً.. يريد تهريب الثورة..

- في هذا الليل والناس نيام؟!

العيون الحمراء ترقب المدينة..ومسلم في بيت طوعة.. رجل

انقطعت به السبل، وضاقت عليه الارض بما رحبت، ولا ملجأ له سوي مهنّد في يمينه.

وطوعة.. المرأة العجوز.. تتأمل اسداً جريحاً من ليوث محمّد.. يقبض علي قائمة سيفه. لقد طلع الفجر، وآن للنهاية ان تبدأ.

- انهم كثيرون.. مئة أو يزيدون.

- لا عليك يا أمَة اللَّه. لقد حان اللقاء. رأيت عمي اميرالمؤمنين- في المنام- يقول لي: انت معي غداً...

اقتحمت الذئاب منزل طوعة، ولمع السيف العلوي كبرق سماوي.. و دوّي رعد مهيب له صوت مسلم:



اقسمت لا أُقتل الّا حرّا

وإن رأيت الموت شيئاً نكرا




الرجل الغريب القادم من رمال الجزيرة، يقاتل لوحده في المدينة المشهورة بالغدر، والرجال الذين ابتسموا له بالأمس يكشرون عن انياب مسمومة.. ملوّثة بالصديد.

وصرخ «ابن الاشعث» مستمدّاً:

- الرجال.. الرجال.

ويستنكر قصر الامارة:

- ويلك انه رجل واحد.

- اتظن انك ارسلتني الي بقال من بقالي الكوفة!.. انه سيف من اسياف محمّد.

وعجزت السيوف أن تكسر سيفه.. والرجل ما يزال يقاتل.. يقاتل بضراوة اسطورية.. الجراح النازفة.. الظمأ.. الاعياء.. غامت المرئيات أمام عينيه.. وتوالت الطعنات. طعنات الغدر. الخناجر المسمومة تنغرز في جسده. و تهاوي الجبل. الارادة الفولاذية عجز الجسد عن مواكبتها. تراخت قبضته. ولمّا انتزعوا سيفه بكي. و تعجّب الذين حوله.. لم يدركوا سرّ البكاء.