بازگشت

هل شخصية شهربانو حقيقية ؟


هل بالامكان أن نقول بأن ليزدجرد الساساني ابنة باسم شهربانو أواي اسم آخر بالاستناد إلي هذه المصادر السالفة ، حتّي نعتقد بأنها هي ام الإمام السجاد (ع)؟ وهل يكفي للمحقق الذي هو بصدد كشف الحقيقة و الذي لا يريد أن يتبع الشايع بين الناس العاديين : أن يعتمد علي هذاالقدر من نقول المؤرخين و يري أن شهربانو هي شخصية حقيقية كان لها وجود خارج الذهن أو لا؟

إن ّ اول وأقدم مصدر تاريخي لقصة شهربانو هو ما كتبه اليعقوبي يقول :

«وكان للحسين (ع) من الولد: علي الاكبر.. وعلي الاصغر وامه حراربنت يزدجرد، و كان الحسين سماها غزالة ».

و في ذيل و قائع أيام عمر بن عبد العزيز يقول :

«كانت امه [اُم الإمام السجاد] حرار بنت يزدجرد كسري ، و ذلك أن عمر بن الخطاب لما أُتي بابنتي يزدجرد و هب احداهما للحسين بن علي (ع) فسمّاها: غزالة . وقيل : ان امه كانت من سبي كابل ».

و اليعقوبي كما ترون لم يسند نقله هذا إلي رواية ، ثم لم يسلّم به ، بل شكّك فيه بنقل القول الثاني بانها من سبي كابل . هذا عدا عن أن اسم حرارلا يشبه الاسماء الفارسية ، وأن هناك قرائن قوية تبيّن لنا عدم وقوع هذه القصة في زمان عمر، بل لم يعثر المسلمون لا علي عهده ولا في اي زمان آخر علي ابنة ليزدجرد باسم شهربانو او أي اسم آخر.

أما كتاب «فرق الشيعة » الذي هو أيضاً من المصادر القديمة لهذه القصة ، فهناك قرائن عديدة من نفس الكتاب لا نستطيع معها أن ننسبه إلي اي واحد من هذين العلمين العالمين من الشيعة : ابي محمد النوبختي او سعد بن عبد الله الاشعري القمي ، بل لا نستطيع أن نعدّ كاتبه من الشيعة أصلاً. وعلي هذا فكيف نتمكن أن نجعل هذا الكتاب المجهول المؤلف و حتّي تاريخ التأليف مصدراً لهذه القصة ؟! ثم انه ليس باقوي حالاً من اليعقوبي ، بل هماسيّان في الوهن و الضعف ، فهما مما كتب علي الاكثر في اواخر القرن الثالث الهجري ، ولا شك في أن هذه القصة كانت قد راجت في ذلك العهد. ولا يخفي أن المذكور في عبارة هذ الكتاب انما هو: أن جهانشاه أُسرت بيد المسلمين العرب ، ولا يقول متي ، ولا يتكلم عن احضارها إلي المدينة بمحضر عمر.

و الآن لننظر في حديث عمرو بن شمر: وهذا الحديث لا يترجح من حيث الدراية علي نقل اليعقوبي ولا يسلم من حيث السند والمتن ، فان راويه الاخير هو عمرو بن شمر الذي يقول فيه النجاشي : «ضعيف جداً،زيد احاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه ، و الامر ملتبس »وضعفه ابن الغضائري والشيخ البهائي في الوجيزة و المجلسي في مرآة العقول فلا يعتمد علي روايته .

وأما من حيث المتن : فقد جاء في هذا الحديث هذه العبارة :

«وكان يقال لعلي ّ بن الحسين (ع): ابن الخيرتين : فخيرة الله من العرب هاشم و من العجم فارس ».

وهذه الجملة تشير إلي حديث يروي أن الرسول (ص) قاله : «لله تعالي من عباده خيرتان ، فخيرته من العرب قريش ، و من العجم فارس ».

او: «إن ّ لله من عبادة خيرتين : فخيرته من العرب قريش ، و من العجم فارس ».

او: «إن ّ لله خيرتين من خلقه : من العرب قريش ، و من العجم فارس ».

