بازگشت

الفصيح البديه


لقد زخرت الكتب التاريخية بنوادره الرائعة من كلمات فصيحة يحسدها الدر في ألمع نضارته، وآلق روعته. وقد جُمع ذلك في كتب برأسها، إلاّ أني ذاكر لك الآن شيئاً قليلاً منها.

1- أبعد عثمانُ الصحابيَّ الكبيرَ أبا ذر (رض)، فشيَّعه عليٌّ وابناه (عليهما السلام)، فقال الإمام الحسين بالمناسبة:

(يا عمَّاه، إن الله قادر أن يغير ما قد تري. والله كل يوم في شأن. وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك، وما أغناك عمّا منعوك، وأحوجهم إلي ما منعتهم. فاسأل الله الصبر والنصر، واستعن به من الجشع والجزع، فإن الصبر من الدِّين والكرم، وإن الجشع لا يقدم رزقاً، والجزع لا يؤخر أجلاً) [1] .

2- جاء إليه أعرابي فقال: إني جئتك من الهرقل والجعلل والأنيم والمهمم. فتبسم الحسين (عليه السلام) وقال: (يا أعرابي لقد تكلمت بكلام ما يعقله إلاّ العالمون).

فقال الأعرابي: وأقول أكثر من هذا، فهل أنت مجيبي علي قدر كلامي؟ فأذِن له الحسين (عليه السلام) في ذلك فأنشد يقول:



هفا قلبي إلي اللهو

وقد ودع شرخيـــــه



إلي تسعة أبيات علي هذا الوزن.

فأجابه الحسين (عليه السلام) مثلها متشابهات منها:



فما رسم شيطاني قد

تحت آيات رسمية



سفور درّجت ذيليــن

في بوغاء فاعليـــة



ثم أخذ يفسر ما غمض من كلامه فقال:

(إما هرقل: فهو ملك الروم، والجعلل: فهو قصار النخل، والأنيم: بعوض النبات، والمهمم:

القليب الغزير الماء).

وهذه كانت أوصاف الأرض التي جاء منها.

فقال الأعرابي: ما رأيت كاليوم أحسن من هذا الغلام كلاماً، وأذرب لساناً، ولا أفصح منه منطقاً [2] .

ومن روائعه المأثور قوله: (شر خصال الملوك الجبن عن الأعداء، والقسوة علي الضعفاء، والبخل عن الإعطاء) [3] .

ومن حكمه البديعة: (لا تَتكلف مالا تطيق، ولا تَتعرض لما لا تُدرك، ولا تعتدَّ بما لا تقدر عليه، ولا تنفق إلا بقدر ما تستفيد، ولا تطلب من الجزاء إلا بقدر ما صنعت، ولا تفرح إلاّ بما نلت من طاعة الله، ولا تتناول إلاّ ما رأيت نفسك له أهلاً) [4] .

ومن بديع كلامه لما سئل: ما الفضل؟ قال: (ملك اللسان، وبذل الإحسان). قيل: فما النقص؟ قال: (التكلف لما لا يعنيك).


پاورقي

[1] روضة الکافي: ص 207.

[2] أبــو الشهداء: عباس محمود العقاد، نقلاً عن کتاب مطالب المسؤول لمحمد بن طلحة الشافعي: ص 73.

[3] بلاغة الإمام الحسين: ص 128.

[4] بلاغة الإمام الحسين: ص 154.