بازگشت

وصول الحسين كربلاء


لما وصل الحسين وأهل بيته وأصحابه كربلا، وكان نزوله في الثاني من شهر محرّم سنة احدي وستين من الهجرة، وأحاط جيش بن زياد بمخيم الحسين وتقاطرت عليه الكتائب من كل حدب وصوب، رفع الحسين (عليه السلام) يديه الي السماء وقال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كلّ شدّة وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة.

إلهي كم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدوّ أنزلته بك وشكوته اليك رغبةً مني إليك عمّن سواك ففرجته وكشفته فأنت وليّ كل نعمة وصاحب كلِّ حسنة ومنتهي كل رغبة، يا أرحم الراحمين.

لما نزل الإمام الحسين (عليه السلام) ، عرصات كربلا، قيل له انزل علي حكم ابن عمّك، فقال:

والله لا اعطي الدنية من نفسي، لا والله لا اعطيكم اعطاء الذليل ولا اقرّ لكم اقرار العبيد.



بأبي أبيّ الضيم لا يعطي العدي

حذر المنيّة منه فضل قيادِ



بأبي فريداً أسلمته يد الردي

في دار غربته لجمع أعادي



ثم نادي: عباد الله اني عذت بربّي وربكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب.

فجمع (عليه السلام) ولده واخوته وأهل بيته ونظر اليهم وبكي وقال: اللّهم انا عترة نبيّك محمّد قد اُخرجنا وطُردنا واُزعجنا عن حرم جدّنا وتعدَّت بنو امية علينا، اللّهم فخذ لنا بحقّنا وانصرنا علي القوم الظالمين.

واقبل علي أصحابه فقال: الناس عبيد الدنيا، والدين لعق علي السنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم، فاذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون [1] .

ثم حمد الله واثني عليه وصلّي علي محمّد وآله وقال:

أمّا بعد فقد نزل بنا من الأمر ما قد ترون وان الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها ولم يبق منها الاّ صبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعي الوبيل، ألا ترون الي الحق لا يُعْمَل به والي الباطل لا يُتَناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله! فاني لا أري الموت الاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما [2] .

فقام زهير وقال: سمعنا يا ابن رسول الله مقالتك ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنّا فيها مخلّدين لآثرنا النهوض معك علي الاقامة فيها.

وقال برير: يا ابن رسول الله لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك تُقَطَّع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة [3] .

وقال نافع بن هلال: أنت تعلم ان جدّك رسول الله لم يقدر أن يشرب الناس محبّته ولا أن يرجعوا الي أمره ما أحب، وقد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر ويضمرون له الغدر يلقونه بأحلي من العسل ويخلفونه بأمرّ من الحنظل حتي قبضه الله إليه وإن أباك علياً كان في مثل ذلك فقوم قد أجمعوا علي نصره وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين حتي أتاه أجله فمضي الي رحمة الله ورضوانه، وأنت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده وخلع بيعته فلن يضر إلاّ نفسه والله مغن عنه، فسر بنا راشداً معافي مشرِّقاً إن شئت أو مغرِّباً، فوالله ما أشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربّنا وإنا علي نيّاتنا وبصائرنا، نوالي من والاك ونعادي من عاداك [4] .

وقال عليه السلام: موت في عز خيرٌ من حياة في ذل، وكان يحمل علي أعداء الله يوم الطف وهو يرتجز ويقول:



الموت خيرٌ من ركوب العارِ

والعار أولي من دخول النارِ



وما أروع ما قيل فيه تجسيداً لحالته المعصومة تلك:



يأبي له الله والعضب المذرّب

والنفس الأبيّة الا عزة وابا



وما أكثر ما قيل فيه من نظم ومن نثر مستخلصاً منه صدق التعبير بنزاهة معبر واخلاص فكان اخاذاً ولنسمع:



منعوه من ماء الفرات وورده

وأبوه ساقي الحوض يوم الجزاءِ



حتي قضي عطشاً كما اشتهت العدي

بأكف لا صيد ولا اكفاء



فأدب الطف مرآة خالصة البقاء لملحمة استشهاد خالصة من أي شائبة أخذته من معلّم الشهادة الاول محمد (صلي الله عليه وآله وسلم) ونفّذَتْهُ مستلهمة صراط كل الذين أذهب الله عنهم الرجس في التطبيق.

وهذه الأبيات بعض مصاديق ما أقول:



من مبلغ المصطفي سبطاه قد قضيا

بالسم هذا وذا بالسيف منحورا



أوصي وأكّد في الدنيا وصيّته

فأوسعوا عهده نكثاً وتغييرا



لو كان جدّهما أوصي بظلمهما

لما استطاعوا لما جاؤوه تكثيرا



ثم انه عليه السلام اشتري النواحي التي فيها قبره من أهل نينوي والغاضرية بستين الف درهم وتصدق بها عليهم واشترط عليهم أن يرشدوا الي قبره ويضيفوا من زاره ثلاثة ايّام، وكان حرم الحسين (عليه السلام) الذي اشتراه أربعة أميال في أربعة أميال، فهو حلال لولده ولمواليه وحرام علي غيرهم ممن خالفهم وفيه البركة، وفي الحديث عن الصادق (عليه السلام) أنهم لم يفوا بالشرط [5] .

ولما نزل الحسين (عليه السلام) كربلاء كتب الي أخيه محمد ابن الحنفية وجماعة من بني هاشم: اما بعد فكأن الدنيا لم تكن وكأن الآخرة لم تزل والسلام [6] .


پاورقي

[1] البحار: 10/198، المقتل للخوارزمي: 1/237.

[2] هذا في اللهوف، وعند الطبري: 6/229: انه خطب به بذي حسم، وفي العقد الفريد: 2/312 وحلية الأولياء: 3/39 وابن عساکر: 4/333 مثل اللهوف، وفي مجمع الزوائد: 9/192 وذخائر العقبي: ص149 والعقد الفريد: 2/312: يظهر منه انه خطب ذلک يوم عاشوراء، وفي سير أعلام النبلاء للذهبي: 3/209: لما نزل عمر بن سعد بالحسين خطب أصحابه.

[3] اللهوف: ص44.

[4] مقتل العوالم: ص76.

[5] کشکول الشيخ البهائي: ج2 ص91 ط مصر، مقتل الحسين للسيد المقرم: ص196.

[6] کامل الزيارات: ص75 باب 23، وذکر أبو الفرج في الأغاني: ج8 ص151 طبعة سياسي.