بازگشت

موقفه من معاوية بن ابي سفيان


وله في موقفه هذا من معاوية صورتان تكامليّتان، كلاهما تحكيان مبدأيّته العصماء في لحاظ مصلحة الإسلام العليا:

الصورة الأولي: التزامه (ع) بعهد أخيه الامام الحسن (ع)، ووفاؤه ببنود صلح أخيه المبرم مع معاوية بن أبي سفيان لاعتقاده بأنّ المصلحة الإسلامية لا زالت في ذلك، ولأن مبادئ الإسلام وأحكامه تأبي عليه نقض العهود والتحلّل من الوفاء بالعقود، إلاّ إذا أُخلّ بشروطه أو انتهت مدته، لقول الله تعالي: (يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، [1] وقوله أيضاً:)وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولاً). [2] فممّا رواه الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السِيَر قالوا: لمّا مات الحسن بن عليّ (ع) تحرّكت الشيعة بالعراق، وكتبوا إلي الحسين (ع) في خلع معاوية والبيعة له، فامتنع عليهم، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتي تمضي المدّة، فإن مات معاوية نظر في ذلك. [3] .

الصورة الثانية: وفيها سلك الإمام الحسين (ع) مسلكاً تكامليّاً في مقابل التزامه بما تمليه عليه الحكمة الإلهية والمصلحة الإسلامية للصلح الذي عقده الإمام الحسن (ع) مع معاوية، والتي من أبرزها كشف حقيقة هذا الأخير وحقيقة حكومة بني أمية للمسليمن، فانطلق الإمام (ع) من نفس هذه الحكمة الإلهية والمصلحة الإسلامية، وعمل جهده لكشف هذه الحقيقة.

وهنا يتبيّن لنا السر في عدم التخالف بين موقفه في الصورة الأولي وموقفه في هذه الصورة الثانية، فهما صورتان لموقف تكاملي هادف، يحفظ في الأولي حدود الصلح المعلنة، ويسعي في الثانية لتكميل تحقيق الأهداف المنشودة لهذا الصلح، وذلك عن طريق إظهار الحق وإعلانه في وجه معاوية بن أبي سفيان، والتصديّ له بالحجّة البالغة، وتعرية انحرافه عن كتاب الله وسنّة نبيّه (ص)، ودرء البدع التي أحدثها في الدين، واستنكار الظلم والجور الذي أوقعه علي صفوة الأصحاب والتابعين من شيعة أهل البيت (ع)، وسفك دمائهم الطاهرة، خلافاً لبنود الصلح المبرم مع الإمام الحسن (ع). وممّا روي في ذلك:

1 - تصدّيه (ع) لأمر معاوية وولاته وعمّاله بلعن أمير المؤمنين (ع) علي المنابر واضطهاد شيعته، وقتل من يروي شيئاً من فضائله، فعن سليم بن قيس قال: نادي منادي معاوية أن قد برئت الذمّة ممّن يروي حديثاً من مناقب عليّ وفضل أهل بيته، وكان أشدّ الناس بليّة أهل الكوفة، لكثرة من بها من الشيعة، فاستعمل زياد بن أبيه، وضمّ إليه العراقين الكوفة والبصرة، فجعل يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف. يقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وصلبهم في جذوع النخل، وسمل أعينهم وطردهم وشرّدهم، حتي نُفوا عن العراق فلم يبق بها أحد معروف مشهور فهم بين مقتول أو مصلوب أو محبوس أو طريد أو شريد. وكتب معاوية إلي جميع عمّاله في جميع الأمصار أن لا تجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة، وانظروا قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه ومحبّي أهل بيته وأهل ولايته، والذين يروون فضله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا بمن يروي من مناقبه واسم أبيه وقبيلته، ففعلوا حتي كثرت الرواية في عثمان، وافتعلوها لما كان يبعث إليهم من الصِّلات والخِلَع والقطائع من العرب والموالي، وكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في الأموال والدنيا، فليس أحد يجيء من مصر من الأمصار فيروي في عثمان منقبة أو فضيلة إلاّ كتب اسمه وأُجيز، فلبثوا بذلك ما شاء الله.

ثم كتب إلي عمّاله أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر، فادعوا الناس إلي الرواية في معاوية وفضله وسوابقه، فإن ذلك أحبّ إلينا وأقرّ لأعيننا، وأدحض لحجّة أهل البيت وأشدّ عليهم، فقرأ كلّ أمير وقاض كتابه علي الناس!! فأخذ الرواة في فضائل معاوية علي المنبر في كل كورة وكل مسجد زوراً، وألقوا ذلك إلي معلّمي الكتاتيب، فعلّموا ذلك صبيانهم كما يعلّمونهم القرآن، حتي علّموه بناتهم ونساءهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ما شاء الله.

