بازگشت

تمهيد


انبعث من ضمير الإنسانية رجال، كانوا المعجزة في أقرب مفاهيمها، وأصدق معاييرها، وفي أسني تألقها، وأبهي تجليها.

لا شك في أنها كانت آية ظاهرة، تهدي إلي قوة قاهرة وراء الغيب لتنير الكون، وتدفعه إلي سُبله المستقيمة، تدعو إلي التصديق الواعي، بحقيقة أخري غير هذه المادة، وغير ملابساتها الظاهرية، تلك هي حقيقة الخالق العليم.

(بِنا عُرف الله) [1] .

وليس من شك في أن للمسلمين أحظي نصيب من هذا النمط البالغ في سنائه وبهائه حدّ المعجزة الخارقة، من الأبطال البارعين.

فالنبي محمد (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، قممٌ لاشك في مجدها وسموقها - لِسِلسلة شاهقة من جبال لا يرقي إليها الطير، وسامقات متأصلات كانت تحمل هم وشرف الحقيقة وأوتاد صعيد الفكر. ولولاهم لتزلزل وماد، إذ أنهم سفن محيط الشك الذي لولاهم لغمر كل حي ونزل القعر البعيد..

ومن قمم هذه السلسلة المباركة الإمام علي (عليه السلام) الذي هو - بلا ريب - ثاني الرسول العظيم.

ومنها الإمام الحسن (عليه السلام) الذي حفظ الله به الدِّين حين أصلح الله به بين فئتين متنازعتين من المسلمين..

ومنها الإمام الحسين (عليه السلام)، الذي استقر في أشمخ وأروع قمة بعد النبي (صلي الله عليه وآله)، وبعد الوصي (عليه السلام).

ولا أُحب أن أفاتحك الحديث قبل أوانه فهذا الكتاب بين يديك سوف نفتح فيه أسرار المعجزة في هذه القمة المجيدة، وسوف يعالج كل موضوع، ولو كانت معالجة بتراء، إلاّ أني آملها معالجة واعية إن شاء الله.

غير إني أريد أن أقدم شيئاً مما يجب أن أصبر عليه إلي أوانه القريب. لندخل فصول الكتاب في تفتح ذكري بالغ.. وها هو بين يديك:

أصبح المسلمون اليوم أحوج إلي النور من أي يوم آخر، لأنهم أصبحوا وسط زوابع هادرة تلفهم من كل جانب، في ليل مظلم، وفي قفر لا يملكون هادياً أو رائداً. قد ظلَّت بهم السبل، واختلفت في وجههم التيارات، وهم لا يدرون ما يعملون؟

أقول، إنهم اليوم أحوج ما يكونون إلي النور، في حين أنهم أبعد ما كانوا عنه، لأنهم - كما نراهم - مجردون عن الوعي الكافي الذي يجب أن يكفل غذاءهم الفكري المستمر - في خضم هذه الأفكار الـواردة - فلا يعرفون تعاليم دينهم، ولا يميزون معالمه الوضيئة التي دلَّت تجارب السنين العديدة علي إنها الوحيدة من نوعها التي تستطيع أن تنتشل الأمة من قعرها العميق إلي قمتها المأمولة.

وإن هذا نموذج حي أريد أن أقدمه إليك - أيها القارئ - هنا ومن خلال السطور التي نمر عليها.

وسوف لا أوقفك طويلاً لأمهّد لك، فلنقطع الحديث للنظر في سطور الكتاب، لنري أحفل حياة بالمكرمات الرائعة.


پاورقي

[1] حديث عن الأئمة مأثور.