بازگشت

الشجاع والبطل


نعتقد نحن الشيعة أن الأئمة الأثني عشر قد بلغوا القمة من كل كمال، ولم يَدعو مجالاً للسمو إلاّ ولجوه فكانوا السابقين. بيد أن الظروف التي مرّوا بها كانت تختلف في إنجاز مؤهلاتهم بقدرها، وطبقاً لهذه الفلسفة فإن كل واحد منهم اختص بصفة مميَّزة بين الآخرين. وإن ميزة الإمام الحسين (عليه السلام) هي الشجاعة والبطولة بين سائر الأئمة (عليه السلام).

وكلما تصور الإنسان واقعة كربلاء ذات المشاهد الرهيبة، التي امتزج فيها الدمع بالدم، ويلتقي بها الصبر بالمروءة، والمواساة بالفداء، لاحت بسالة أبرز أبطالها الإمام الحسين (عليه السلام)، في أروع وأبهي ما تكون بطولة في التاريخ. ولولا ما نعرفه في ذات الإمام من كفاءاته البطولية التي ورثها ساعداً عن ساعد، وفؤاداً عن فؤاد، ولولا الوثائق التاريخية التي لا يخالجها الشك، ولولا ما نعتقده من أن القدوة الروحية لابد أن تكون آية الخلق ومعجزة الإله فلربما شككنا في كثير من الحقائق الثابتة التي يذهل دونها العقل، والفكر، والضمير.

كان الإمام الحسين (عليه السلام) يوم الطف ينزل إلي المعركة في كل مناسبة فيكشف إسراف الخيل، لتفصح عن جثمان صحابي أو هاشمي يريد بلوغ مصرعه.

ولربما احتدم النزاع عنيداً شديداً بينه وبينهم وهو يحاول بلوغ مصرع من يريده. فكانت تعد كل محاولة له من هذا النوع هجمة فريدة، ومع ذلك كان يكرر ذلك كل ساعة حتي قُتل أصحابه، وأبناؤه، وإخوانه جميعاً.

والمصيبة ذاتها كانت مما يُنيل من قوة الإنسان، كما تفُلّ من عزيمته، والعطش والجوع يضعفان المرء، ويذهبان بكل طاقاته، والحر سبب آخر يأخذ جهداً من المرء كثيراً.

ويجتمع كل ذلك في شخص الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء، ومع ذلك فإنه يلبس درعاً منصفاً، ذو واجهة أمامية فقط، ويهجم علي الجيش الضاري، فإذا به كالصاعقة تنقض فيتساقط علي جانبيه الأبطال كما تتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف.

فيقول بعض من حضر المشهد: إنه ما رأيت أشجع منه، إذ يكر علي الجيش، فيفر أمامه فرار المعزي عن الأسد، وذلك في حين أنه لم يكن آنذاك أفصح منه إنساناً.

وحينما نرجع بالتاريخ إلي الوراء نجد من الإمام الحسين (عليه السلام) بطولات نادرة في الفتوحات الإسلامية. ثم في حروب الإمام علي (عليه السلام). إلاّ أنها مهما بلغت من القوة والاصالة فإنها لا تبلغ شجاعته يوم عاشوراء، تلك التي كانت آية رائعة في تاريخ الإنسانية بلا شك.

يقول العقاد: وليس في بني الإنسان من هو أشجع قلباً ممن أقدم علي ما أقدم عليه الحسين في يوم عاشوراء [1] .


پاورقي

[1] أبو الشهداء: عباس محمود العقاد ص 46.