بازگشت

مصرع الامام و مقتله


لقد توالت علي ابن النبي (ص) جروح داميه من مطارده الابطال و مضاربه الفرسان، و اثناء مناصرته لانصاره و مكاشفه الجيش عن اهل بيته، و عندما بلغ السناه رمي ابن نمير بسهم فجرح ما بين فمه و حنكه و ملا كفيه دما فحمد الله و قال: «اللهم احصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تبق منهم احدا، و لا ترض الولاه عنهم ابدا». ثم ضربه كندي علي راسه بالسيف فقطع البرنس و ادمي راسه و امتلا البرنس دما فقال الحسين: «لا اكلت بيمينك و حشرك الله مع الظالمين» و القي البرنس و ليس القلنسوه، ثم شج جبينه ابو الحتوف الخارجي بالحجاره، فسالت الدماء علي وجهه و افضت الاصابات و العصابات الي هويه نحو مصرعه، و اقبل شمر برجاله يحول بين الحسين (ع) و رحاله، و اغتنمت رجاله الجيش عندئذ فرصه مصرعه لاغتنام ما في رحله، و ما علي اهله- اولئك الذين فقدوا في تلك الساعه الرهيبه حامي حماهم- فاستفزت ضجتهم مشاعر الحسين الهادئه، فرفع راسه و بصره و اذا باجلاف القوم زاحفون من سفح التلال نحو مخيمه للسلب و النهب، فاثارت الغيره في حسين المجد روحا جديده، فنهض زاحفا علي ركبتيه قائلا: «يا شيعه آل ابي سفيان: ان لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا احرارا في دنياكم و راجعوا احسابكم و انسابكم ان كنتم عربا».


فصاح شمر: «مال تقول يا ابن فاطمه؟» قال الامام: «اقول انا الذي اقاتلكم و تقاتلوني، و النساء ليس عليهن جناح، فارجعوا بطغاتكم و جهالكم عن التعرض لحرمي» فقالوا: ذلك لك و رجعوا.

و مكث الامام (ع) صريعا يعالج جروحه الداميه و الناس يتقون قتله و كل يرغب في ان يكفيه غيره. فصرخ بهم شمر قائلا: «و يحكم ماذا تنتظرون بالرجل، اقتلوه ثكلتكم امهاتكم» فهاجوا علي الحسين و احتوشوه فضربه زرعه علي عاتفه بالسيف.

و اقبل عندئذ غلام من اهله و قام الي جنبه- و قد هوي ابن كعب بسيفه- فصلاح به الغلام: «يا ابن الخبيثه اتقتل عمي؟» و اتقي السيف بيده فاطنها و تعلقت بالجلده فنادي الغلام: «يا اماه» فاعتنقه الحسين قائلا: «صبرا يا ابن اخي علي ما نزل بك. فان الله سيلحقك بآبائك الطاهرين الصالحين، برسول الله و بعلي و بالحسن» ثم قال: «اللهم امسك عنهم قطر السماء، و امنعهم بركات الارض،اللهم ابن متعتهم الي حين ففرقهم فرقا، واجعلهم طرائق قددا، و لا ترضي عنهم الولاه ابدا، فانهم دعونا لينصرونا فغدوا علينا يقتلونا».

ثم تضاعفت الرجاله و الخياله علي الحسين عليه السلام و طعنه سنان برمحه و قال لخولي: «احتز الراس» فضعف هذا و ارعد، فقال له سنان: «فت الله عضدك» و نزل و ذبح الامام و دفع راسه الي خولي. و سلبوا ما علي الحسين (ع)- حتي سراويله و نعليه- ثم تمايل الناس الي رحله و ثقله و ما علي اهله، حتي ان الحره كانت لتجاذب علي قناعها و خمارها، و المراه تنتزع ثوبها من ظهرها فيوخذ منها، و الفتاه تعالج علي سلب قرطها و سوارها، و المريض يجتذب الاديم من تحته.

ثم نادي ابن سعد في اصحابه: «من ينتذب الي الحسين فيوطي ء الخيل صدره و ظهره؟» فانتدب عشره فوارس، و داسوا بحوافر خيلهم جنازه الامام، و رضوا جناجن صدره. و صلي ابن سعد علي قتلي جيشه و دفنهم، و ترك الشهداء الصالحين علي العراء «و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون».