بازگشت

الحسين والبكاء


روي ابن عساكر بسنده قال:

[170] خرج النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم من بيت عائشة فمرّ ببيت فاطمة، فسمع حُسيناً يبكي، فقال:

«ألم تعلمي أنّ بُكاءه يؤذيني» [1] .

[219] وقال صلّي الله عليه وآله وسلّم لنسائه: «لا تُبكوا هذا الصبيّ» ـ يعني حسيناً ـ [2] .

ولماذا يؤذيه بكاءُ هذا الطفل بالخصوص؟! وكلّ طفل لابُدّ أن يبكي، وإذا كان إنسانٌ رقيقَ العاطفة، فلابُدّ أن يتأذّي من بكاء كلّ طفل، أيّ طفل كان، فلماذا يذكر النبيّ العطوف، الحسينَ خاصّة؟ لكنّ القضية التي جاءت في الحديث لا تتحدّث عن هذه العاطفة، وإنّما تشير إلي معنيً آخر.

فبكاء الحُسين، يؤذي النبيّ لأنّه يذكّره بحزن عظيم سوف يلقاهُ هذا الطفل، تبكي له العيون المؤمنة وتحزن له القلوب المستودعة حبّه.

وإذا كان الرسولُ صلّي الله عليه وآله وسلّم يتأذّي من صوت بكاء هذا الطفل وهو في بيت أبويه، فكيف به إذا وقف عليه يوم عاشوراء في صحراء كربلاء وقد كظّه الظمأ، يطلب جرعة من الماء؟!!

وإذا كانت دمعةُ الحسين تعزّ علي رسول الله أن تجريَ علي خده! فكيف بدمه الطاهر حين يُراقَ علي الأرض؟!

إنّ أمثال هذا الحديث رموزٌ تُشير إلي الغيب، وإلي معان أبعدَ من مجرّد العاطفة وأرقّ.

والأذي الذي يذكره النبيّ، أعمقَ من مجرّد الوجع وأدقّ.


وللبكاء في سيرة الحسين منذ ولادته بل وقبلها، وحتّي شهادته بل وبعدها، مكانة متميّزة.

فقد بكتْهُ الأنبياء كلّهم حتّي جدّه الرسول قبل أن يولد الحسين. وبكاه أهل البيت بما فيهم جدّه الرسول يوم الولادة. وبكاه أهلُه وأصحابهُ يوم مقتله، وبكي هو أيضاً علي مصابه، وبعد مقتله بكاهُ كلّ من سَمِعَ بنبأ شهادته: أُمّهات المؤمنين، والصحابةُ المؤمنون.

وبكاهُ الأئمّة المعصومون، ومن تبعهم، مدي القرون! حتي جاء في رواية عن الحسين عليه السلام نفسه أنّه قال: «أنا قتيلُ العَبْرة، ما ذكرني مؤمنٌ إلاّ وبكي». وعبّر عنه بعض الأئمّة بـ «عَبْرة كلّ مؤمن».

ولقد تحدّثتُ عن مجموع النصوص الواردة في «البكاء علي مصيبة الحسين» في بعض «الحسينيّات» التي ألّفتها [3] .


پاورقي

[1] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:125).

[2] مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (7:134).

[3] لاحظ: ذکري عاشوراء وتأمّلاتها التراثية فقهياً وأدبياً ـ مخطوط ـ وجهاد الإمام السجّاد عليه السلام (ص212 ـ 224).