وكتب زياد بن أبيه إليه في حقّ الحضرميّين أنهم علي دين علي وعلي رأيه، فكتب إليه معاوية أن اقتل كلّ من كان علي دين عليّ ورأيه، فقتلهم ومثّل بهم!!

وكتب كتاباً آخر: أنظروا من قبلكم من شيعة علي واتّهمتموه بحبّه فاقتلوه، وإن لم تقم عليه البيّنة، فاقتلوه علي التهمة والظنة والشبهة تحت كل حجر حتي أن الرجل لتسقط منه كلمة فتُضرب عنقه، في حين كان الرجل يرمي بالزندقة والكفر فلا يتعرّض له بمكروه بل يكّرم ويعظم!! وكان الرجل من الشيعة لا يأمن علي نفسه في بلد من البلدان، لا سيما الكوفة والبصرة، حتي لو أن أحداً منهم أراد أن يلقي سرّاً إلي من يثق به خاف خادمه ومملوكه، فلا يحدّثه إلاّ بعد أن يأخذ عليه الأيمان المغلّظة أن يكتم عليه، حتي كثرت أحاديثهم الكاذبة، ونشأ عليها الصبيان.

وكان أشدّ الناس في ذلك القرّاء المراؤون المتصنّعون، الذين يُظهرون الخشوع والورع، فكذبوا وانتحلوا الأحاديث وولّدوها، فحظوا بذلك عند الولاة والقضاة وأدنوا مجالسهم، وأصابوا الأموال والقطائع والمنازل، حتي صارت أحاديثهم ورواياتهم عندهم حقّاً وصدقاً، فرووها وقبلوها وتعلّموها وعلّموها، وأحبّوا عليها وأبغضوا من ردّها أو شكّ فيها، فاجتمعت علي ذلك جماعتهم، وصارت في يد المتنسّكين والمتديّنين منهم، فقبلوها وهم يرون أنها حق، ولو علموا بطلانها وتيقّنوا أنها مفتعلة لأعرضوا عن روايتها ولم يدينوا بها، ولم يبغضوا من خالفها، فصار الحقّ في ذلك الزمان عندهم باطلاً، والباطل عندهم حقّاً، والكذب صدقاً، والصدق كذباً.

فلمّا مات الحسن بن علي (ع) ازداد البلاء والفتنة، فلم يبق لله ولي إلاّ هو خائف علي نفسه، أو مقتول أو طريد شريد، فلمّا كان قبل موت معاوية بسنتين، حجّ الحسين بن علي (ع) وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس معه. وقد جمع الحسين بن علي (ع) بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم، من حج منهم ومَنْ لم يحج، ومن الانصار ممّن يعرفونه وأهل بيته، ثم لم يدع أحداً من أصحاب رسول الله (ص) ومن أبنائهم والتابعين، ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنسك إلاّ جمعهم، فاجتمع عليه بمنيً أكثر من ألف رجل عامتهم التابعون وأبناء الصحابة، والحسين (ع) في سرادقه، فقام (ع) فيهم خطيباً، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: "أما بعد، فإنّ الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإنّي أريد أن أسألكم عن أشياء، فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكذّبوني. إسمعوا مقالتي واكتموا قولي، ثم ارجعوا إلي امصاركم وقبائلكم من أمنتموه ووثقتم به فادعوهم إلي ما تعلمون، فإني أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون".

فما ترك الحسين (ع) شيئاً أنزل الله فيهم (أهل البيت - ع -) من القرآن إلاّ قاله وفسّره، ولا شيئاً قاله الرسول في أبيه وأمّه وأهل بيته إلاّ رواه. وفي كل ذلك يقول الصحابة: اللهم نعم، قد سمعناه وشهدناه، ويقول التابعون: اللهم قد حدّثنا من نصدّقه ونأتمنه، حتي لم يترك شيئاً إلاّ قاله، ثم قال: "أنشدكم بالله إلاّ رجعتم وحدّثتم به من تثقون به"، ثم نزل وتفرّق الناس علي ذلك. [4] .

2 - استنكاره (ع) علي معاوية قتله لصفوة من صحابة رسول الله وتابعيهم من شيعة أهل البيت لقد روي صالح بن كيسان قال: لما قَتل معاوية حجر بن عدي وأصحابه حجّ ذلك العام، فلقي الحسين بن علي (ع) فقال: يا أبا عبد الله، هل بلغك ما صنعنا بحجر واصحابه وأشياعه وشيعة أبيك؟ فقال (ع): "وما صنعت بهم"؟ قال: قتلناهم، وكفّناهم، وصلّينا عليهم. فضحك الحسين (ع) ثم قال: "خصمك القوم يا معاوية، لكننا لو قتلنا شيعتك ما كفنّاهم ولا صلّينا عليهم ولا قبرناهم. ولقد بلغني وقيعتك في علي وقيامك ببغضنا، واعتراضك بني هاشم بالعيوب، فإذا فعلت ذلك فارجع إلي نفسك، ثم سلها الحق عليها ولها، فإنْ لهم تجدْها أعظم عيباً، فما أصغر عيبك فيك، وقد ظلمناك يا معاوية فلا توترنّ غير قوسك ولا ترمينّ غير غرضك، ولا ترمنا بالعداوة من مكان قريب، فإنّك والله لقد أطعت فينا رجلاً ما قدُم إسلامه، ولا حدث نفاقة، ولا نظر لك، فانظر لنفسك أو دع" - يعني عمرو بن العاص -. [5] .

