بازگشت

طلائع الانتباه


لقد كان لخطبه زبنب في تلك الحفله الرهيبه- التي كانت تضم بين جنبيها عددا كبيرا من مختلف الناس- صدي عظيم، بحيث نبهت الناس و ايقظتهم من نومتهم، كانهم كانوا في سبات عميق ذهبت بعقولهم و مشاعرهم.

ازاحت ربه الخدر حجب الشبهات عن عيون اعيان الشام الذين كانوا يزعمون ان هولاء من سبي الروم و التتر، حتي كان احدهم يطالب يزيد احدي بنات رسول الله (ص) تكون امه له و خادمه في بيته، فانكشفت لاعيان الشام حقيقه السبي و انه من العنصر الهاشمي الزكي و البيت النبوي الطاهر، فعند ما امر يزيد بالحبال فقطعت من اعناقهن و ايديهن، و توجه بالحنان الي زين العابدين و طلب منه ان يصعد المنبر و يعتذر ليزيد من امر اليه الحسين (ع)، فرقي ابن الخيرتين المنبر فحمد الله و اثني عليه و ذكر الرسول فصلي عليه ثم قال [1] .

«... ايها الناس اعطينا ستا و فضلنا بسبع: اعطينا العلم، و الحلم، و السماحه، و الفصاحه، و الشجاعه، و المحبه في قلوب المومنين. و فضلنا بان منا النبي المختار


محمدا، و منا الصديق، و منا الطيار، و منا اسد الله و اسد رسوله و منا سبطا هذه الامه و منا مهدي هذه الامه. من عرفني فقد عرفني، و من لم يعرفني انباته بحسبي و نسبي:.. انا ابن محمد المصطفي. انا ابن علي المرتضي... انا ابن فاطمه الزهراء انا ابن سيده النساء...». و هكذا لم يزل يقول انا ابن، انا ابن حتي ضج الناس بالكباء و خشي يزيد ان تحدث فتنه و انقلاب، فامر الموذن ان يوذن حتي ينقطع- كلام الامام فجعل الموذن يوذن حتي قال: «اشهد ان محمدا رسول الله» التفت العليل من فوق المنبر الي يزيد و قال: «محمد هذا جدي ام جدك يا يزيد؟! فان زعمت انه جدك فقد كذبت و كفرت، و ان زعمت انه جدي فلم قتلت عترته؟!».

بهذه الخطيه الرنانه تمكن علي بن الحسين (ع) ان يوجه نحوه وجوه اهل الشام- كما اثرت من قبل خطبه عمته زينب في اعيان الشام-.

و مما مضي نعلم ان النهضه الحسينيه- التي دار محورها حول تنبيه الامه علي سيآت بني اميه- لم ينقطع سيرها بانقطاع حياه الحسين في طف كربلاء- كما قلنا ذلك في الفصل السابق- بل قامت مقامه شقيقته زينب و ازالت الستار عن مخازي بني اميه الجور حتي في عاصمتهم، و في نوادي ابن زياد و يزيد، و كذا قام بدوره علي شبل الحسين السبط في هذه المواضع الرهيبه منبها للغافلين، و ناقما علي الظالمين، و مبشرا بمابدي ء حدي الامين- ليهلك من هلك عن بينه، و يحيي من حي عن بينه-.

عند ذلك قلب يزيد ظهر المجن، و اظهر الندم من قتل الحسين قائلا: «لعن الله ابن مرجانه، لقد كنت اكتفي منه عن الحسين باقل من هذا» و طلب من علي ابن الحسين ان يعرض عليه حاجته، فقال له: «اريد منك ان تريني وجه ابي، و ان تعيد علي النساء ما اخذ منهن، ففيها مواريث الاباء و الامهات، و اذا كنت تريد قتلي فارسل مع العيال من يودي بهن الي المدينه» فاجابه بقوله: «اما وجه ابيك فلن تره،و اما ما اخذ منكم فيرد اليكم، و اما النسوه فلا يردهن غيرك، و قد عفوت عن قتلك».

هنا و في هذه الساعه انطفات جذوقه الانتقام- التي كان لهيبا يستعر في صدر يزيد من قبل-، و هنا خاتمه المصائب.


هنا اذن يزيد لاهل البيت النبوي اقامه العزاء لفقد سيدهم ليالي و اياما، و علت من بيوت يزيد و نسوته اصوات البكاء و العويل- كحمامات الدوح يتجا و بن النوح مع النوادب من آل الرسول علي سيد شباب اهل الجنه-.

ثم امر يزيد الخنا النعمان بن بشير ان يسير بآل الرسول الي المدنيه المنوره في العشرين من صفر، و ينزل بعيدا عنهم، و يسير كذلك و لا ينزل الا بامرهم و لا يرحل الا بمثله و ان يراعي في حسن خدمتهم كل ما في وسعه من عطف و رافه.

بلغ السبي النبوي المدينه و لكن بايه حاله؟! تعرف مبلغ التاثير في اهل البيت مما خاطبت زينب المدنيه قائله:



مدينه جدنا لا تقبلينا

فبالحسرات و الاحزان جينا



خرجنا منك بالاهلين جمعا

رجعنا لا رجال و لا بنينا



و كنا في الخروج بجمع شمل

رجعنا حاسرين مسلبينا



و كنا في امسان الله جهرا

رجعنا بالقطيعه خائفينا



و مولانا الحسين لنا انيس

رجعنا و الحسين به رهينا



فنحن الضائعات بلا كفيل

و نحن النائحات علي اخينا



و نحن السائرات علي المطايا

نشال علي جمال المبغضينا



ثم اخذت بعضادتي باب مسجد النبي (ص) و قالت بلهفه: «يا جداه! اني ناعيه اليك اخي الحسين» و لا زالت بعد ذلك لا تجف لها عبره، و لا تفتر من البكاء و النحيب. و كلما نظرت الي علي بن الحسين (ع) تجدد احزانها و زاد وجدها.



پاورقي

[1] ان هذه الخطبه العظيمه التي القيت علي مسامع اهل الشام کانت مفصله جدا راينا اختصارها بمقتضي هذا الکتاب و انتخبينا منها بعض الجمل و الفصلول فقط. و تفصيل هذه الخطبه مذکور في کتاب بحار الانوار ج 10.