بازگشت

في وداع أخيه الحسن


ووقف الحسين ينعي صنوه، وشقيقه في كلّ الحياة، وفي الفضائل، وفي المشاكل، وإن سبقه في الولادة ستّة اشهر وعشرة أيام، فقد سبقه في الشهادة عشر سنين.

وفي الكلمة التي ألقاها الحسين علي قبر أخيه كثير من المعاني الجامعة، علي لسان هذا الصنو الموتور بأخيه، قال عليه السلام:

«رحمك الله، أبا محمد،

إنْ كنتَ لتناصر الحقّ عند مظانّه، وتؤثر الله عند مداحضِ الباطل وفي مواطن التقيّة بحُسْن الرويّة.

وتستشفُّ جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتقبض عنها [1] يداً طاهرة.

وتردعُ ما ردة [2] أعدائك بأيسر المؤونة عليك.

وأنتَ ابن سلالة النبوّة، ورضيع لُبان الحكمة.


وإلي رَوْح وريحان، وجنّةِ نعيم.

أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الأسي عليه» [3] .

حقّاً، يعزُّ علي أبي عبد الله الحسين، أن يفقد عضده، في أحلك الظروف حيث شوكة بني اُميّة في تقوٍّ، وأحوال الأُمّة في تردٍّ، وقد كانَ الإمام الحسن عليه السلام صامداً في مواجهة المعاناة التي تحمّلها، فتجرّع غصص الصلح مع معاوية، ذلك الذي ألجأه إليه وَهْنُ الجبهة الداخلية، وشراسة الأعداء الخارجيّين، وتسلّل الخَونة من أمراء جيشه، وفساد خُلق الأُمّة وانعدام الخَلاق إلي حدّ التكالب علي الدنيا وحبّ الحياة، والهروب من الموت.

إن كان الإمام الحسنُ عليه السلام يُواجه هذه المصاعب، فإنّه لم يكن وحيداً، بل كان الحسين إلي جانبه يعضُده، لكن الحسينَ عليه السلام حين ينعي أخاه سوف يبقي لما سيتحمّله من أعباء المسؤوليّات، وحيداً، بلا عضُد.

ولكنّه الواجب الإلهي يفرض علي الإمام أن يقف أمام كلّ التحديات التي تهدّد كيان الإسلام، مهما كانت خطيرة وصعبة، ولو علي حساب وجود شخص الإمام الذي هو أعزّ مَنْ في الوجود، وهذا هو الدرس الذي تلقّنه من جدّه الرسول طفلاً، ومن أبيه شابّاً، ومن أخيه كهلاً.



پاورقي

[1] في مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور: وتفيض عليها.

[2] في المختصر: بادرة.

[3] تاريخ دمشق، ترجمة الإمام الحسن عليه السلام (ص233) رقم(369) ومختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:46).