وجاء في سيرة أهل البيت لأبي علم: إن مروان بن الحكم كتب إلي معاوية، وكان عامله علي المدينة، أمّا بعد، فإن عمرو بن عثمان ذكر أن رجالاً من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلي الحسين بن علي (ع)، وأنه لا يؤمن وثوبه، وقد بحثت عن ذلك فبلغني أنه يريد الخلاف يومه هذا، فاكتب إليّ برأيك، فكتب إليه معاوية: بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين، فإيّاك أن تتعرّض له بشيء، واترك حسيناً ما تركك، فإنّا لا نريد أن نتعرّض له ما وفي ببيعتنا، ولم ينازعنا سلطاننا، فأمسك عنه ما لم يبدِ لك صفحته.

وكتب إلي الحسين (ع): أمّا بعد، فقد انتهت إليّ أمور عنك إن كانت حقاً فإني أرغب بك عنها، ولعمر الله إن من أعطي الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء، وإن أحق الناس بالوفاء من هو مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها، فاذكر، وبعهد الله أوفِ، فإنك متي تنكرني أنكرك، ومتي تكدني أكدك، فاتّق شقّ عصا هذه الأمّة، وأن يردّهم الله علي يديك في فتنة، فقد عرفت الناس وبلوتهم، فانظر لنفسك ولدينك ولأُمّة جدك، ولا يستخفنّك السفهاء الذين لا يوقنون.

فكتب إليه الحسين (ع) في جوابه: "أما بعد، فقد بلغني كتابك أنه بلغك عني أمور أن بي عنها غنيً زعمت أني راغب فيها، وأنا بغيرها عنك جدير، أمّا ما رقي اليك عنّي، فإنه رقّاه إليك الملاّقون المشّاءون بالنمائم، المفرّقون بين الجمع، كذب الساعون الواشون، ما أردت حربك ولا خلافاً عليك. وأيمُ الله إني لأخاف لله عزّ ذكره في ترك ذلك، وما أظنّ الله تبارك وتعالي براض عنّي بتركه، ولا عاذري بدون الاعتذار إليه فيك وفي أولئك القاسطين الملبّين حزب الظالمين، بل أولياء الشيطان الرجيم".

ألست قاتل حجر بن عدي أخي كندة وأصحابه الصالحين المطيعين العابدين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون المنكر والبدع ويؤثرون حكم الكتاب، ولا يخافون في الله لومة لائم، فقتلتهم ظلماً وعدواناً بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلّظة والمواثيق المؤكّدة، لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم، ولا بإحنة تجدها في صدرك عليهم؟!

أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله، العبد الصالح الذي أبلته العبادة فصفّرت لونه، ونحّلتْ جسمه، بعد أن أمّنته وأعطيته من عهود الله عزّ وجلّ وميثاقه ما لو أعطيته العُصم ففهمته لنزلت إليك من شغف الجبال، ثم قتلته جرأة علي الله عزّ وجلّ واستخفافاً بذلك العهد؟!".

"أولست المدّعي زياد بن سميّة، المولود علي فراش عبيد عبد ثقيف، فزعمت أنه ابن أبيك؟ وقد قال رسول الله: الولدللفراش وللعاهر الحجر، فتركت سنة رسول الله واتبعت هواك بغير هديً من الله، ثم سلّطته علي أهل العراق فقطع أيدي المسلمين وأرجلهم وسمل أعينهم، وصلبهم علي جذوع النخل كأنك لست من هذه الأمّة وليسوا منك"؟!

"أولست صاحب الحضرميّين الذين كتب إليك فيهم ابن سميّة أنهم علي دين عليّ ورأيه، فكتبت إليه اقتل كلّ من كان علي دين علي (ع) ورأيه، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك؟! ودين عليّ - والله - وابن عليّ للذي كان يضرب عليه أباك، وهو أجلسك بمجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك لكان أفضل شرفك وشرف أبيك تجشم الرّحلتين اللتين بنا منّ الله عليكم فوضعهما عنكم. وقلت فيما تقول: أنظر نفسك ولدينك ولأمّة محمد (ص) واتقِ شقّ عصا هذه الأمّة وأن تردّهم في فتنة. فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها، ولا أعلم نظراً لنفسي وولدي وأمّة جدي أفضل من جهادك، فإن فعلته فهو قربة إلي الله عزّ وجلّ، وإن تركته فأستغفر الله لذنبي وأسأله توفيقي لإرشاد أُموري".