او: «إن ّ الله خَيّر من خلقه صنفين : من العرب قريشاً، ومن العجم فارساً».

ولم يُرو هذا الحديث من طرق الشيعة ، و انما رواه من طرق السنة :الديلمي و ابن شاهبن و ابن مندة وابو نعيم عن معن بن عيسي المتوفي 198 هـ من اصحاب الإمام مالك ، عمّن حدّثه ، عن عمران بن ابي أنس القرشي عن عبد الله بن رزق المخزومي عن الرسول (ص).

في حين أن ّ عبد الله بن رزق لم ير الرسول (ص) وكأنّه يرويه عن أنس بن مالك . وقد قال فيه الازدي : حديثه ليس بصحيح .

وقد قال الله سبحانه : (إن ّ اكرمكم عند الله اتقاكم ) و قال الرسول (ص):(لا فضل لعربي علي أعجمي ولا لاعجمي علي عربي إلاّ بالتقوي ).

وعلي فرض صحة الحديث وتخصيص الآية والحديث به ، فلو كان فضل لقريس علي العرب فانما هو لاشتمالهم علي مزايا و صفات حميدة ممتازة وكون الرسول منهم ، أما الفخر بناس مخالفين في الدين مع الرسول (ص) بل محاربين لدينه ومغلوبين علي أمرهم أمام المسلمين فانماهو هزء وسخرية !

بل لاشك في أن هذا الحديث كعشرات الاحاديث الاخري من قبيل ما رُوي انه قال : «ولدت في زمن الملك العادل » او «السلطان ظل الله في أرضه » انما هو من صنائع الشعوبيين وإشاعاتهم .

وهناك قرائن توجب ـ من حيث الدراسة ـ التشكيك في صحة هذه القصة ، بل تثبت كذبها، وبالنتجية سقوط هذه الرواية و سائر و نقول المؤرخين عن درجة الاعتبار لسببين :

الاوّل : ما يشتمل عليه هذا الحديث من المبالغات التي تقوّي كونه موضوعاً مصنوعاً، كما في قوله : «اشرف لها عذاري المدينة و اشرق المسجد بضوئها لما دخلته ، فلما نظر إليها عمر غطّت وجهها». فلو كانت أُدخلت المسجد بوجه سافر مكشوف حتّي أن المسجد اشرق بضوئها،ولم تكن تستحي من الرجال الاجانب فكيف غطّت وجه ها لما نظر إليها عمر؟! فهل كان سائر الناس من محارمها وانما كان عمر اجنبيّاً عليها؟!أليس هذا الكلام الجزاف دليلا علي وضع هذه القصة ؟!.

الثاني : أن الطبري وابن الاثير والبلاذري والمؤرخين الآخرين حتّي اليعقوبي ، من الذين سجّلوا حروب المسلمين مع الفرس بالتفصيل ، لم يأتوا خلال تفاصيلهم بأي ّ حديث عن أسر بنات يزدجرد او اية امرأة من نساء بلاطه ، بل نري أن يزدجرد «هرب في من بقي معه فلحق باصبهان ثم سار إلي ناحية الري واتاه صاحب طبرستان فأعلمه حصانة بلاده و امتنع عليه و مضي إلي مرو، وكان معه الف أسوار من أساورته و الف خبّاز، و الف صناجه ».

و من المسلم به ان خراسان انّما فُتحت في خلافة عثمان بن عفان ،و علي هذا يظهر أن قصة أسر شهربانو في عهد عمر لا أساس لها من الصحة اصلاً.

ونفهم مما كتبه المؤرخون بشأن فرار يزدجرد: أن يزدجرد وحرمه منذ بداية حرب القادسية وحتّي نهاية فتح نهاوند (فتح الفتوح ) لم يكونوا في جبهات الحروب أبداً، وأنهم كانوا في كل حرب قبل أن يصل جيش عدوّهم يصلون بانفسهم إلي مأمن من البلاد البعيدة ، بل ان يزدجرداستطاع أن يصل إلي خراسان بأهله و معهم الف طبّاخ و غيرهم بسلام !وعلي هذا فكيف اُسرت ابنته شهربانو و اين ؟ ومتي وقعت بيد المسلمين ؟! و متي سميت شهربانو ولم نر هذا الاسم في عداد اولاده و بناته ؟!.

