بازگشت

علي الطريق


أولاً: لم تكن الخلافة في المفهوم الإسلامي حقّاً يورث. ولكنَّ السلطة التي استبدت بالحكم في عصر عثمان أرادت أن تجعلها كذلك. ففي المحفل الحاشد الذي ضم كثيراً من المسلمين بينهم عثمان والإمام علي (عليه السلام)، جاء أبو سفيان شيخ بني أمية والوجيه لديهم، وهم الحزب الحاكم علي الأوساط السياسية في البلاد الإسلامية - ذلك اليوم - جاء يتفقد طريقه بِعَصاً يحملها وقد كُف بصره.

وكان آنذاك قد شعر بانتهاء دوره في الحياة واقتراب منيَّته، فسأل أحد الجالسين هل في الحفل مَن يُخشي منه من غير بني أمية.

قال له رجل: ليس ههنا رجل غريب.

فقال: تَلَقَّفوها - أي السلطة - تَلَقُّفَ الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان لا جنَّة ولا نار!.

فأصاخ إليه كل سمع كان في بني أمية، ووعي نصيحته بكل التفات، ولم يعترض عليه يومئذ سوي أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، إذ وبَّخه علي إعلانه الكفر، وأنَّبه فاعتذر قائلاً: لقد كنت مغروراً بهذا الرجل الذي نفي وجودَ أيِّ غريب في المجلس، وإلاّ لم يكن من الحزم أن أصارح مثلك بهذا.

وانتهي الحفل، وتفرق الجمع، إلاّ أنه كان ذا تأثير كبير في تسيير الأوضاع السياسية لمستقبل المسلمين.

أجل قد أفصح قول أبي سفيان عن خطة له مدروسة ساعده علي تنفيذها الحزب الأموي:

أولاً: ومَن ابتغي السلطة، بل ومن ابتغي تقويض الأسس الإسلامية لأضغان قديمة، وأحقاد متراكمة.

ثانياً: تلك هي رغبة السيطرة علي الحكم، ثم يَسهل عليهم كلّ ما يشاؤون.

وأبو سفيان - وهم معه - كانوا يستسهلون كل صعب، ويستحسنون كل قبيح في سبيل ذلك، ماداموا لا يعتقدون بجنة أو نار، ولا يؤمنون بنبي أو وصي، ولا يبالون لأي مقدَّس يُدحض، وأي شرف يُدنس، وأية سمعة تُساء، فإن أمامهم غاية يبررون في سبيل الوصول إليها كل واسطة، بل يعتبرون كل واسطة تؤدي إليها أمراً مقدَّساً ومحرماً. تماماً كالفكرة الجاهلية التي تمكنت من أدمغتهم البالية.

وحينما نجري مع الأحداث التي مرت بالعالم الإسلامي من أواخر عهد عثمان حتي قيام الدولة العباسية نجد أوفق التفاسير لها هذا الذي قدمناه لك الآن من كلام أبي سفيان، واعتقاده ومن تابعه.

فالحروب التي رافقت عصر الإمام علي (عليه السلام)، والحرمات التي هُتكت في عصر معاوية، والغارات التي شُنت في عهد يزيد، والمعارك التي شبت وأضرمت في عهد سائر الخلفاء الأمويين... كانت جميعاً جارية علي هذا المبدأ، ومنفِّذة لهذه الخطة المدروسة.

فالحزب الأموي لم يفكر إلاّ في ابتزاز الأموال، وتشكيل السلطان، واستعباد الخلق بكل وسيلة. ومن أراد تفكيك الأحداث السياسية في هذه الحقبة الطويلة عن هذه الحقيقة الصريحة فقد أراد تفكيك المعلول عن علته، والمسبب عن سببه.