"وقلت فيما تقول: إن أنكرك تنكرني، وإن أكدك تكدني. وهل رأيك إلاّ كيد الصالحين منذ خلقت؟ فكدني ما بدا لك إن شئت، فإني أرجو ألاّ يضرّني كيدك، وألاّ يكون علي أحد أضرّ منه علي نفسك، علي أنك تكيد فتوقظ عدوّك وتوبق نفسك، كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم ومثّلت بهم بعد الصلح والأيمان والعهد والميثاق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا إلاّ لذكرهم فضلنا. وتعظيمهم حقّنا بما به شرفت وعرفت، مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا. أو ماتوا قبل أن يدركوا".

"أبشر يا معاوية بقصاص، واستعد للحساب، واعلم أنّ الله عزّ وجلّ كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، وليس الله تبارك وتعالي بناس أخذك بالظِنة وقتلك أولياءه بالتهمة، ونفيك إيّاهم من دار الهجرة إلي الغربة والوحشة، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام من الغلمان، يشرب الشراب، ويلعب بالكعاب. لا أعلمك إلاّ قد خمّرت نفسك، وشريت دينك، وغششت رعيتك، وأخزيت أمانتك، وسمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت التقي الورع الحليم".

قال: فلمّا قرأ معاوية كتاب الحسين (ع) قال: لقد كان في نفسه غضب عليّ ما كنت أشعر به، فقال ابنه يزيد، وعبد بن أبي عمير بن جعفر: أجبه جواباً شديداً تصغر إليه نفسه، وتذكر أباه بأسوأ فعله وآثاره. فقال: كلاّ، أرأيتما لو أنّي أردت أعيب عليّاً محقّاً ما عسيت أن أقول؟ إن مثلي لا يحسن به أن يعيب بالباطل وما لا يعرف الناس، ومتي عبت رجلاً بما لا يعرف لم يحفل به صاحبه ولم يره شيئاً، وما عسيت أن أعيب حسيناً وما أري للعيب فيه موضعاً إلاّ أني قد أردت أن أكتب إليه وأتوعّده وأهدده وأجهله ثم رأيت ألاّ أفعل. [6] .

3 - إظهاره وإعلانه لفضائل أهل البيت (ع) وحقهم في ولاية المسلمين، فعن موسي بن عقبة أنه قال: لقد قيل لمعاوية إنّ الناس قد رموا أبصارهم إلي الحسين (ع)، فلو قد أمرته يصعد المنبر ويخطب، فإن فيه حصراً أو في لسانه كلالة. فقال لهم معاوية: قد ظننّا ذلك بالحسن، فلم يزل حتي عظم في أعين الناس وفضحَنا، فلم يزالوا به حتي قال للحسين: يا أبا عبد الله لو صعدت المنبر فخطبت، فصعد الحسين (ع) المنبر، فحمد الله وأثني عليه وصلّي علي النبي (ص)، فسمع رجلاً يقول: من هذا الذي يخطب؟ فقال الحسين (ع): "نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله (ص) الأقربون، وأهل بيته الطيبون، وأحد الثقلين الذين جعلنا رسول الله (ص) ثاني كتاب الله تبارك وتعالي، الذي فيه تفصيل كل شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوّل علينا في تفسيره، لا يبطينا تأويله، بل نتبع حقايقه، فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة، أن كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة. قال الله عزّ وجلّ: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول)، وقال: (ولو ردّوه إلي الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتّبعتم الشيطان إلاّ قليلاً)".

"وأحذرّكم الإصغاء إلي هتوف الشيطان بكم، فإنّه لكم عدوّ مبين، فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم لا غالب لكم اليوم من الناس وإنّي جارٌ لكم، فلما تراءت الفئتان نكص علي عقبيه وقال إني بريء منكم، فتلقون للسيوف ضرباً وللرماح ورداً وللعمد حطماً وللسهام غرضاً، ثم لا يقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً". [7] .


پاورقي

[1] المائدة: 1.

[2] الإسراء: 34.

[3] الشيخ المفيد، الإرشاد: 200.

[4] راجع الاحتجاج للطبرسي 2: 295 - 296.

[5] الطبرسي، الاحتجاج 2: 296 - 297.

[6] الحسني، سيرة الأئمة الاثني عشر 2: 45. والطبرسي، الاحتجاج 2: 297 -298.

[7] الطبرسي، الاحتجاج 2: 298 - 299.