بالنظر في هذه القرائن التي تنفي أن تكون ابنة يزدجرد قد أُسرت في عهد عمر، نعرف قيمة ما كتبه الزمخشري في «ربيع الابرار» وكذلك ما كتبه الآخرون بالاعتماد علي ما نقله و اضافوا عليه ، فبلغوا بعدد السبايامن بناته ثلاثاً، فزوجوا إحداهن ّ لعبد الله بن عمر والثانية لمحمد بن أبي بكر، ولا دليل علي أسر شهربانوا فضلاً عن أخواتها.

ولا أساس ـ أيضاً ـ لما كتبه صاحب «روضة الصفا» الذي روي أن أسر هذه البنات الثلاث كان علي يد الحريث بن جابر الجُعفي في عهد علي (ع) وقال : انه أخذ هذا عن «ربيع الابرار» للزمخشري ، وقد اسلفناعبارة «ربيع الابرار» و رأينا أن الزمخشري يقول بوقوعه علي عهد عمر!.

وأما خبر «عيون أخبار الرضا» المروي عن سهل بن قاسم النوشجاني ؛ فبالاضافة علي جهالة حال هذا الرجل ، نراه يقول :«فوهب احداهما للحسن و الاخري للحسين فماتتا عندهما نفساوين فكانت صاحبة الحسين نفست بعلي بن الحسين ، فكفل علياً بعض امهات ولدابيه ، فنشأ و هو لا يعرف امّاً غيرها، ثم علم أنها مولاته ، فكان الناس يسمّونها امّه »!. ونسجل علي هذا الخبر الملاحظات التالية :

أولاً: يخالف سائر الاخبار في منحهما للحسنين (ع)!.

ثانياً ـ من الغريب انهما تموتان نُفساوين ! فتموت ام الإمام السجاد بعد ولادته و تموت اختها قبل الولادة دون ولد.

ثالثاً ـ يكفل علياً (ع) بعض امهات ابيه ! ولا نري لابيه الحسين (ع) اي ّ ام ولد في عداد ازواجه واولاده .

رابعاً ـ كون الإمام السجاد ينشأ و هو لا يعرف امّاً غيرها، ثم يعلم أنها مولاته ، وهذا مما لا يناسب مقام الإمام و لا يقوله الإمام الرضا (ع).

خامساً ـ الرواية تقول عن لسان الإمام الرضا أنه قال للراوي النوشجاني : «إن بيننا وبينكم نسباً»، ثم لا نري النسبة في الرواية إلاّ أن نأخذ بما رواه ابن شهر اشوب في عداد الاقوال بأن اسمها برة بنت النوشجان ، فتكون ابنة الجدّ الاعلي لهذا الراوي ، ولا تكون ابنة يزدجردولا اسمها «شهربانويه ».

و نري هنا أن الراوي أراد أن يثبت لنفسه فخراً، فغفل خبره عن نسبة النوشجاني فحرّفوا خبره إلي الشائع من نسبة السببيّة إلي يزدجرد لاالنوشجاني جدّ الراوي . و نري تأكيد الراوي علي الرواية فيقول في آخرخبره : ما بقي طالبي عندنا إلاّ كتب عني هذا الحديث عن الرضا (ع)،فكيف غفل عن هذه النسبة الشريفة كل الطالبيين فلم يكن فيهم رجل يعرفها؟!.

هذا وقد اضاف ابن البلخي في «فارسنامه » حديثاً عن عُلوّ رتبة الحسينيين علي الحسنيين ، لا لشي ء إلاّ لان ّ امهم كانت مجوسية الاصل !.

وحسب صاحب «قابوسنامه » أنها كانت تعيش في المدينة عدة سنين ، فوقفت واطلعت خلالها علي الحياة الداخلية لاهلها، فلم ترض بالزواج مع علي (ع)، لان فاطمة (عليها السلام ) كانت زوجته ، وهي لاتريد أن تغضبها! وهي تعلم أن الحسن (ع) نكّاح النساء فلم ترض َ به بعلاً!.