بازگشت

الحج في سيرة الحسين


للحجّ في تراث أهل البيت عليهم السلام شأنٌ عظيم، وموقع متميّز بين عبادات الإسلام، فهم يبالغون في التأكيد علي أنّ الكعبة هي محور الدين، ومدار الإسلام، ونقطة المركز له، وقطب رحاه، علي المسلمين غاية تعظيمه والوفادة إليه.

ومن الواضح أنّ من الفوائد المنظورة للحجّ، والتي صرّحت بها الآيات الكريمة، وأصبحت لذلك أفئدة المؤمنين تهوي إليه هو دلالته الواضحة علي خلوص النيّة، والتركيز علي وحدة الصفّ الإسلامي، وتوحيد الأهداف الإسلامية، التي تركّزت عند الكعبة، وتمحورت حولها.

وأهل البيت عليهم السلام كانوا في هذا التكريم العظيم جادّين أقوالاً وأفعالاً، فالنصوص الواردة لذلك مستفيضة بل متواترة، وقد أقدموا علي ذلك عملياً بأساليب شتّي:

منها الإكثار من أداء الحجّ، وقد جاء في سيرة الحسين عليه السلام:

[2 ـ 193] إنّه حجّ ماشيـاً «خمسـاً وعشرين» وإنّ نجائبه معه، تُقاد وراءه [1] .

إنّها الغاية في تعظيم الحجّ، بالسعي إلي الكعبة علي الأقدام، لا عن قلّة


راحلة، بل إمعاناً في تجليل المقصد والتأكيد علي احترامه.

وهذا علي الرغم من ازدحام سنيّ حياته بالأعمال، فلو عدّدنا سنّي إمامته العشر، وسنوات إمامة أخيه الحسن العشر كذلك، وسنوات إمامة أبيه الخمس، لاستغرقت «خمساً وعشرين» حجّة.

فهل حجّ الحسين عليه السلام في الفترة السابقة بعض السنوات؟

وأُسلوب آخر من تعظيم أهل البيت للكعبة والبيت والحرم: أنّهم لم يُقْدموا علي أيّ تحرّك داخل الحرم المكّيّ، وكذلك الحرم المدنيّ، رعاية لحرمتهما أن يُهدَر فيهما دم، وتهتك لهما حرمة علي يد الحكّام والأُمراء الظالمين، وجيوشهم الفاسدة، المعتدية علي حرمات الدين.

ومن أجل ذلك خرج الإمام عليّ عليه السلام من الحجاز، وكذلك الإمام الحسين عليه السلام، وكلّ العلويّين الّذين نهضوا ضدّ جبابرة عصورهم، وطواغيت بلادهم، خرجوا إلي خارج حدود الحرمين حفظاً لكرامتهما، ورعاية لحرمتهما [2] .

وبهذا الصدد جاء في حديث سيرة الحسين عليه السلام أنّه خرج من مكّة معجّلاً، جاعلاً حجّه عمرةً مفردة، حتّي لا تُنتهك حرمةُ البيت العتيق بقتله، بعد أن دسَّ يزيدُ جلاوزته ليفتكوا بالإمام، ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة!

وإذا كان الظالمون لا يلتزمون للكعبة والحرم بأيّة حرمة، ويستعدّون لقتل النفوس البريئة فيه، وهتك الأعراض في ساحته، وحتّي لهدمه وإحراقه، كما أحدثوه في تاريخهم الأسود مراراً، وصولاً إلي أغراضهم السياسية المشؤومة.

فإنّ بإمكان الحسين عليه السلام أن يسلبهم إمكانيّة تلك الدناءة، فلا يوفّر لهم فرصة ذلك الإجرام، ولا يجعل من نفسه ودمه موضعاً لهذا الإقدام الذي يريده المجرمون، فلا يحقّق بحضوره في الحرم، للمجرمين أغراضهم الخبيثة، بقتله


وهتك حرمة الحرم، وإن كان مظلوماً علي كلّ حال.

وهذه هي الغاية في احترام الكعبة، وحفظ حرمة الحرم.

وقد صرّح الإمام الحسين عليه السلام بهذه الغاية لابن عبّاس، لمّا وقف أمام خروجه إلي العراق، فقال:

[243] لئن أُقتل بمكان كذا وكذا، أحَبُّ إليَّ من أنْ استحلَّ حرمتها.

[244] وفي نصّ آخر:... أحبُّ إليَّ من أن يُستحلّ بي ذلك [3] .

والنصُّ الوارد في نقل الطبراني: «... أحبُّ إليَّ من أن يُستحلَّ بي حرم الله ورسوله» [4] .

وهذه مأثرة اختصّ بها أهل البيت عليهم السلام لابُدّ أنْ يمجّدها المسلمون.


پاورقي

[1] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:129).

[2] راجع جهاد الإمام السجّاد عليه السلام (ص77).

[3] لاحظ: مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:142).

[4] لاحظ: تاريخ دمشق، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام (ص190 ـ 193 هامش (3).